عرض مشاركة واحدة

قديم 09-04-09, 06:24 PM

  رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
البارزانى
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي التصنيع الحربي في الوطن العربي



 

الواقع والإشكاليات إمكانات التطوير والمستقبل
بقلم العميد الركن (م) إبراهيم إسماعيل كاخيا
تمهيد
ثمة شبه إجماع على أن الصناعة الحربية تُمثل ذروة الحضارة الصناعية العلمية التقانية (التكنولوجية) التي لاتزال بعض القوى الكبرى تحمل رايتها في الوقت الحاضر، ذلك أن الصناعة الحربية تحتاج إلى إبداعات وإنجازات معظم فروع وأنواع الصناعات الأخرى. كما أن إقامة صناعات الأسلحة بمختلف أنواعها، أصبحت من معالم الدول المتقدمة، والمواكبة لتطورات العصر ومتطلباته.
وإذا كانت بعض الدول الصناعية تستورد أسلحة مُحددة جاهزة، فإنها في الوقت نفسه، تصنع وتنتج سائر طرازات الأسلحة الأخرى، وبخاصة أن الحروب الحديثة أصبحت تستهلك كميات جدّ كبيرة من الأسلحة والذخائر والأعتدة الحربية. ولهذا فإن الدولة أية دولة تُعرّض مصيرها ومصيرشعبها لأسوأ الاحتمالات، إذا لم تبلغ حداً مُعيّناً في الاكتفاء الذاتي بإنتاج أسلحة وذخائر معينة، فالسياسة وتقلباتها قد تُعرّض مصادر التسلح من الخارج للانقطاع والتعثر.
ولا نبتعد كثيراً عن الواقع إذا قلنا إن جزءاً كبيراً في الصناعة الحربية العربية يتمثل في دراسات صيانة متطورة لخدمة هذه الآلاف من الدبابات والعربات المدرعة والمدافع والطائرات وأنظمة الأسلحة والمعدات الدقيقة والآلات الإلكترونية، وسواها جدّ كثير.

