عرض مشاركة واحدة

قديم 07-04-09, 10:57 AM

  رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
جيفارا
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

وفي الثاني والعشرين من الشهر نفسه ألقى الرئيس عبد الناصر خطابا في القاعدة العسكرية الجوية في بير جفجفة في سيناء أعلن فيه عن اغلاق مضائق تيران في وجه السفن الاسرائيلية والسفن الاجنبية التي تنقل الى اسرائيل مواد استراتيجية. على اثر ذلك دعا اشكول وزراءه وقادة هيئة رئاسة أركان الجيش الى اجتماع تشاوري طارئ في تل أبيب، وقال في بدايته إنه دعا الى الاجتماع أيضا رؤساء أحزاب المعارضة اليمينية.

وكان واضحا ان الحديث جار عن حرب. لكن اشكول قال من البداية ان هناك جهودا لتسوية الأزمة دبلوماسيا وإنه قد لا يكون هناك مفر من خطوات عملية. وزير الخارجية أبا إيبان، يصف تلك الفترة في مذكراته فيقول ان مظاهر الثقة بالنفس والبهجة التي سادت اثر اسقاط الطائرات السورية غابت عن الوجوه ليحل محلها التجهم والعبوس. ثم يروي ما قاله له رئيس الأركان رابين في بيته في القدس يوم 21 من الشهر، أي حتى قبل اعلان ناصر عن اغلاق المضائق، على النحو التالي: «كان رابين عصبيا للغاية. فقد راح يدخن بشكل مكثف. سألته بماذا أستطيع أن أخدم الجيش في الساحة الدبلوماسية، فأجاب: الوقت. الوقت. الوقت. أريد وقتا حتى اعزز القوات في الجنوب. خلال عشر سنين ركزنا استعداداتنا في الشمال والشرق». وأجرى رابين مقارنة بين حال اسرائيل في 1956 وفي 1967 فقال ان الوضع كان أفضل في الحرب السابقة. ففيها كانت اسرائيل ومعها فرنسا وبريطانيا في مواجهة مصر الوحيدة. أما الآن فإن مصر قد تحظى بمساندة من سورية وربما الأردن وربما ترسل دول عربية أخرى فرقا عسكرية. واختتم رابين بأن مستشاريه العسكريين لم يعرفوا كيف يقدرون عدد الضحايا المتوقع في حرب قادمة.

وجاء خطاب عبد الناصر في اليوم التالي ضربة اضافية. وراح رابين يضغط على الحكومة لكي تسمح له بتوجيه الضربة الأولى الى مصر. فقد رأى ان ترك المجال لمصر أن توجه الضربة الأولى في هذه الحرب سيكون مدمرا لاسرائيل. ولذلك يجب أن يعطى الفرصة. وأخذ جنرالات آخرون يتحدثون عن «خراب الهيكل الثالث» (أي دمار اسرائيل). لكن الحكومة، بمبادرة من وزير الخارجية، إيبان، وموافقة رئيس الحكومة، اشكول، قررت الانتظار. والسبب أن الرئيس الأميركي، جونسون، طلب امهاله بضعة أيام حتى يتسنى له العمل على تسوية الأمور بالطرق السياسية. ورأى اشكول ان الطلب الأميركي يجب ألا يرد. ورأى إيبان ان التجاوب مع الأميركيين سيجعل اسرائيل في موقف أفضل من الناحية الدولية ويجعل كل خطواتها الحربية في ما بعد مقبولة ومفهومة.

وكشف إيبان ان هناك فكرة في واشنطن تقول بأن الولايات المتحدة مستعدة لمرافقة السفن الإسرائيلية لدى عبورها مضائق تيران لضمان حرية الملاحة الاسرائيلية فيها وأن هناك معلومات استخبارية تقول ان عبد الناصر أمر قواته بألا تعترض سفنا اسرائيلية إذا رافقتها سفن أميركية. وبدا هذا حلا معقولا قد يدوم عدة سنوات، ويضع أميركا الى جانب اسرائيل بصورة تظاهرية. لكن العسكريين اعتبروا هذا الحل مهينا لاسرائيل وانتصارا لعبد الناصر.

