عرض مشاركة واحدة

قديم 12-05-09, 02:16 PM

  رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
البارزانى
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

مدى حاجة الدولة إلى الاستخبارات

إن مستقبل أي أمة أو دولة أحياناً يتوقف على دقة وكمال المعلومات التي تصل إليها الاستخبارات والتي تنير الطريق أمام القرارات العليا للدولة. روي عن أبي جعفر المنصور أنه قال لأصحابه:
"ما أحوجني إلى أن يكون على بابي أربعة نفر لا يكون أعف منهم، وهم أركان الدولة ولا يصلح الملك إلا بهم، أما أحدهم فقاضٍ لا تأخذه في الله لومة لائم، والآخر صاحب شرطة ينصف الضعيف من القوي، والثالث صاحب خراج يستقصي ولا يظلم الرعية، ثم عض على إصبعه ثلاث مرات وهو يقول في كل مرة آه، آه، فقيل: من هو يا أمير المؤمنين؟ قال: صاحب بريد يكتب خبر هؤلاء على الصحة".

وقال الجنرال إيزنهاور عام 1959:
"ليس في سياسة الولايات المتحدة ما هو أهم من جمع المعلومات بواسطة الاستخبارات. إن الولايات المتحدة تنفق ملايين الدولارات على أعمال الاستخبارات والتقصي لجمع المعلومات وإطلاق البالونات في الأجواء والهيمنة على الإذاعات ورشوة الأجانب لجمع المعلومات والتقاط الصور الفوتوغرافية لأراضي الدول الاشتراكية، وتنظيم الرحلات الجوية للتجسس والاستطلاع، وفك الرموز والشفرة الخاصة بالدولة الأخرى".

وهكذا يصبح من الضروري أن يكون لكل دولة إدارة للاستخبارات كإحدى المؤسسات الهامة فيها، وتهتم معظم الدول بتنظيمها وتوفير الإمكانيات اللازمة لها، وتعمل على تطويرها حتى تتوافر لها القدرة على تحقيق أهدافها على أكمل وجه.

وترتبط إدارة الاستخبارات بسياسة وأهداف الدولة التابعة لها، وتتفاوت الواجبات والمسؤوليات الملقاة على عاتق إدارة الاستخبارات تبعاً لمكانه الدولة وعلاقاتها بأعضاء المجتمع الدولي. وغالباً ما تهيئ الدول وقواتها المسلحة أحسن ما عندها من إمكانيات بشرية ومادية لدعم الأجهزة الاستخبارية فيها، لأنها العين المبصرة التي تلقي بأضوائها في جميع الأوقات وعلى جميع الاتجاهات على الأعداء والأعداء المحتملين، وبنفس القدر فهي الفكر الذي يحلل المواقف المحيطة والبعيدة خيراً أم شراً، ويقدمها للمسئولين لاتخاذ قرار ما.

شمول الاستخبارات


إن الاختراعات الحديثة، وتطور وسائل النقل والاتصال جعلت أجهزة الاستخبارات تعمل على نطاق أوسع وأشمل مما كانت عليه، إن الاستخبارات كانت في الأساس عسكرية، إذ كانت تهتم بالاستطلاع قبل المعركة، لكن بعد الحرب العالمية الأولى والثانية شملت الاستخبارات أكثر حقول الحياة، إذ صارت تهتم بالاختراعات الجديدة وبتمديدات المياه، وبشق الطرقات، وبمواقع مولدات الكهرباء... وباختصار صارت الاستخبارات تريد أن تعرف كل شيء عن كل الناس في كل ظرف وتاريخ.

اتسعت مهمة مصلحة الاستخبارات لاتساع حقل نشاطها ليشمل جمع المعلومات عن كل طاقات الأمة، أو الأمم المعادية، أو التي يحتمل الدخول معها في صراع مقبل، أو المحايدة، ولقد جاء هذا الاتساع من اتساع مفهوم الحرب الشاملة التي تؤثر على كل خلية من خلايا المجتمع، وتتأثر بكل نشاط تمارسه هذه الخلية على مختلف الأصعدة، وهنا لم تعد مصلحة الاستخبارات مرتبطة برئيس الأركان العامة بل برئيس مجلس الوزراء أحيانا.

وقد أخذت مصلحة الاستخبارات أهمية وشمولية، خاصة في مطلع القرن العشرين، وغدت مرتبطة بالقيادات العليا، وشملت مهماتها تفصيلات عن النظريات العسكرية، وعن البناء الحربي للعدو، وخططه الحربية، وما يطلق عليه (تنظيم القوات للمعركة) التي بدورها تشمل المعلومات العامة عن أماكن الوحدات البرية والبحرية والجوية والبيانات الفرعية كأسماء الضباط ورتبهم والإشارات المميزة للوحدات...

