..[ البســـالة ]..

..[ البســـالة ].. (https://www.albasalh.com/vb/index.php)
-   قســــم الثــقافـة الأدبية (https://www.albasalh.com/vb/forumdisplay.php?f=101)
-   -   عبد الله بن عامر.. بطل قريش الذي أعاد فتح فارس وخُراسان وأفغانستان (https://www.albasalh.com/vb/showthread.php?t=7023)

الباسل 25-10-20 07:06 AM

عبد الله بن عامر.. بطل قريش الذي أعاد فتح فارس وخُراسان وأفغانستان
 
عبد الله بن عامر.. بطل قريش الذي أعاد فتح فارس وخُراسان وأفغانستان



https://www.aljazeera.net/wp-content...size=770%2C513
"أتاكم فتى من قُريش كريم الأمهات والعمّات والخالات، يقول بالمال فيكم هكذا وهكذا".
(الصحابي أبو موسى الأشعري في حقّ عبد الله بن عامر القُرشي)
نزل الإسلامُ بين شعاب مكة مخرجا الناس من ظلمات الجهل والضلالة إلى الإيمان والنور، يحضهم على أن ينفضوا عن أنفسهم دركات من الجاهلية التي عاشوا فيها سنينا، ويبعث في صدورهم أملا أن العزة لا تكون إلا بمعرفة الخالق الأحد، ومكث النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو لهذا الدين ثلاثة وعشرين عاما، أعاد فيها إحياء الإيمان في النفوس، كما أعاد صناعة جيل من الأبطال الكبار الذي ساحوا في مشارق الأرض ومغاربها يدعون الناس إلى عبادة الله وترك عبادة العباد.

وإنك لترى بين هذا الجيل أسماء بلغت من العظمة مبلغا كبيرا؛ مثل خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وشرحبيل بن حسنة، وأبي عبيدة بن الجراح، وسعد بن أبي وقاص، والمثنى بن حارثة، وعشرات غيرهم -رضي الله عنهم- ممن قد يحجبون ضوء التاريخ اللامع عن قادة آخرين كان لهم دورهم في مسيرة الفتوحات الإسلامية الأولى التي انطلقت في قرن الإسلام الأول.

وكان من أبناء هذا الجيل الثاني عبد الله بن عامر بن كُريز بن عبد شمس القُرشي الذي أبلى بلاء حسنا في إيران وأفغانستان، وقاد الانتصارات الظافرة على أولئك الذين حاولوا إعادة دولة بني ساسان الكسروية القديمة، فوأدها في مهدها، وقضى عليها في جحرها، فمَن هو عبد الله بن عامر؟ ومتى وُلِد؟ وكيف كانت تنشئته ومناصبه وقيادته العسكرية الفذة؟ ذاك ما سنعرفه في قصتنا التالية.

https://www.aljazeera.net/wp-content...size=770%2C217

بين جنبات مكة وُلِد عبد الله بن عامر بعد الهجرة النبوية بأربع سنوات، وحين قَدِم النبي -صلى الله عليه وسلم- من المدينة المنورة إلى مكة لقضاء عمرة القضاء سنة سبع من الهجرة، حُمل إليه عبد الله بن عامر وهو ابن ثلاث سنين، فحنّكه (أي مضغ تمرا ووضعه في فمه) فتثاءب، فعوّذه النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: "هذا ابننا وهو أشبهكم بنا وهو مسقى"، كما يروي ابن سعد (ت 230هـ) في "الطبقات الكبرى". فإذا كان عبد الله بن عامر من بني عبد شمس الفرع المنافس لبني هاشم داخل قريش؛ فقد بيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أشبه ببني هاشم منه لبني عبد شمس، لأن أمه كانت بنت عبد المطلب جد النبي -صلى الله عليه وسلم-[1].

كان لدعاء النبي لعبد الله بن عامر بن كريز القرشي أثره في حياته، "فلم يزل عبد اللَّه شريفا. وكان سخيا كريما كثير المال والولد"[2]، وقد روى عبد الله عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، بيد أنه لم يسمع منه مباشرة لصغر سنه، وعدّه بعض المؤرخين لهذا الأمر من جيل التابعين الأول أو ما يُسمى بـ "الطبقة الأولى".