وتسرب هذا النقاش الى الشارع الاسرائيلي. وبدا أن الجمهور اقتنع برأي الجنرالات أكثر من رأي السياسيين وبدأت تسمع الأصوات المتذمرة، خصوصا بعد تجنيد الاحتياط وسيارات الشحن، فأصاب الخلل كل نواحي الاقتصاد، وبات هناك نقص في المواد. وتجندت الصحافة الى جانب الجنرالات، وراحت تمارس الضغط على الوزراء بواسطة الأسئلة المحرجة في المقابلات الصحافية وابراز ردودهم. الصدمة النفسية

* «شعرت بالعزلة»، هكذا كتب اسحق رابين في مذكراته لاحقا. فقد شعر أن رئيس الحكومة ضعيف بشكل زائد وانه لا يستطيع أن يفرض عليه رأيه. فأصيب بالاحباط. لقد تخيل ان مصر ستسبقه الى الحرب وستلحق باسرائيل خسائر جسيمة.

وزاد من ضائقة رابين ما كان قاله موشيه ديان أمام لجنة الخارجية والأمن البرلمانية. وكان رابين يثق برئيس الحكومة الأول، دافيد بن غوريون، الذي كان قد بدأ يوصف في ذلك الوقت بـ«العجوز»، فذهب اليه يسأله المشورة والنصح، فجاء رد بن غوريون محبطا أكثر. فقد راح يوبخه على أفعاله الاستفزازية للعرب ويحمله المسؤولية الشخصية عن هذا التدهور: «ليس السوريون ولا المصريون مسؤولين عن الأزمة، بل اسرائيل. ان تجنيد 70 ألف رجل للخدمة الاحتياطية هو خطأ فاحش سياسيا واجتماعيا. والعملية في السموع كانت أسوأ، فهي استفزاز للدولة الأردنية غير المعادية. والعملية فوق دمشق استفزاز في غير محله وفيها انجرار وراء رغبات الحرب ومثيريها.

في اليوم التالي ذهب رابين الى ديان، فأحدث هذا تغييرات عديدة في تقديراته. وعندما سمع رئيس الحكومة اشكول ان رابين ذهب لاستشارة خصومه، اعتبر ذلك نوعا من الخيانة، فغضب منه وغضب رابين من نفسه. وتوجه رابين الى الوزير المتدين، حايم يوسف شبيرا، يسمع رأيه، فكان أكثر حدة من العجوز بن غوريون عليه، وراح يؤنبه على انه يهدد مستقبل اسرائيل وأمنها بسياسته الحربية ـ «قل لي من فضلك، ألم يكن بمقدور بن غوريون وديان أن يحاربا مصر في مضائق تيران؟ فلماذا لم يفعلا؟ كيف تسمح لنفسك بأن تقدم على عمل حربي كهذا أنت واشكول؟». وحاول رابين مرة أخرى التأثير على القرار السياسي، ولكن عبثا. وفي مذكراته يكتب رابين «الشعور القاسي بالذنب الذي اصلبني في الأيام الأخيرة زاد حدة في 23 من الشهر.

لا أستطيع نسيان أقوال شبيرا. أنا جررت اسرائيل الى هذه الأزمة. أنا كرئيس اركان لم أفلح في منع نشوء هذا الخطر الكبير المحدق باسرائيل. ربما فشلت في مهمتي كمستشار عسكري أول لرئيس الوزراء ووزير الدفاع. ربما بسبب هذا وصلت اسرائيل الى وضعها الصعب الحالي. ربما صدق بن غوريون في أنه لم يكن واجبا على أن أجند قوات الاحتياط، وبذلك جررت اسرائيل الى الحرب».

 

 


   

رد مع اقتباس