إن الاستخبارات تشكل عنصراً هاماً من عناصر تشكيل قوات الدفاع، في جميع الدول. ويوضع جزء هام من الاستخبارات في أيدي القوات المسلحة، ومرد ذلك أن الغالبية من أسرار الدولة التي ينبغي حمايتها من التجسس أو المعرضة للتجسس، لها علاقة مع الدولة. على أن القول بأن الاستخبارات منظمة خاصة بالقوات المسلحة لا يعني وجوب أن يكون أعضاء الاستخبارات من العسكريين، ولكن إذا ما كان الأمر يتعلق بأفراد مراكز الخدمة فإن هؤلاء يتكونون من جنود وموظفين حكوميين يعملون في القوات المسلحة، ومن موظفين مدنيين يعملون في هذه القوات، ولكن يخضع هؤلاء جميعاً لسلطة القيادة العليا خضوعاً كاملاً أو إلى حد بعيد.

الاستخبارات التكتيكية والاستراتيجية

إن الاستخبارات أو المخابرات إما تكتيكية Tactical أو استراتيجية Strategic وتختلف مهام المخابرات باختلاف الموضوعات التي تعالجها وهي متعددة سواء على المستوى التكتيكي أو الاستراتيجي.

الاستخبارات التكتيكية:


هي جمع المعلومات على المستوى التكتيكي حول قوات العدو في منطقة محددة، أو حول المنطقة ذاتها، وتحليل هذه المعلومات. فالاستخبارات التكتيكية محددة بوضع آني معين، وأي استخبارات لها أهداف أبعد من هذه تدخل في نطاق الاستخبارات الاستراتيجية. ولتعبير (استخبارات قتالية) المعنى ذاته إلا أنها تختلف أحيانا في أنها قد تنفذ من قبل وحدة مقاتلة عاملة على مستوى لواء أو فرقة، بدلاً من أن تقوم بذلك قيادات أعلى بمستوى قيادة منطقة.

والاستخبارات التكتيكية تتعلق بالمعلومات ذات الطابع المحلي المحدود أو ذات طابع التخصص في ناحية محددة، وهي المعلومات التي يمكن أن تستخدم لدعم وتيسير حل مشكلة مخابرات معينة، وتتعلق بصفة أساسية بوقائع ومعلومات من نوع أقل، وتكون فقط عبارة عن مظهر محدود من عملية المخابرات الشاملة، وهي في زمن الحرب تسمى (بمخابرات المعركة) وتشمل كل المعلومات الخاصة بالعدو، بالمعنى التكتيكي، وهي بصفة عامة تتعلق بكل مظهر عسكري للعدو أو للعدو المحتمل، وبأي نوع من المعلومات التي لها أثر مباشر على سير المعركة، أما في زمن السلم فتكون المعلومات التكتيكية لازمة باستمرار لرؤساء المنظمات السياسية والدبلوماسية، وهي في زمن الحرب معلومات ضرورية لجميع القادة على مختلف درجات السلم العسكري.

الاستخبارات الاستراتيجية:


هي جمع المعلومات المتعلقة بشؤون عسكرية أو أمنية وتنسيقها وتحليلها، وتوزيعها على المستوى الاستراتيجي ومستوى الدولة. وهدف هذا النوع من النشاطات هو معرفة قدرات دولة أخرى والتكهن بنواياها، للمساعدة في تخطيط المسائل المتعلقة باستراتيجية الدولة صاحبة النشاط. وفي حالة الدول الكبرى، فان الاستخبارات الاستراتيجية تعنى بجمع المعلومات عن الاتجاهات الاقتصادية والاجتماعية والسكانية (الديموغرافية ) والعلمية ونتائج هذه الاتجاهات وتأثيرها على القدرات العسكرية والسياسات المتبعة. فالاستخبارات الاستراتيجية تتعلق بالمعلومات الخاصة بالمسائل الكبرى مثل المعلومات عن نوايا الدول الأجنبية أو العدو وإمكانياتها العسكرية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمعنوية ومواطن الضعف والقوة لديها. وتُهيأ هذه المعلومات لتقديمها إلى من يحتاجونها وهم أولئك الذين يتولون التخطيط لوضع سياسة الأمن اللازمة للدولة في وقت السلم، كما تكون هي أساس التخطيط للعمليات العسكرية في وقت الحرب.

ولكي نفرق بين الاستخبارات الاستراتيجية والتكتيكية، نذكر حرب السويس عام 1956م فإن المعلومات التي كان لها أثرها على قرار بريطانيا وفرنسا وإسرائيل بالقيام بعمليات تعرضية ضد مصر يمكن أن تسمى استراتيجية، أما المعلومات التي استخدمت في تحضير الحملة اللازمة للغزو والخطط التي استخدمت في التنفيذ فهي تكتيكية.

