عرض مشاركة واحدة

قديم 19-05-09, 11:27 AM

  رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
المقاتل
مشرف قسم التدريب

الصورة الرمزية المقاتل

إحصائية العضو





المقاتل غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي



 

عناصر ومكونات الضربة

المقصود هنا من هذا الموضوع هو التعرُّض لشكل عناصر ومكونات الضربة، ليس من جانب حجم القوات المشتركة، ولكن من ناحية شكل المكوِّن الرئيس للضربة، وهو المناورة والنيران اللتان تتحدان لتنفيذ هدف واحد ومهمة واحدة، ويشترط في استخدامهما تحقيق التوازن العام فيما بين قواتهما، بحيث لا تتفوق إحداهما على الثانية إلاّ في حدود ضيقة، ربما تخدم طبيعة تطوُّر الموقف في ميدان المعركة.

فالنيران تبدأ بها المعركة وتنتهي بها، وتتخللها المناورة بطبيعة الحال، وتعتبر قدرات ومهارات القادة هي العامل الحاسم في تحقيق النصر من خلال القدرات الإبداعية أو الفنية لهم، ولذا إذا وضعنا عدداً من القادة تحت الظروف نفسها من حيث الأرض والقوات والنيران؛ فإن النتائج ستكون مختلفة، لأنها لن تعتمد فقط على العلوم العسكرية وقوانين خدمة الميدان، ولكنها سوف تعتمد على الفروق الفردية بينهم Individual Diferenes، وهذا مما يفسر كيف ينجح قادة ويفشل آخرون، أو كيف ينجح قادة أكثر من غيرهم. وتعتبر النيران هي جوهر ومضمون أعمال القتال في الميدان، ولذا فإن توقيع عقوبة الجزاء النيراني على العدو هي العامل المؤثّر الذي يساعد على تحقيق المبادرة من خلال المناورات التي يجب أن تسبقها النيران، وتصاحبها وتستر انسحابها عند الضرورة؛ والنيران تنتج من كافة أسلحة القوات المسلحة الجوية، والبحرية، والبرية، والصاروخية التي يجب أن تنسِّق جيداً فيما بينها، لتحقيق أكبر تأثير ممكن على العدو.

أما المناورة، فقد أضافت بعداً جديداً في مفهوم مضاعفة القوة، وهو الأمر الذي يمكن تكراره في عملية واحدة من خلال استخدام وحدات الإبرار الجوي، وقوات المظليين، والصاعقة، باستخدام وسائل النقل الحديثة، وهي: الطائرات، والعموديات، والعموديات المسلحة. وعادة ما تتم المناورة بهدف النقل المنظّم لأعمال القتال من مكان لآخر، لتحقيق أفضل فائدة ممكنة من خصائصها التكتيكية والفنية، أي أنها تعتبر أسلوب اقتراب غير مباشر وسريع من أهداف وتجميعات العدو المتمركزة في عمق الدفاعات، كما أنها تجري بغرض مواجهة النقص، أو الخلل المفاجئ في حجم القوات، والتغيُّر الحاد في الموقف العملياتي في المسرح؛ وعموماً فإن المناورة هي الآلية الوحيدة التي تمكِّن القائد من الوصول إلى أجناب ومؤخرة العدو، وتحرمه من التفكير المنظّم لمواجهة أعمال قواتنا، وتمنعه من عمليات إعادة التجميع لمواجهة التقلُّب الحاد في الموقف الذي فرضته مناورة قواتنا الناجحة.