ويبدو أن عبد الله كشف عن مواهبه الدفينة منذ لحظات شبابه، فحين ارتقى عثمان بن عفّان -رضي الله عنه- إلى منصب الخلافة (23-35هـ) أقرّ أبا موسى الأشعري على ولاية البصرة كما كان أوصى عمر -رضي الله عنه- قبل وفاته، وكانت العراق وأقسام شاسعة من بلاد فارس قد فُتحت في سنوات خلافة الفاروق عُمر (13-23هـ)، لكن مقتله -رضي الله عنه- على يد المجوسي في محرابه وانشغال المسلمين بهذا الحادث أدى إلى ارتداد أقسام واسعة من جنوب إيران عن عهودهم مع الفاتحين، وانقضاضهم على الولاة المسلمين، وكان للخليفة الجديد عثمان -رضي الله عنه- والحالة هذه أن يُعيد ترتيب الأمور، ويُعيّن قيادات شابّة قادرة على إعادة أمجاد الماضي.
ولذلك ففي عام 29هـ قرّر تعيين ابن خاله عبد الله بن عامر بن كُريز واليا على البصرة وهو لا يزال ابن خمس وعشرين سنة فقط. وحين جاء خبر تولية عبد الله بن عامر إلى البصرة وواليها الصحابي الجليل أبو موسى الأشعري، قال لأهل البصرة: "قد أتاكم فتى من قُريش كريم الأمهات والعمّات والخالات، يقول بالمال فيكم هكذا وهكذا"[3]، دلالة على كريم أصله ومحتده وكرمه وعطائه. وحين أتى ابن عامر البصرة فقال: "يا أبا موسى! ما أحدٌ مِن بني أخيك أعرفُ بفضلِك مني! أنت أمير البلد إن أقمتَ، والموصولُ إن رحلتَ". فقال أبو موسى: "جزاك الله يا ابن أخي خيرا"، ثم ارتحل إلى الكوفة[4].
https://www.aljazeera.net/wp-content...size=770%2C217
https://www.aljazeera.net/wp-content...size=770%2C513
كانت أوضاع بلاد فارس (إيران) في اضطرابات مستمرة آنذاك، فقد انقلب أهل إصطخر (في جنوب إيران) وارتدّوا واستطاعوا السيطرة على منطقة البيضاء القريبة منهم، وقتلوا أمير المسلمين بها، وبهذا أصبح جنوب ووسط إيران خارجا عن سيطرة المسلمين بعد عقد من سيطرة المسلمين على هذه البلدان، وكانت هذه المناطق تعود إداريا إلى ولاية البصرة وواليها في جنوب العراق، فعزم ابن عامر على إعادة فتح هذه الأقاليم المضطربة وكل ما يحيط بها، بعدما سار في أهل البصرة ونواحيها سيرة حسنة من الجود والكرم واللين، ثم سار بنفسه إلى إصطخر، وتلاقى الفريقان واشتد القتال، وانتصر ابن عامر القرشي، وفتحت المدينة أبوابها للمسلمين من جديد، ثم انتقل إلى مدينة دارابجرد وجُور، وكانتا من جملة المدن التي ارتدّت وغدر أهلها، فأعادهما ابن عامر إلى سيطرة الدولة عنوة وقوة.
وبهذا استطاع عبد الله أن يُعيد مناطق فارس الشاسعة في وسط وجنوب إيران إلى سيادة الدولة الإسلامية بعد أشهر قليلة من اعتلائه ولاية البصرة سنة 29هـ، وكانت عيناه تتطلع إلى الأقاليم الشرقية البعيدة في خراسان لإعادة افتتاحها، لا سيما أن أهل خراسان (شرق إيران وأفغانستان وتركمانستان) مثلهم مثل فارس نقضوا العهود وغدروا بعد وفاة الخليفة الفاروق عمر سنة 23هـ، فعزم ابن عامر على وضع خطة محكمة للسيطرة على مدن خراسان كافة آنذاك مثل الطبسين ومرو وقُهستان ونيسابور وزام وبلخ وهراة وبيهق وأسفرايين وأرغيان وغيرها، بل وفتح مناطق شاسعة في أفغانستان وباكستان لم تطأها سنابك الإسلام من قبل.
كانت بقية رجالات الإمبراطورية الساسانية التي سقطت أمام المسلمين في العراق وفارس قد هربوا إلى مناطق خراسان ووسط آسيا، وكان الفتى ابن عامر يُدرك هذه الحقيقة إبان اتخاذه قراره بفتح هذه المناطق من جديد؛ إذ "قيل له: بها يزدجرد بن شهريار بن كسرى ومعه أساورة (كبار رجلات) فارس"، ولأن عبد الله بن عامر كان واليا لا يملك سلطات اتخاذ مثل هذا القرار الكبير، فقد أرسل إلى الخليفة عثمان في المدينة يستأذنه في الأمر، "فكتب إليه عثمان أن سِرْ إليها إن أردتَ" كما يخبرنا ابن سعد في "الطبقات".
