عرض مشاركة واحدة

قديم 03-11-20, 05:43 AM

  رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
الباسل
المديــر العـــام

الصورة الرمزية الباسل

إحصائية العضو





الباسل غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي



 

تأديب وتعويض

فتحت قريش -بحصارها الاقتصادي للمسلمين ومناصريهم من ذويهم المشركين- على نفسها أبوابا من الأرق الاقتصادي والقلق التجاري وهي سيدة الأنشطة التجارية في جزيرة العرب، فقد اتخذ النبي ﷺ حين أقام دولته في المدينة المنورة المقاطعة الاقتصادية سلاحا يؤدب به قريش كي تخضع وتكفّ عن معاداة الإسلام وصدّ الناس عن الدخول فيه أفواجا. وكذلك لتعويض المهاجرين الذين أخذت قريش أموالهم حين أرغمتهم على الخروج من وطنهم مكة.

فعندما وصل النبي ﷺ إلى المدينة مهاجرا؛ كان استهداف اقتصاد قريش من أولى الخطوات التي اتخذها ضمن أدوات متعددة لإدارة الصراع معها، ففي ’المغازي’ للواقدي (ت 207هـ/827م) أن "أول لواء عقده رسول الله ﷺ [كان] لحمزة بن عبد المطلب (ت 3هـ/625م).. في شهر رمضان (سنة 1هـ/623م)..، [فخرج] يعترض لعِير (= قافلة تجارية) قريش". وكذلك كان هدف النبي ﷺ من أغلب السرايا العديدة التي أعقبت سرية حمزة هو أن "يعترض [المسلمون] لعيرات قريش حين بدت إلى الشام".
وما قام به النبي ﷺ من تضييق اقتصادي على قريش هو ما فهم ا الغرضَ السياسيَّ منه الصحابيُّ الجليل ثمامة بن أُثال الحنفي (ت 11هـ/632م) في قصة إسلامه المشهورة بعد أسْره لدى المسلمين؛ فثـُمامة لما أسلم قال للنبي ﷺ كما في ‘صحيح البخاري‘: "إن خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي [أسيرا] وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ، فَمَاذَا تَرَى؟ فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ، قَالَ لَهُ قَائِلٌ: صَبَوْتَ (= دخلت في الإسلام)؟! قَالَ: لا، وَلَكِنْ أَسْلَمْتُ مَعَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَلا، وَاللَّهِ لَا يَأْتِيكُمْ مِنْ الْيَمَامَةِ (= منطقة الرياض وجوارها بالسعودية) حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا النَّبِيُّ ﷺ"!
كما تفيد قصة ثمامة بن أُثال أن قريشا أدّبها ضغط الاستهداف التجاري المتواصل، وأن سلاح التضييق الاقتصادي يخافه الأعداء خوفهم من سلاح القوة الباطشة؛ ففي ’فتح الباري’ للإمام ابن حجر (ت 852هـ/1448م) أن ثمامة "خرج معتمرا حتى إذا كان ببطن مكة لبَّى فكان أولَ مَنْ دخل مكة يلبي، فأخذته قريش فقالوا لقد اجترأتَ علينا وأرادوا قتله، فقال قائل منهم: دعوه! فإنكم تحتاجون إلى الطعام من [بلاد قومه] اليمامة، فتركوه".
وينبئنا ابن حجر -في تفاصيل قصة ثمامة وحصاره الاقتصادي المضروب على قريش- أن المقاطعة الاقتصادية نفذت بالفعل، وأن قريشا وجدت المخرج من هذا الحصار عند النبي ﷺ المبعوث رحمة للعالمين، والذي سبق لها أن حاصرته وأخرجته من حرم الله وموطنه أرض أجداده. يقول ابن حجر إن قريشا لما ضغطت على ثمامة ليرجع عن الإسلام قال لهم: "والله لا أرجع إلى دينكم، ولا أرفق بكم فأترك الميرة تأتيكم من اليمامة..، ثم خرج إلى اليمامة فمنعهم أن يحملوا إلى مكة شيئا، فكتبوا إلى النبي ﷺ: إنك تأمر بصِلة الرحِم [فأغثنا]! فكتب إلى ثمامة أن يخلي بينهم وبين الحَمل إليهم"، فرفع عنهم ثمامة الحصار!
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


توظيف خاطئ

لم يكن الانحراف الذي اجترحته فرقة الخوارج -في وقت مبكر من تاريخ الإسلام- مقتصرا على بعده السياسي والقتالي فقط؛ فالخوارج بِرُؤاهم الشمولية لم يغب عنهم خطر توظيف المال في معاركهم الدامية، ولعل نجدة بن عامر الحنفي (ت نحو 72هـ/689م) أبرز من وظف المال من الخوارج توظيفا تراوح بين الصواب والخطأ.