وللمناورة أشكال عديدة، فهي تتم إما على هيئة التفاف، أو تطويق، أو أمامية؛ فالالتفاف يتم على أجناب ومؤخرة العدو في تعاون نيراني وتكتيكي مع القوات العاملة في المواجهة، بمعنى أن تكون الأسلحة الموجودة لدى الطرفين قادرة على الوصول لعمق الطرف الآخر، ومن ثم معاونته وتأمينه؛ أما التعاون التكتيكي، فيعني أن يكون في قدرة القوات المتعاونة الإمكانات التكتيكية، مثل:

المواجهات، والأعماق، والمدرعات، والمركبات، والمستويات اللوجيستية المحمولة معهم، والتي تمكنهم من القتال مستقلاً حتى تحقيق المهام الموضوعة لهم، ولذا فإن عملية التعاون عادة ما تكون مرتبطة بالمهمة المباشرة للفرقة أو اللواء مثلاً، وهي تتم في الهجوم كما تتم أيضاً في الدفاع عند التمكّن من حصار العدو بعد اختراقه للدفاعات. هذا بالنسبة للالتفاف، أما التطويق فهو التفاف أكثر عمقاً، ويمكن لعمليات التطويق أن تقوم بالكثير بشرط توفُّر القائد المبدع وليس القائد العلمي فقط؛ فيمكن للقوات القائمة بالتطويق أن تقوم بضرب الأنساق الثانية وحرمانها من القيام بالضربات المضادة التي يمكنها أن تحسم العملية، كما يمكنها فصل وتجزئة هذه الأنساق عن بعضها. وغالباً ما تقع أعمال حصار للعدو نتيجة للتطويق الناجح، وقد تكون القوات المحاصرة كبيرة، كما وصلت في معارك شمال أفريقيا إلى حجم فيلق، نتيجة نجاح القائد البريطاني (مونتجمري) في القيام بعمليات مناورة بعيدة المدى في الشمال الأفريقي، ولذا فليس غريباً على (مونتجمري وروميل) أن يُطلق عليهما ألقاب عديدة تؤكّد قدرتهما على الفن والعلم معاً، وتوظيفهما في سيمفونية جميلة للخروج بخطط عمليات غير تقليدية كان لها أكبر الأثر في قلب ميزان القوى في ذلك المسرح عدة مرات أثناء فترة الحرب
العالمية الثانية.

وكما قلنا من قبل: إن هذا الإبداع، وتلك المرونة، يزدادان كلما كبر المستوى للقوات المنفِّذة والعكس صحيح. أما المناورة الأمامية فتتم من خلال عمليات الاختراق، أو التسلل، أو القتال التعطيلي، أو الارتداد عند اللجوء إليه؛ والتسلل هو تحرُّك مستتر للقوات، والقتال التعطيلي هو ما يتم أمام الدفاعات؛ والتخلُّص طواعية من موقف غير مناسب يعتبر ارتداداً لاتخاذ أوضاع أفضل تتيح للقوات حرية العمل فيما بعد؛ والارتداد هو عملية عسكرية كاملة الأركان من حيث التحضير، والتنظيم، والإدارة.
علاقة الضربة بالعملية والحرب

الحرب هي الصورة الشاملة والكاملة للصراع، لأن الحرب لا تُعدّ لها القوات المسلحة فحسب، ولكن أيضاً الاقتصاد، والشعب، والسياسة، وأراضي الدولة، أي أن كل العناصر السابقة تُعدّ وتدعم القوات المسلحة في الحرب، ولكن بطبيعة الحال فإن العسكرية تتبع السياسة، بمعنى أن السياسة والاستراتيجية العامة للدولة هي الأساس، بحيث إذا لم تنجح في تحقيقها بالوسائل الدبلوماسية فإنها تلجأ للقوات العسكرية لتنفيذها، ويعدّ مثال مصر في صراعها مع إسرائيل دليلاً واضحاً على هذا المفهوم، لأنه بعد صدور قرار مجلس الأمن رقم (242) لإعادة الأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل في حرب 1967م، لم تنفِّذ إسرائيل القرار، وعند زيادة وطأة حرب الاستنزاف المصرية ضد إسرائيل، خصوصاً بعد معركة (رأس العش) في يونيو 1967م وهو شهر الانسحاب والتي تمت في وضح النهار وحصلت فيها القوات المصرية على أول أسير إسرائيلي؛ وكذا قيام القوات الجوية المصرية بضربة جوية مركّزة في يوم 14 يوليو 1967م أسقطت فيها الطائرات الفانتوم الإسرائيلية الأمريكية الصنع، الأمر الذي دفع الولايات المتحدة لأن يتقدم وزير خارجيتها (روجرز) بمبادرته الخامسة، لتنفيذ القرار الذي لم توافق عليه إسرائيل في المبادرات الأربع السابقة، والذي وافقت عليها إسرائيل لتقوم بالانسحاب بعد زيادة خسائرها في انسحابها عند الضرورة، والنيران الاستنزاف.