https://www.aljazeera.net/wp-content...size=770%2C217
https://www.aljazeera.net/wp-content...size=770%2C513
وبالفعل عزم ابن عامر على فتح كامل إقليم خُراسان، ووضع لذلك خُطة محكمة، بحيث قسّم جيشه إلى عدة جيوش، وكان في موضع القيادة المركزية، وبدأ أمره بإرسال البعوث الاستطلاعية والقتالية الخفيفة ليختبر قدرات العدو في تلك المناطق، وحتى لا تثور عليه المناطق التي أعادها إلى زمام الدولة حديثا في إقليم فارس في وسط وجنوب إيران، سار عبد الله بن عامر بن كُريز من البصرة إلى إصطخر ليتأكد من حالتها الأمنية، وليرى كل مَن قد تُحدِّثه نفسه بالخروج قوةَ هذا الجيش فيمحو هذه الأوهام من عقله ونفسه، ومنها انطلق شرقا نحو إقليم خراسان الذي يشمل اليوم مناطق شرق إيران وأفغانستان وتركمانستان، فكانت أولى المدن التي استولى عليها في هذا الإقليم مدينة "الطبسين" التي تُسمى اليوم "طبس في محافظة خراسان الجنوبية بإيران"، ثم إلى "قُهستان" القريبة منها، فهزم الفرس شرّ هزيمة وفتحها عنوة.
ومن قُهستان التي تقع اليوم في أقصى الشرق الإيراني والقريبة من الحدود الأفغانية بدأ ابن عامر باتخاذ إستراتيجية جديدة لإدارة عملياته العسكرية التي ستشمل منطقة جغرافية شاسعة في أفغانستان جنوبا وتركمانستان شمالا وبينهما مناطق الشرق الإيراني بإرسال جيش أو جيشين يتقدّمانه تجاه كل مدينة كبيرة لتطويقها من الشرق والغرب وفتحها في آنٍ واحد، فوجّه الأسودَ بن كلثوم العدوي إلى بيهق قُرب نيسابور (في إيران اليوم) فاستشهد طلائع هذا الجيش بقيادة الأسود، وتولّى مكانه نائبه أدهم بن كلثوم، الذي ظفر بالعدو وفتح بيهق، تلك المدينة التي خرج منها الإمام البيهقي المحدّث المعروف[9].
وفي ذلك يقول ابن فندمه البيهقي (ت 565هـ) في "تاريخ بيهق": "في سنة ثلاثين من الهجرة، ورد عبد الله بن عامر بن كريز إلى ديورة عن طريق كرمان، ومرّ على بيهق، فقال أهل بيهق: إذا آمن أهل نيسابور فنحن نؤمن أيضا، ولم يحاربوا عبد الله بن عامر بن كريز وجيش الإسلام… [وأرسل] الأسود بن كلثوم العدويّ إلى ناحية بيهق -كما بيّن ذلك المعدانيّ في تاريخ مرو- إلا أن الأسود قُتل في بيهق، فقاتل بعده نائبه، وكانت النهاية أن أهل بيهق صالحوا"[10].
وقد شرع ابن عامر بفتح كامل بلدان وقرى إقليم نيسابور، فافتتح بُشت وخَواف وأسفرايين وأرغيان وأبرَشهر، واستطاعت قواته أن تواجه الصعاب والقتال في كل هذه المواجهات المتلاحقة، وبعض هذه المدن استسلمت وطلبت الأمان والصلح وفتح المدينة على عهد مكتوب بين الفريقين، ثم سيّر ابن عامر جيشه إلى مناطق الشرق الداخلي، فوصلت قواته إلى "نَسا" التي تقع اليوم جنوب غرب "عشق أباد" عاصمة تركمانستان قرب الحدود مع إيران، وهي موطن الإمام المحدث النسائي، فافتتحها، ومنها إلى "أبيورد" شرقا في "تركمانستان اليوم" فافتتحها صلحا، واتجهت قواته جنوبا إلى مدينة "سَرْخَس" المنشطرة اليوم بين إيران وتركمانستان، والتي يُنسب إليها الإمام السرخسي العلامة الحنفي الشهير، فطلب أهلها الصلح والأمان وأُجيبوا إلى ذلك.