فقد فارق نجدةُ زميلَه في المذهب نافعَ بن الأزرق الحنفي (ت 64هـ/682م) "لإحداثه في مذهبه… وسار إلى اليمامة ودعا [أميرَ الخوارج] أبا طالوت (البكري ت بعد 66هـ/684م) إلى [البيعة لـ]ـنفسه، فمضى إلى الخَضارِم (= وادٍ باليمامة) فنهبها وكانت لبني حنيفة..، [ووجد] فيها من الرقيق ما عدتهم وعدة أبنائهم ونسائهم أربعة آلاف، فغنم ذلك وقسمه بين أصحابه، وذلك سنة خمس وستين (65هـ/683م) فكثــُـر جمْعُه"؛ وفقا للمؤرخ ابن الأثير (ت 630هـ/ 1233م) في ’الكامل‘.
جعل نجدة الحنفي من جمع المال وتقسيمه بين الناس أداةً للدعاية السياسية الناجحة التي جمعت حوله أتباعا كثيرين، ثم استحلى هذه الوسيلة حسبما يخبرنا به ابن الأثير في رصده لمسيرة هذا الشاب الحنفي ورؤيته الاقتصادية؛ فيقول: "ثم إن عِيراً خرجت من البحرين (= الساحل الشرقي للجزيرة العربية) -وقيل من البصرة- تحمل مالا وغيره يُراد بها ابن الزبير (ت 73هـ/693م)، فاعترضها نجدة فأخذها وساقها حتى أتى بها أبا طالوت بالخضارم فقسمها بين أصحابه..، وقالوا: نجدة خير لنا من أبي طالوت، فخلعوا أبا طالوت وبايعوا نجدة وبايعه [أيضا] أبو طالوت، وذلك في سنة ست وستين (66هـ/684م)، ونجدة يومئذ ابن ثلاثين سنة"!!
ولما رأى نجدة ما يفعله المال من تمكين سياسي لأصحابه وقويت شوكته وحجَّ ولَّى بعض رجاله على مناطق واسعة من جزيرة العرب؛ ثم عاد إلى معقل إمارته في البحرين فـ"قطع الميرة عن أهل الحرمين منها (= البحرين) ومن اليمامة، فكتب إليه ابن عباس (ت 68هـ/688م): إن ثمامة بن أُثال لما أسلم قطع الميرة عن أهل مكة وهم مشركون، فكتب إليه رسول الله ﷺ: إن أهل مكة أهل الله فلا تمنعهم الميرة! فجعلها لهم، وإنك قطعت الميرة عنا ونحن مسلمون؛ فجعلها نجدة لهم".
وبعد محاولة نجدة حصار أهل مكة اقتصاديا وغذائيا؛ أصبح الحصار الاقتصادي أمرا مألوفا في الصراعات السياسية في الفضاء الإسلامي، ومصاحبا للمعارك العسكرية في أغلب الدول الإسلامية التي قامت بعد انقضاء خلافة الراشدين، سواء في عمليات الفتوح أو في صراعات ملوك المسلمين؛ ففي زمن بني أمية "نصب الحجاج المنجنيق على مكة ليحصر أهلها حتى يخرجوا إلى الأمان والطاعة لعبد الملك (بن مروان ت 86هـ/706م)..، وحبس عنهم الميرة والماء، فكانوا يشربون من ماء زمزم.."؛ وفقا لابن كثير (ت 774هـ/1372م) في ’البداية والنهاية’.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


استخدام متعدد

وحين اندلعت الحرب الأهلية الدامية في دولة العباسيين بين الأخوين الغريمين الخليفة الأمين ابن الرشيد (ت 198هـ/808م) وأخيه ولي عهده المأمون (ت 218هـ/833م)؛ لم يغب سلاح المقاطعة الاقتصادية والحصار التجاري عن تلك المعارك التي حُسمت نتيجتها لصالح المأمون، فقد ذكر الطبري -في ’تاريخه’- أن الأمين حين اقتنع بفشل سياسته القاضية باستدراج المأمون بالقدوم من معقله في خراسان إلى بغداد لتسهل له السيطرة عليه؛ أمر سنة 194هـ/811م بأن "يُمنع التجار من حمل شيء إلى خراسان من الميرة..، ثم عزم على محاربته".