أولاً: أسباب وفرص إنشاء الصناعات العسكرية العربية

تشير الإحصاءات إلى أن الدول العربية هي الأكثر إنفاقاً في العالم على قطاع الأمن والدفاع، فهي أنفقت أكثر من (260) مليار دولار في فترة الأعوام الخمسة الواقعة بين عام 1992 وعام 1997م، وخصصت 20% من هذا المبلغ لشراء الأسلحة أي (52) مليار دولار. وبلغت حصة الدفاع في الموازنات السنوية 26% أو أكثر من 7% من إجمالي الناتج المحلي العربي في تلك الفترة، في حين أن هذه النسبة لم تتجاوز فقط 1% في أية دولة أخرى في العالم.
ارتفع الإنفاق الدفاعي للدول العربية في منطقة الخليج وبخاصة في إثر حرب الخليج الثانية ارتفاعاً كبيراً، مما أعاق خطط التنمية، وأدى إلى خفض المعونات الخارجية التي كانت تقدمها هذه الدول، فحتى عام 1998م كانت هذه الدول قد أنفقت ما يزيد على (150) مليار دولار على القطاع العسكري لتعزيز قدراتها الدفاعية بشراء الأسلحة والأنظمة السلاحية وتوسيع المنشآت الدفاعية، في حين أن جزءاً ضئيلاً من هذه النفقات صٌرف على التصنيع الحربي، الذي لا يزال قاصراً على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
فإذا انتقلنا إلى الدائرة العربية الواسعة، فإننا نلحظ أن الدول العربية أنفقت في عقدي السبعينيات والثمانينيات في القرن الماضي (أي قبل حرب الخليج الثانية) على التسلح والمؤسسات العسكرية حوالي (629) مليار دولار، وذلك حسب الإحصاءات الرسمية المنشورة، في حين أن هذه الأرقام لا تمثل الأوجه السرية للإنفاق العسكري مثل بعض الصناعات الحربية، ولذا فإن القيمة الحقيقية للإنفاق العسكري العربي خلال العقدين المذكورين تتجاوز بكثير (1000) مليار دولار. وهذا الحجم في الإنفاق يُمثل نصف ما أنفقته الدول الأوروبية الأعضاء في حلف الأطلسي "الناتو"، ويساوي تقريباً الإنفاق العسكري لقارتي أفريقيا وأمريكا الجنوبية مجتمعتين.
ومن المعلن أن العرب اشتروا خدمات ومنتجات تقنية (تكنولوجية) في سبعينيات القرن العشرين بمبلغ تريليون (مليون مليون) دولار، ثم أنهم واصلوا الشراء ما بين العامين 1978 و 1982م بنصف هذا المبلغ، ولم يتوقفوا بعد ذلك عن شراء الخدمات والمنتجات السلاحية. والنتيجة الملحوظة هو أن هذا الانفتاح الكبير جداً على الشراء السلاحي لم يُغيّر كثيراً الواقع العربي الإجمالي، ولم يزد كثيراً للقوة العربية وذلك لسببين رئيسين هما:
1. نظرية التصنيع الحربي والتسلّح، ذلك أن كل قطر عربي ينفرد في رسم سياساته في هذين المجالين (التصنيع الحربي والتسلّح) انفراداً يكاد يكون مطلقاً. ويمكن القول إن دول مجلس التعاون الخليجي العربية قد بدأت تفكّر في الخروج من هذا "الانفراد" وفق ما توحي به اتفاقية الدفاع العربي المشترك التي وقعت عليها دول المجلس في قمة المنامة (30-11-2000م)، ولقد ثبت أن إمكانية أي قطر عربي مهما بلغت من الغنى والتقدم ليست كافية قط لإقامة صناعة حربية متطورة، أو لجعل جيش ذلك القطر كاملاً متكاملاً في جميع المجالات.
2. إن التحدّي الذي يواجهه العرب اليوم يتمثل في ضرورة الانتقال الواعي المسؤول من الدراية بالتقانة العسكرية وتطبيقاتها إلى القدرة على تطويرها والابتكار فيها، حتى يبلغوا مستوى تصميم وتصنيع معدات حربية متطورة. ولأن هذا التحدي المركزي والتهديد الدائم للمصير العربي هو المشروع الصهيوني المبتدئ بإسرائيل حيث يقوم مجتمع عسكري جوهره القوة العسكرية كان لابد من وعي عربي تسانده خطة علمية لمقابلة تلك القوة، وذلك بتصنيع حربي عربي متكامل، يُسهم فيه كل قطر عربي حسب قدرته وإمكاناته.
ترصد إسرائيل تطور التسلح العربي هذا، وبخاصة في الدول العربية المحيطة بها، سواءً كان هذا التسلّح آتياً من الصناعة الحربية المحلية، أو من طريق الاستيراد والشراء، وتقدم المخابرات العسكرية الإسرائيلية تقريراً نصف سنوي إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بذلك. ويشير تقرير النصف الثاني من العام 2000م إلى أن مصر تشكّل القوية العسكرية الثانية في الشرق الأوسط، وأن صناعتها العسكرية ومشترياتها من الأسلحة الغربية المتقدمة تهددان التفوق العسكري الإسرائيلي في المنطقة، ومن المعروف أن مصر تتلقى مساعدة مالية أمريكية سنوية بمبلغ (2100) مليون دولار، منها (1300) مليون للتسلح، و (800) مليون دولار مساعدة اقتصادية، في حين تتلقى إسرائيل (3000) مليون دولار جميعها مساعدات عسكرية، وذلك بموجب اتفاقيات "كامب ديفيد".
من الطبيعي ألاّ تجد الدول المتقدمة في صناعاتها الحربية مصلحة لها في بيع الدول العربية مصانع كاملة للتصنيع الحربي، ومخططات لتقانات عسكرية متقدمة، ذلك أن تلك الدول الأجنبية المتطورة لا تريد أن تخسر أو تتعرض لخسارة السوق العربية للتسلح، ولا تريد أيضاً أن ينحسر أو يتقلص أو يضعف نفوذها السياسي والعسكري في شؤون منطقة الشرق الأوسط.
من أجل تنشيط وتطوير التصنيع القطري، سعت بعض الدول العربية المستوردة للأسلحة إلي الحد من استنزاف المال الوطني عن طريق تطبيق نظام مالي عُرِف باسم "نظام التبادل أوفست" يقضي بفرض نسبة محددة من قيمة الصفقات المعقودة مع الشركات المصنعة للسلاح، بحيث تستثمر تلك الشركات ذلك الجزء المحدد من ثمن الصفقة السلاحية في إقامة صناعات إنتاجية مدنية، وذلك بقصد تكوين قاعدة صناعية ذات كفاءة عالية تسهم في