ثم بعد إغراق مدمرتها إيلات في أكتوبر 1967م، حيث كانت أول حرب صاروخية بحرية تُستخدم فيها الصواريخ البحرية، كل هذا قد أدى بعد موافقة إسرائيل على مبادرة تنفيذ القرار إلى توقُّف الوسائل العسكرية في الصراع، حيث توقّف إطلاق النيران بين الطرفين وبدأت الجهود الدبلوماسية، حيث إن أهداف الحرب السياسية هي تحرير شبه جزيرة سيناء، وهو ما يؤكد تبعية العسكرية للسياسة.

أما العملية فهي إما تعبوية (عملياتية) أو استراتيجية، وما يتبادر هنا إلى الذهن، فما هو إذن الفرق بين الحرب والعملية الاستراتيجية؟ الواقع أن العملية الاستراتيجية تقودها القوات المسلحة، وأقصد القائد العام، ولكن في اتجاه استراتيجي واحد، فمثلاً في مصر الاتجاه الاستراتيجي هو الشمال الشرقي، بالإضافة إلى الاتجاه الغربي والجنوبي، ولكن في هذه الحالة لا تستخدم القوات المسلحة بالكامل وليست بكل إمكاناتها، أما الحرب فإن مواجهتها أكبر، وأعماقها أكبر، والإعداد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والمعنوي أكبر، ويقودها القائد الأعلى للقوات المسلحة من خلال مجلس أعلى للحرب، أو الدفاع حسب دستور الدولة وغالباً ما يكون هو أكبر سلطة في البلاد: إما رئيس الجمهورية، أو سلطان، أو ملك، أو أمير للبلاد.

وقد تتكون العملية الاستراتيجية من عدة عمليات تعبوية، وذلك بحسب مسرح العمليات، وطبيعة الأرض، وعدد الأهداف الحيوية الهامة، كما ورد ذكرها من قبل. وقد تشتمل الحرب على عدة مسارح عمليات يُطلق عليها جميعاً مسرح الحرب لمجموعة من الدول المتعاونة، والتي غالباً ما تكون متجاورة جغرافياً، هذا فضلاً عن احتمال أن يشترك معهم بعض الحلفاء أو الدول الشقيقة أو الصديقة. هذا عن علاقة العملية بالحرب، أما الضربة فهي جزء من العملية سواء التعبوية أو الاستراتيجية، أي أن الضربة يمكن لها أن تحتوي على عدة ضربات، كما ورد ذكره في نموذج عاصفة الصحراء في حرب تحرير الكويت عام 1990-1991م، وفي عملية غزو العراق عام 2003م، المعروفة بعملية "حرية العراق"، فقد كانت الخطة موضوعة على أساس توجيه ضربة تعبوية من الجنوب بواسطة الفرقة (3) مشاة الميكانيكية، وتقابلها الفرقة (4) الميكانيكية من الشمال من الاتجاه التركي، فضلاً عن ضربتين أخريين، الأولى بواسطة فرقة (1)، والفرقة (2) مشاة أسطول عبرالأهواز على الجانب الأيمن، الفرقة (82)، الفرقة (101) إبرار جوي من الغرب على الاتجاه العام غرب بغداد، وحيث إن التعداد العام للقوات كان في حدود (140) ألف رجل.

فالعملية من ناحية الحجم تعتبر تعبوية، في حين أن القيادة كانت استراتيجية، ويمكن أن يُطلق عليها عموماً: (ضربة استراتيجية)، على أساس أنها ترتبط أساساً بالموقف السياسي والحلفاء، وما إلى غير ذلك.
خاتمة

تُعدّ الأسس العامة، وقوانين القتال، وقواعد خدمة الميدان هي المرشد والموجّه الأساس للتخطيط للحرب والعملية بنوعيها، وكذلك للضربات والموقعات والمعارك وأعمال القتال في النهاية، ولكن ما تجب الإشارة إليه هو عدم حرمان القادة على المستويات العليا وضباط الأركان العامة والخاصة من حرية الرأي فيما يتعلق باستخدام القوات، والمعروف عنهم أساساً المهارات والإبداعات، مع الارتباط بالأسس العسكرية العلمية للتخطيط، طالما أن أفكارهم مُبرّرة وتنال استحسان جموع ضباط هيئات القيادة والأركان.

ولعلي لا أبالغ لو قلت إن خطة التحالف في عاصفة الصحراء مأخوذة عن قانون القتال الأمريكي الذي تم تطويره عقب حرب أكتوبر 1973م في 20-8-1982م، ومرة ثانية في عام 1983م، وعُرف باسم FM 100-15، وتناوله أيضاً حلف شمال الأطلسي، حيث عمَّق المفهوم الأمريكي للوصول إلى فكر يتلاءم مع قدرات وإمكانات القوات العاملة في المسرح الأوروبي، حيث أُطلق عليها أي على هذه النظرية "نظرية قتال الأنساق الثانية"، وكلتا النظريتين تتحدان في ضرورة قتال الأنساق الثانية في وقت مبكر، إما مع الأنساق الأولى أو قبلها أو بعدها بوقت قليل قبل دفعها للاشتباك، ولكنهما تختلفان في الوسائل لتنفيذ ذلك، وهذا موضوع آخر يناسب المسارح الصحراوية في منطقة الشرق الأسط قاطبة، ومأخوذة عن نماذج المناورة الأمريكية في (الكروكيات) المرفقة، وهذا ليس بخطأ لأن هذه القوانين بملحقاتها قد وضعت للاستعانة في تخطيط العمليات، باعتبار أنها ناتج دروس الحروب السابقة ليس في أمريكا وحدها، بل في كل العالم، ولولا تطبيق هذه الإرشادات ما نجحت قوات الائتلاف من قوات مشتركة عربية وتحالف في تحقيق ذلك النصر الباهر بكل المقاييس المعروفة
تنتج من كافة أسلحة القوات العمليات، وعادة ما يحدد للضربة المسبقة حجم التدمير المطلوب في العدو.

المراجع:

1. موسوعة تاريخ العالم، الجزء الأول، وليم لانجر، ترجمة: د. محمد زيادة، مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة.
2. أوروبا في القرنين 19 و 20 أ.ج جرانت، هارولد تمبرلي، ترجمة: بهاء فهمي، وعزت عبدالكريم، الناشر: مؤسسة سجل العرب، الطبعة السادسة.
3. كتاب: "الجغرافيا العسكرية للشرق الأوسط"، القاهرة، وزارة الدفاع المصرية.
4. كتاب: "مقاتل من الصحراء"، الفريق الأول- خالد بن سلطان، القاهرة، 1996م.
5. التقريرالاستراتيجي الخليجي، مجلس التعاون، الرياض 2000م.
6. عناصر القوة الظاهرة للدولة، د. سمير بهاء الدين، القاهرة، 1988م.
7. مقالة: "النظام العالمي والحرب الباردة"، مجلة الحرس الوطني السعودي، مارس 2001م، الرياض، اللواء الركن- كمال شديد.
8. "الحرب الباردة وحروب الأمم المتحدة"، مارس، وأبريل 2000م، مجلة الجندي، دبي، اللواء الركن- كمال شديد.
9. "الحرب والعولمة"، 6 أجزاء من يناير يونيو 2001م، دبي، المؤلف نفسه.
10. الدفاع المتحرك في المسارح الصحراوية، الحرس الوطني السعودي، يونيو 2000م، الرياض، المؤلف نفسه.
11. مجموعة مؤلفات عديدة للمؤلف عن الموضوع نفسه.

 

 


   

رد مع اقتباس