ومنذ سيطرة الفاطميين -وهم شيعة إمامية إسماعيلية- على مصر سنة 358هـ/969م؛ احتدم الصراع بين القاهرة وبغداد على الحرمين الشريفين، اللذين تعد السيادة عليهما العنوانَ الأكبر للشرعية الدينية لـ"خلافة" كل منهما في أعين الجماهير. وكان من تجليات ذلك الصراع ما أخبرنا به الإمام ابن الجوزي (ت 597هـ/1200م) -في ’المنتظم’- من توظيف للحرب الاقتصادية في معركته؛ فقال إنه في موسم حج سنة 365هـ/976م "حجَّ بالناس علويٌّ من جهة [الخليفة الفاطمي] العزيز (ت 386هـ/996م) صاحب مصر، وأقيمت الدعوة له بمكة والمدينة..، بعد أن حوصر أهل مكة فمُنعوا الميرة وقاسَوْا شدة شديدة".
وفي الغرب الإسلامي؛ لم يفوِّت قادة المرابطين استخدام هذا السلاح في مواجهة غرمائهم الموَّحِّدين، فنجحوا بواسطته في تعويق مشروعهم مؤقتا وجنّبوا دولتهم السقوط نحو ثلاثين سنة؛ فقد أرسل إليهم أميرُ المرابطين علي بن يوسف بن تاشفين (ت 537هـ/1142م) "جيشا قويا فحصروهم في الجبل (= تين مَلَّلَ: بلدة جبلية حصينة بالمغرب كانت معقلا لتنظيمهم)، وضيقوا عليهم ومنعوا عنهم الميرة، فقلَّت عند أصحاب المهدي الأقوات، حتى صار الخبز معدوما عندهم..، فاجتمع أعيان أهل تين مَلَّلَ وأرادوا إصلاح الحال مع أمير المسلمين"؛ وفقا لابن الأثير في ’الكامل’.
لم تكن المقاطعة الاقتصادية والحصار التجاري ثقافة شرقية إسلامية خالصة؛ فهي في الغرب الأوروبي أشد وأشهر وأنكى لاعتماد حياتهم على البحار والموانئ، كما أن الرغبة في الثراء وحب المغامرة التي طغت على الأوروبيين في عصورهم الوسطى جعلت الاقتصاد من أقوى الدوافع المحركة لأساطيلهم سِلْماً وحرباً، وخاصة تلك التي اتجهت شرقا وجنوبا نحو سواحل المسلمين.
ويذكر مؤرخ الحضارات الأميركي وِيلْ ديورانت (ت 1402هـ/1981م) -في ’قصة الحضارة’- دوافع الحروب الصليبية؛ فيقول إن ثالث أسبابها المباشرة "هو رغبة المدن الإيطالية -بيزا وجنوى والبندقية وأمالفي- في توسيع ميدان سلطانها التجاري الآخذ في الازدياد. ذلك أنه لما استولى النورمان على صقلية من المسلمين (1060-1091م)، وانتزعت الجيوش المسيحية منهم جزءاً كبيراً من إسبانيا (1085م وما بعدها)؛ أصبح البحر المتوسط الغربي حراً للتجارة المسيحية".
وكان انعكاس الحروب الصليبية على أوروبا قويا من ناحية الثراء الاقتصادي، وخصوصا الدول/المدن الإيطالية التجارية السابقة الذكر التي قويت وأثْرَت لأنها كانت "هي الثغور التي تخرج منها غلات إيطاليا والبلاد الواقعة وراء [جبال] الألب، وأخذت هذه المدن تعمل للقضاء على تفوق المسلمين في الجزء الشرقي من البحر المتوسط، وتفْتح أسواق الشرق الأدنى لبضائع غربي أوروبا، ولسنا نعلم إلى أي حد كان هؤلاء التجار الإيطاليون قريبين من مسامع البابا"!
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


 

 


الباسل

يتولى القادة العسكريون مهمة الدفاع عن الوطن ، ففي أوقات الحرب تقع على عاتقهم مسؤولية إحراز النصر المؤزر أو التسبب في الهزيمة ، وفي أوقات السلم يتحمّلون عبء إنجاز المهام العسكرية المختلفة ، ولذا يتعيّن على هؤلاء القادة تطوير الجوانب القيادية لديهم من خلال الانضباط والدراسة والتزوّد بالمعارف المختلفة بشكل منتظم ، واستغلال كافة الفرص المتاحة ، ولاسيما أن الحياة العسكرية اليومية حبلى بالفرص أمام القادة الذين يسعون لتطوير أنفسهم وتنمية مهاراتهم القيادية والفكرية

   

رد مع اقتباس