تأسيس مصادر دخل بديلة عن النفط.

ولقد قُدرت قيمة الاستثمارات التي حصلت عليها المملكة العربية السعودية على سبيل المثال بهذه الطريقة بأكثر من (6) مليارات دولار، إلى جانب توظيف أكثر من (10) آلاف سعودي، وفي دولة الإمارات العربية المتحدة الدولة الثانية التي تُطبق نظام التبادل هذا بلغت نسبة الاستثمارات الأجنبية في عقود الصفقات التي عقدتها دولة الإمارات 60% من إجمالي قيمة الصفقة الدفاعية، حيث بدأت الإمارات بتطبيق هذا النظام منذ عام 1992م.
وإذا كان أحد أهداف نظام التبادل هذا هو استثمار بعض المال الوطني في تأسيس بنية تحتية صناعية وطنية، فإن أهدافه الأخرى سياسية أيضاً، منها: امتلاك التقانة الرفيعة، وإعداد الخبراء والاختصاصيين، وتدريب اليد العاملة، وتنويع مصادر الدخل، ودعم التنمية الاقتصادية؛ فإنشاء قاعدة صناعية هو العامل الأكثر أهمية لإقامة الصناعات الحربية. ومع أن المشروعات العربية الاقتصادية الطموحة خصوصاً التي اتخذت في مؤتمر قمة عمان (عام 1980م) بات لزاماً على الدول العربية أن تبدأ من جديد: التخطيط، والقرار، وتوفير المال، والتنفيذ. ذلك أنه لم يعد يجوز قط إغماض العين عن استشراف المستقبل الذي يتطلب بناء قاعدة اقتصادية عصرية تحميها قوة رادعة.
وفي الوقت نفسه، فإن أفكارنا لا تغيب عن العدو الصهيوني إسرائيل الذي يشغل المرتبة الأولى نسبة إلى حجم السكان في علوم الكمبيوتر، والمرتبة الثالثة في الكيمياء، والمرتبة الخامسة في الفيزياء والبيولوجيا والميكروبيولوجيا. وتنفق إسرائيل سنوياً ما لا يقل عن (260) مليون دولار على البحث العلمي، إضافة إلى (70) مليون دولار تأتي من مصادر خارجية. وما تخصصه إسرائيل في موازنتها السنوية لبند البحث العلمي يبلغ 6.2% من إجمالي الناتج القومي الإسرائيلي.
وهكذا تشتد الحاجة إلى التصنيع الحربي في ظل الإنفاق الواسع جداً على تسليح بعض الجيوش العربية بأسلحة مستوردة من الخارج. وقد تضافرت مسألة الدفاع الذاتي عن كيان كل قطر عربي، ومسألة الصراع العربي الإسرائيلي، ومسألة ارتفاع تكاليف الحصول على أنظمة التسليح المتقدمة، لتؤدي إلى الشعور باشتداد الحاجة إلى التصنيع الحربي العربي، بوصفه وسيلة للحد من الهدر، ومن الانكشاف السياسي والاستراتيجي للأقطار العربية أمام القوى الأجنبية والقوى المعادية، ووسيلة لتحسين اقتصاديات هذه الأقطار، وترشيد إنفاقها العسكري، والحفاظ على أمنها القومي، وتقليص تبعيتها السياسية والتسليحية للدول الكبرى المصدرة للسلاح، وتوظيف موارد الأمة، وهي كثيرة ومتنوعة.


 

 


 

   

رد مع اقتباس