الخلاصة:


مما تقدم نستطيع القول إن أعمال وأنشطة الاستخبارات موجودة مع الإنسان منذ القدم. لقد كان هناك استخبارات قبل وبعد الميلاد، وعند العرب، وقبل وبعد الإسلام، وقد اهتم الرسول صلى الله عليه وسلم أشد الاهتمام بهذا الجانب وحذا على نهجه أصحابه من بعده والتابعون. وكان جديراً بنا كأمة إسلامية أن نطور نهج رسولنا وأصحابه في هذا الجانب، ونهتم به كثير الاهتمام، ولكننا في فترة من الزمن غفلنا عن ذلك، وبدأ أعداء هذه الأمة يطورون ويحدثون أجهزة الاستخبارات لديهم، إلى أن أصبحت أجهزة استخباراتهم في وقتنا الحاضر تتولى إدارة العالم، وتستطيع أن تحصل على كل ما تريده من معلومات وفي أي اتجاهات، إلى أن أصبحوا يعرفون عنا ربما أكثر مما نعرفه عن أنفسنا.

ولننظر إلى جهاز الاستخبارات في الولايات المتحدة (CIA) إنه يرسم سياسة الولايات المتحدة في الخارج وعلى المدى البعيد، ويوجه هذه السياسة في سبيل تحقيق المصالح الاستراتيجية العليا للولايات المتحدة، بل إنه يشعل الفتن بين الشعوب والدول والطوائف، ويسعى إلى إشعال الحروب هنا وهناك، بل يدخلها في الحروب سواء عسكريا أو سياسيا... كل هذا في سبيل تحقيق المصالح الاستراتيجية.

وننظر أيضاً إلى جهاز الاستخبارات الإسرائيلي المعروف باسم (الموساد) الذي نظم وبدأ تطويره من عام (1951م)، فقد أصبح في هذا الوقت يفوق أجهزة الاستخبارات الحديثة في جميع الدول، بل إن بعض الدول العظمى تستعين وتتعاون مع هذا الجهاز، لما يتوافر له من إمكانيات وقدرات فائقة في سبيل الحصول على معلومات استراتيجية لتحقيق مصالحها.

نعم لقد استطاعت الدول العربية منع هذا الجهاز من اختراقها عند الإعداد لحرب (رمضان 1973م) وذلك بفضل الله ثم بفضل التخطيط السليم وخاصة فيما يتعلق بالسرية والخداع.

والمطلوب منا وفي كل دولة إسلامية، في ظل الظروف الراهنة، وحالة عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، أن نسعى جاهدين إلى تحديث وتطوير أجهزة الاستخبارات لدينا، وان نوفر لها كل الإمكانيات اللازمة التي تسمح لها بالقيام بجميع أدوارها الشاملة وذلك في سبيل تحقيق المصالح الوطنية العليا.

المراجع:
- عبدالله علي السلامة: الاستخبارات العسكرية في الإسلام: بيروت: مؤسسة الرسالة: 1991م.
- احمد هاني: الجاسوسية بين الوقاية والعلاج: القاهرة الشركة المتحدة للتوزيع: 9741م
- صلاح نصر: حرب العقل والمعرفة: لبنان: الوطن العربي للنشر والتوزيع: 1982م
- سعيد الجزائري: المخابرات والعالم: عمان: مكتبة الرسالة الحديثة.
- صلاح نصر: الحرب الخفية: بيروت: الوطن العربي للنشر والتوزيع: 1980م
- عفيف عبدالفتاح طباره: مع الأنبياء في القران الكريم: بيروت 1982م
- جواد علي: الفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام: بيروت: 1970م
- عبدالرؤوف عون: الفن الحربي في صدر الإسلام: القاهره: دار المعارف: 1961م
- محمود أبو ليل: أسس العلاقات الدولية في الإسلام: القاهره: دار المصطفى للنسخ: 1978م.
- محمد المعراوي: شريعة الحرب في الإسلام: دمشق: كلية الحقوق: 1958م.
- احمد عطية الله: القاموس السياسي.
- محمد جمال الدين محفوظ: المدخل إلى العقيدة والاستراتيجية العسكرية: القاهره: الهيئة المصرية: 1986م.
- منير شفيق: علم الحرب: بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر: 1980م
- محمد شفيق غربال: الموسوعة العربية الميسرة: القاهرة: دار القلم: 1965م
- حافظ إبراهيم خير الله: عالم الاستخبارات.
- احمد الشنتاوي ورفقائه: دائرة المعارف الإسلامية.
- إبراهيم مصطفى محمود: الحرب عند العرب: بيروت الكلمة للنشر: 1981م
- محمود شيت خطاب: قادة فتح بلاد فارس: القاهره: دار الفكر.
- محمد فرج: العبقرية العسكرية في غزوات الرسول: القاهرة: دار الفكر: 1977م.
- أحمد محمود: أسرار العسكرية الإسرائيلية: بيروت: مؤسسة الرسالة: 1978م.
*ركن استخبارات
لواء الأمير سعد بن عبدالرحمن الآلي

 

 


   

رد مع اقتباس