لم يكتفِ ابن عامر بهذه الفتوحات المهمة شرق إيران وتركمانستان المعروفة بمناطق خراسان، وإنما قرّر أن تفتح قواته مناطق العمق التركمانستاني اليوم، وأفغانستان التي تقع جنوبها، يقول ابن سعد في "الطبقات": "فتح ابن عامر أبرشهر (قرب نيسابور شرق إيران) عنوة، وطُوس (مدينة مشهد شرق إيران)، وطخارستان (جميع المناطق الواقعة على نهر جيحون المعروف اليوم بأموداريا بين تركمانستان وأوزباكستان ومناطق وسط وجنوب تركمانستان)، ونيسابور، وبوشنج (جنوب تركمانستان)، وباذغيس (ولاية بدغيس في شمال غرب أفغانستان اليوم)، وأبيورد (شرق تركمانستان) وبلخ (شمال أفغانستان)، والطالقان (تالقان في شمال أفغانستان قرب حدود طاجكستان اليوم)، والفارياب (شمال أفغانستان على الحدود مع تركمانستان)، ثُمَّ بعث صبرة بن شيمان الأزدي إلى هَراة (الأفغانية) فافتتح رساتيقها (مدنها ومراكزها)، ولم يقدر عَلَى المدينة، ثُمَّ بعث عِمران بن الفضيل البرجمي إلى آمُل (أهم مدن إقليم طبرستان شمال إيران) فافتتحها"[11].
https://www.aljazeera.net/wp-content...size=770%2C217
https://www.aljazeera.net/wp-content...size=770%2C513
لم يكتفِ ابن عامر بهذه الفتوحات العظيمة والكبيرة والشاسعة، بل أراد أن يسيطر على مناطق جنوب شرق إيران اليوم في كِرمان وما حولها، ويعيدها إلى الطاعة بعدما نكثت هي الأخرى العهد، وغدرت استغلالا لحادثة استشهاد عُمر -رضي الله عنه- كغيرها من مدن ومناطق فارس، وبالفعل حين أتم عمليات الفتوحات في أقاليم خراسان التي أشرنا إليها سابقا انطلق إلى كرمان، وفتح أهم مدنها آنذاك مثل "بيمَند" و"الشِّيرجان"، ومثلها مدينة "جِيرفت"، ثم مدينة "قفس" بالقرب من كرمان، وكان أهلها ومعهم جموع من الفرس قد استعدوا للحرب والقتال، فقاتلهم وظفر بهم.
لم يرد ابن عامر القرشي أن يرجع إلا بعد فتح كامل أفغانستان الحالية التي كان قد أتم فتح مناطقها الشمالية في هرات وبلخ والتالقان وفارياب، بل أراد أن يفتح مناطق الجنوب والوسط كلها في أفغانستان وإيران وبعض مناطق باكستان الحالية على حدٍّ سواء، والتي كانت تُعرف أهم أجزائها آنذاك بـ "سِجستان"، وكانت هذه الأقاليم الكبيرة قد فُتحت في عصر الخليفة عمر -رضي الله عنه-، لكن أهلها نفضوا الطاعة، وحين تمكّن ابن عامر من فتح كرمان صارت الطرق إلى هذه المناطق مفتوحة، فأرسل إليها قائده الربيع بن زياد الحارثي الذي استطاع فتح أهم مدن هذا الإقليم مثل "ناشِرود" و"شَرواد" و"زَرنَج" و"سنارُود" و"قَرْنين"، ثم قرّر عبد الله بن عامر تعيين عبد الرحمن بن سمُرة بن حبيب بن عبد شمس القرشي واليا على إقليم سجستان، ومنه استطاعت قواته أن تتوغل إلى باكستان وبعض أقاليم الهند ففتح مناطق شاسعة منها، وفي القلب منها بلاد "الداور" التي يبدو من الوصف التاريخي أنها تقع في باكستان اليوم[13].
ومن شمال باكستان أمرَ ابن عامر قائده عبد الرحمن بن سمُرة بالتوجه والسيطرة على كامل المناطق الأفغانية في الجنوب والوسط التي لم تُفتح سابقا، ففتح كلًّا من "كابُل" عاصمة أفغانستان اليوم، و"زابُلستان" و"غَزنة"، قبل أن يعود إلى سِجستان التي أصبح واليا عليها، وهكذا في ظرف أشهر معدودة استطاع عبد الله بن عامر بن كُريز القرشي وهو لا يتجاوز السادسة أو السابعة والعشرين من عُمره أن يفتتح بلدانا بحجم أفغانستان وشرق وجنوب ووسط إيران ومناطق مهمة من باكستان "السند"، قبل أن يُقرّر العودة من خراسان لأداء فريضة الحج مباشرة، وقد عاش ابن عامر حتى خلافة معاوية بن أبي سفيان الذي استبقاه على ولاية البصرة لثلاث سنوات، وتوفي في مكة سنة 57هـ، ودُفن بعرفات[14]، وكان حليما جوادا ذا مال وشرف وهيبة وذرية واسعة.
وهكذا وجدنا في تاريخ الإسلام المبكر قيادات شابة كانت على قدرة عالية من التخطيط العسكري والإستراتيجي، استطاعت أن تعمل على عدة جبهات قتالية متنوعة في آنٍ واحد، وتلك عبقرية فذة بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
__________________________________________
الجزيرة نت


الساعة الآن 09:42 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir