عرض مشاركة واحدة

قديم 25-09-09, 08:59 PM

  رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
المنتصر
مشرف عام

الصورة الرمزية المنتصر

إحصائية العضو





المنتصر غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي هل يعود التكالب الاستعماري على إفريقيا من جديد؟



 

هل يعود التكالب الاستعماري على إفريقيا من جديد؟



المقدمة.
(إذا كان البريطانيون أساتذتنا بالأمس، فإن الصينيين أخذوا مكانهم اليوم)... بهذه الكلمات الموجزة عبّر تريفور نكوبي، أحد أكبر رجال الأعمال الصينيين في إفريقيا، عن رؤية بلاده للقارة السمراء، حيث إن الهدف بالنسبة لهم هو أن تكون لهم السيطرة الاقتصادية عليها تماما كما كانت الإمبراطورية البريطانية تهيمن عليها إبان الحقبة الاستعمارية، وهي نفس الفكرة المسيطرة على فكر حكام وقادة الصين الذين يرغبون في جعل إفريقيا ككل بمثابة دولة تابعة لبكين satellite' state.ويعود هذا التوجه الصيني لعدة أسباب من أهمها مواجهة مشكلة الزيادة السكانية من ناحية، ومواجهة مشكلة نقص الموارد الطبيعية من ناحية ثانية. هذه الرؤية ترجمتها الحكومة الصينية عمليا خلال الآونة الأخيرة، حيث عملت على تكثيف حجم تبادلها التجاري مع إفريقيا ليرتفع من 11 بليون دولار عام 2000 إلى 73 بليون دولار عام 2007. ومع ارتفاع أسعار المواد الأولية قبل الأزمة المالية العالمية الأخيرة في نوفمبر 2008، أصبحت الصين أكبر مستثمر في إفريقيا وثالث شريك تجاري لها بعد الولايات المتحدة وفرنسا؛ ففي مطلع عام 2008، كانت هناك 800 شركة حكومية صينية تستثمر في القارة، وأنفقت هذه الشركات 6 بليون دولار في 900 مشروع خاصة في قطاع المواد الأولية.

ويبدو هذا التمدد الصيني المتسارع.
في إفريقيا واضحاً لمن يتجول في دول القارة الـ 53 حيث يمكنه مشاهدة العلم الصيني الأحمر في أنحاء كثيرة من القارة، فضلا عن السفارات المنتشرة هنا وهناك (49 دولة)، كما صارت هناك نخبة صينية جديدة موجودة في عدة دول بالقارة تعتز بعاداتها وتقاليدها سواء من حيث المأكل أو الملبس، بل يكاد يكون هناك بعض المدن قاطنوها من الصينيين فحسب، ففي أنجولا على سبيل المثال، والتي تعد أكبر شريك تجاري للصين في القارة، هناك مدينة صينية كبيرة تعرف باسم المدينة الصينية China town، وأمثال هذه المدينة منتشرة في العديد من دول القارة، بل وتكاد تكون بعضها مقصورة على الصينيين حيث وجود بوابات خاصة، فضلا عن تقديم الأطعمة الصينية في المطاعم الموجودة بها، وغير مسموح لغير الصينيين الدخول إليها، كما يلاحظ أن الطرق الإفريقية تعج بالسيارات والحافلات الصينية رخيصة السعر، والتي تنقل المواطنين إلى المتاجر الصينية ذات الأسعار الزهيدة، كما أن خطوط السكك الحديدية التي تم إنشاؤها من قبل حكومة بكين تقطع مسافات كبيرة في مختلف أنحاء القارة، فضلا عن اتصالها بالموانئ على البحار لكي تحمل المواد الأولية إلى بكين، مقابل السلع المحملة من الصين إلى إفريقيا مثل لعب الأطفال.ويطرح هذا التمدد الصيني الكثيف في إفريقيا عدة تساؤلات تحاول هذه الدراسة تناولها، وهي ما أسباب وأهداف الاهتمام الصيني بإفريقيا؟، وما المبادئ الصينية الحاكمة للعلاقة مع إفريقيا؟، وأي إستراتيجيات تتبعها الصين لتحقيق أهدافها بالقارة؟، وما أهم مناطق الانتشار الصيني في إفريقيا؟، وهل الدور الصيني بالقارة مكمل للدول الغربية أم منافس لها؟، ثم ما هي الفرص والتحديات أمام العلاقات الصينية ـ الإفريقية؟.

أسباب الاهتمام الصيني بإفريقيا.
لا يعد الاهتمام الصيني بإفريقيا وليد السنوات الأخيرة، وإنما يرجع لحقبة الخمسينات من القرن الماضي، وتحديدا مع بداية تدشين كتلة عدم الانحياز منذ مؤتمر باندونج عام 1956، والذي شاركت فيه مصر وست دول إفريقية أخرى، وكانت مصر من أوائل الدول التي اعترفت بالصين. وكان الاهتمام الصيني بإفريقيا في ذاك الوقت يرجع لاعتبار أساسي "سياسي" يتعلق بتأمين حصول بكين على تأييد الدول الإفريقية للاعتراف بها في مواجهة حكومة فرموزا "تايوان" واعتبار حكومة الصين الممثل الشرعي الوحيد للشعب.

ومنذ هذا الوقت تبلورت عدة اعتبارات حاكمة للتوجه الصيني صوب إفريقيا بعضها اقتصادي، والآخر سياسي، فضلا عن الاعتبارات السكانية والثقافية.

بالنسبة للاعتبارات السياسية، يلاحظ أن هناك اعتبارين أساسيين في هذا الشأن، الأول: سحب مزيد من التأييد الإفريقي لتايوان، واعتبار مبدأ الصين الواحدة هو الأساس الحاكم في هذا الشأن، بل هو معيار التعامل مع أو ضد الدول الإفريقية. ولقد ظهر هذا الاهتمام بوضوح منذ ستينات القرن الماضي بعدما أظهر تصويت الدول الإفريقية داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1963 عن تأييد 17 دولة لتايوان مقابل 14 دولة للصين. لكن تعدلت هذه النسبة بعد ذلك كثيرا، ففي عام 1971 حصلت بكين على تأييد 26 دولة إفريقية بشأن أحقيتها في المقعد الدائم بمجلس الأمن. وفي عام 1975 اعترفت 37 دولة إفريقية بها مقابل 8 فقط لتايوان.

ومنذ التسعينات رفعت الصين مبدأ (الصين الواحدة) في التعامل مع الدول الإفريقية، وعملت على استخدام ورقة المساعدات الاقتصادية في هذا الشأن، ونجحت في سحب اعتراف ست دول بتايوان هي: إفريقيا الوسطى، وغينيا بيساو، والنيجر، وليسوتو، وجنوب إفريقيا، ثم ليبيريا في عام 2003 وذلك قبل نشر قوات الجيش الصيني للمساعدة في تنفيذ مشاريع المياه في البلاد ، والآن تراجع عدد الدول الإفريقية التي تعترف بتايوان إلى أربع دول فقط هي: بوركينا فاسو، وساوتومي وبرنسيب، وجامبيا، وسوازيلاند.

أما الاعتبار الثاني، فهو رغبة الصين في الحصول على الدعم الإفريقي في المحافل الدولية كالأمم المتحدة وغيرها لاسيما فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان في الصين الذي يعد أحد القضايا الشائكة في العلاقات الصينية الأمريكية، خاصة داخل لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، كما أنها ترغب في وجود حشد إفريقي يكون بمثابة دعم دبلوماسي كبير لها في أية مواجهة محتملة لها مع الدول الكبرى سواء داخل الأمم المتحدة أو مجلس الأمن.

وفيما يخص الاعتبارات الاقتصادية، فهي عديدة ويتمثل أبرزها فيما يلي:ـ

1ـ الرغبة الصينية في الحصول على البترول والموارد الطبيعية الأخرى من إفريقيا خاصة الخشب والأقطان التي تستخدم في صناعة المنسوجات، لاسيما وأن الثورة الصناعية الكبيرة التي شهدتها الصين جعلتها -رغم إنتاجها للبترول -دولة مستوردة له منذ عام 1993، وبحلول عام 2004 أصبحت الصين ثاني أكبر مستهلك للبترول بعد الولايات المتحدة، ويتوقع أن يزداد هذا الاستهلاك سنويا بمقدار 10%. ومعنى هذا أن بكين إذا كانت تستورد ثلث احتياجاتها من البترول والغاز الآن، فإن هذه النسبة ستصل إلى 60% بحلول عام 2010. ونظراً لأن البترول الآسيوي لا يفي باحتياجاتها، كما أن بترول الشرق الأوسط تستحوذ عليه الولايات المتحدة والدول الأوربية؛ فإن الصين تبحث عن مصادر أخرى، ووجدت ضالتها المنشودة في البترول الإفريقي، فهي تحصل الآن على25% من احتياجاتها النفطية من القارة ، وهناك سبع دول إفريقية تمد بكين بهذه النسبة، وهي الجزائر، والسودان، وتشاد، والجابون، وغينيا الاستوائية، وأنجولا، ونيجيريا ، كما أنها تستورد 70% من احتياجاتها الخشبية من الغابات الإفريقية، فضلا عن استيرادها كميات كبيرة من الحديد والبلوتينيوم من زيمبابوي وجنوب إفريقيا.

2ـ كبر حجم السوق الإفريقية لتسويق المنتجات الصينية، إذ يبلغ حجم هذه السوق 900 مليون نسمة، ومن ثم صارت الصين الشريك التجاري الثالث لإفريقيا بعد الولايات المتحدة وفرنسا بالرغم من أن حجم التجارة الصينية مع إفريقيا لا يزال محدودا، إذ لا يشكل سوى 1% من إجمالي حجم التجارة الخارجية للصين.

لكن هذا التبادل يشهد تحسنا من عام لآخر، فوفقا لبيانات وزارة التجارة الصينية، ارتفع حجم التجارة من 40 مليار دولار في عام 2005 إلى 106.8 مليار دولار في عام 2008 ، بزيادة بلغت أكثر من 250% ، في حين كان المعدل مليار دولار فقط في عام 1999. وبعبارة أخرى، فقد زاد حكم التبادل التجاري الصيني مع إفريقيا بأكثر من 50 ضعفا خلال تسع سنوات فقط ( 1999-2008).

أما بالنسبة للاعتبارات السكانية، فهي ترتبط بالزيادة الكبيرة في حجم السكان في الصين، حيث ارتفع عدد سكانها من 500 مليون نسمة إلى 1.3 مليار نسمة خلال خمسين عاما فقط، ومن ثم كانت هناك حاجة لبحث توطين هؤلاء في أماكن متفرقة من العالم، ومن بينها إفريقيا التي اعتبرها العديد من القادة الصينيين دولة تابعة لبكين من خلال فكرة توطين الصينيين في هذه القارة، خاصة وأن هذه الفكرة قديمة، ومفادها توطين هؤلاء الصينيين في القارة وتزاوجهم من الأفارقة بحيث يكون هناك نسل صيني يحل محل الجنس الزنجي الإفريقي Negro race الرديء من وجهة نظرهم. ولذا تم وضع هدف إستراتيجي من قبل المسئولين في بكين مفاده الاحتياج لتوطين 300 مليون صيني في إفريقيا لحل مشكلة السكان والتلوث لاسيما وأن عدد المستوطنين الصينيين في القارة لا يتعدى الآن 750 ألف شخص.

ومن ناحية رابعة، تعد الاعتبارات الثقافية عاملا مهما، فثمة رغبة صينية في نشر الثقافة الكونفوشيوسية في العديد من الدول الإفريقية خاصة الدول الحبيسة مثل رواندا وبوروندي.

ويلاحظ أن بعض هذه الاعتبارات السابقة قد تكون أكثر أهمية في بعض الأحيان من بعضها الآخر مثل الاعتبارات السياسية في بداية العلاقة، ثم صارت الغلبة للاعتبارات الاقتصادية، مع عدم تجاهل الاعتبارات السكانية والثقافية.

مبادئ ومحددات العلاقة الصينية مع إفريقيا.

عملت الصين على الاستفادة من التجربة المريرة التي مرت بها الدول الإفريقية مع الدول الاستعمارية والدول الكبرى مثل الولايات المتحدة، سواء أكان هذا قبل الاستقلال أو بعده، ومن ثم صاغت مجموعة من المبادئ المحددة لعلاقاتها مع إفريقيا، والتي قد تجعلها أكثر قبولا ليس لدى النخب الإفريقية فحسب، وإنما لدى الشعوب الإفريقية أيضا.

ومن أهم هذه المبادئ والمحددات ما يلي:ـ

1ـ التأكيد على أن الصين تمثل نمطا مختلفا ومستقلا عن القوى الكبرى الأخرى في المحيط الدولي خاصة بالنظر لكونها دولة نامية تتفهم احتياجات إفريقيا التنموية، فضلا عن كونها مؤهلة للدفاع عن مصالح القارة في المحافل الدولية.

2ـ التركيز على التعاون والاستثمار الاقتصادي مع الدول الإفريقية التي لا تحظى بقبول الغرب مثل السودان وزيمبابوي وأنجولا.

3ـ عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الإفريقية حتى وإن كانت هذه الدول تنتهك حقوق الإنسان؛ فالمبدأ الصيني في هذا الشأن هو ما عبّر عنه نائب وزير الخارجية الصيني، زو وينونج، الذي أشار إلى أن "التعامل مع إفريقيا يتعلق بالجوانب العملية وليس حقوق الإنسان؛ فالتجارة تجارة، ولن تتدخل بكين في الشئون الداخلية حيث نحاول الفصل بين التجارة والسياسة".

4ـ التأكيد على أن العلاقات مع إفريقيا تستهدف تحقيق الربح والمنفعة المتبادلة للجانبين.

5ـ التأييد المتبادل والتنسيق داخل المنظمات متعددة الأطراف بما فيها الأمم المتحدة لتأييد المطالب العادلة للطرف الآخر.

6ـ تنوع العلاقات في كافة المجالات وعدم اقتصارها على الجانب الاقتصادي أو التجاري فحسب.

7ـ التأكيد على مبدأ الصين الواحدة.

ومن هنا يلاحظ أن الصين تحرص على عدم وجود شروط سياسية لعلاقاتها مع إفريقيا خاصة في مجال تقديم القروض والمنح، فضلا عن كونها ترفض الأسلوب الغربي القائم على الإفادة دون الاستفادة،علاوة على مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية الذي كان أحد المشاكل الرئيسية في العلاقات الإفريقية الدولية حيث كانت الدول الإفريقية تتهم الدول الكبرى بالتدخل دون وجه حق في شئونها الداخلية. وربما هذا نوع من الذكاء الصيني الذي جعلها تفوز بعقود استثمارية في الدول التي لا تحظى بقبول دولي مثل السودان وأنجولا التي تعد أكبر شريك تجاري للصين في إفريقيا.

إستراتيجية الصين لتحقيق أهدافها بإفريقيا.

لكي تعمل الصين على تحقيق أهدافها السابقة خاصة السياسية والاقتصادية في إفريقيا، عملت من خلال إستراتيجية شاملة تتضمن مجموعة من الآليات اللازمة لتحقيق هذه الأهداف، مع مراعاتها للمبادئ التي دشنتها كمحددات هامة في علاقاتها مع الدول الإفريقية.

بالنسبة للاعتبارات السياسية، عملت الصين على جذب مزيد من التأييد لها بخصوص نزع الاعتراف بتايوان عبر عدة وسائل أبرزها ورقة المساعدات الاقتصادية، واستخدمت في ذلك مبدأ العصا والجزرة، مستغلةً تردي الأوضاع الاقتصادية والأمنية لهذه الدول. ففي ليبيريا، والتي شهدت حربا ضروسا منذ أوائل التسعينات بعد مقتل الرئيس صمويل دو، عملت بكين على استغلال هذا الوضع المأسوي في البلاد، وقامت بالضغط على الرئيس الليبيري حينذاك، تشارلز تايلور، لسحب الاعتراف بتايوان في عام 2003 وذلك قبل نشر قوات الجيش الصيني للمساعدة في تنفيذ مشاريع المياه في البلاد.

وحدث نفس الأمر مع تشاد، حيث قامت بكين في بداية الأمر بمساندة المتمردين التشاديين ضد نظام إدريس ديبى، بعدما أعلنت تشاد عن إقامة علاقات دبلوماسية مع تايوان واعترافها بحق الأخيرة في الاستقلال عن الصين، وهو ما دفع بكين إلى تقديم الأسلحة لمتمردي تشاد، مستخدمةً ورقة الحضور الاقتصادي القوي للشركات الصينية في إقليم دارفور المجاور. ولما حدث خلاف بين النظام في تشاد وصندوق النقد الدولي بسبب المساعدات المشروطة وما ترتب عليه من طرد شركتي شيفرون وبتروناس الماليزيتين المنفذتين لمشروعين بتروليين ممولان من صندوق النقد، كانت الشركات الصينية هي البديل لتمويل هذا المشروع بدون شروط اقتصادية، لكن بشرط سياسي واحد هو قطع نظام ديبي لعلاقته الدبلوماسية مع تايوان، وبالفعل أثمرت هذه الجهود عن زيادة الدول الإفريقية المؤيدة لها من 14 دولة عام 1963 إلى 49 دولة الآن.

وفي مسألة حشد التأييد الإفريقي للصين في المحافل الدولية في مواجهة الدول الكبرى في مجال حقوق الإنسان، نجحت بكين في تأييد هذه الدول لإجهاض عدة محاولات لإدانة الصين داخل لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة. وقد اعتمدت في هذا الشأن على مجموعة من الآليات لعل أبرزها الأداة الدبلوماسية المتمثلة في زيادة زيارات كبار المسئولين الصينيين لإفريقيا، والعكس صحيح أيضا.

ويكفي للتدليل على ذلك الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الصيني هوجينتاو خلال الفترة من 12-17 فبراير 2009 لأربع دول إفريقية هي مالي والسنغال (غرب إفريقيا)، وتنزانيا (شرق)، وموريشيوس (جنوب)، والتي تعد الجولة الإفريقية الثانية له منذ القمة الصينية-الإفريقية عام 2006، حيث كانت الجولة الأولى لثماني دول قد تمت في عام 2007. ويلاحظ أن الدول التي قام هوجينتاو بزيارتها في جولته الأخيرة ليست غنية بموارد الطاقة أو الموارد الطبيعية الأخرى؛ مما جعل الإدارة الصينية تبرر ذلك بأنها تكشف عن الأبعاد المختلفة للعلاقة مع القارة، وأنها ليست قاصرة فقط على العلاقات الاقتصادية.

وفي المقابل، تستقبل بكين القادة الأفارقة أفضل استقبال خاصة هؤلاء المغضوب عليهم من الغرب؛ ففي حين تنظر بكين إلى أمثال رئيس زيمبابوي موجابي وغيره على أنه ضيف كبير، فإن الولايات المتحدة وبريطانيا تنظران إليه نظرة استعلائية على اعتبار أنه شخصية لا وزن لها.

وفي موازاة هذا الدعم الإفريقي، فإن المدخل السياسي الثاني لبكين يتمثل في دعم القضايا الإفريقية في المحافل الدولية في مواجهة الدول الكبرى خاصة بالنسبة لبعض الأنظمة التي يتم وصفها بالمارقة مثل السودان وزيمبابوي. وفقد هددت الصين باستخدام حق الفيتو ضد التحركات البريطانية والأمريكية بشأن فرض عقوبات دولية على نظام موجابي في يوليو 2005، لا سيما وأنه كان يزور الصين في حينها طالباً المزيد من المساعدات لمواجهة الأوضاع الاقتصادية السيئة في البلاد.

وتعتبر ورقة المساعدات الاقتصادية لهذه النظام هي المدخل الثالث في هذا الشأن، بغض النظر عن الأوضاع الداخلية فيها خاصة في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان؛ ففي عام 2007 قدمت بكين مساعدة تقدر بنحو 200 مليون دولار لموجابي ساعدته على جذب ولاء المؤسسة العسكرية له، وهو ما دفعه إلى القول: "اليوم تحولنا إلى الشرق-في إشارة لبكين- حيث تشرق الشمس، وأعطينا ظهورنا للغرب حيث تغرب الشمس -في إشارة إلى بريطانيا- التي انسحبت من بلاده قبل 30 عاما". كما قامت الصين بإلغاء 168 دينا مستحق السداد عن 33 دولة إفريقية في نهاية عام 2005. ولعل هذا سبب تأييد الدول الإفريقية لها سياسياً من ناحية، وتفضيل التعامل معها دون الدول الغربية والولايات المتحدة من ناحية ثانية.

أما عن تحقيق أهداف الصين الاقتصادية المعتمدة، فقد عمدت بكين إلى استخدام مجموعة من الآليات أبرزها ما يلي:ـ

1- توطيد العلاقات مع كل من النظم الحاكمة بغض النظر عن موقفها من الديمقراطية وحقوق الإنسان، وكذلك الشعوب الإفريقية في آن واحد، وهي بهذا تتباين عن الولايات المتحدة التي تهتم بالأساس بتقديم المعونة للنظم الديمقراطية فحسب، بل إن بكين تلعب على ورقة الخلافات الإفريقية مع الغرب من أجل الفوز بمزيد من الصفقات التجارية خاصة في مجال النفط والموارد الطبيعية. والأمثلة على ذلك عديدة؛ فمع انسحاب الشركات الأمريكية من السودان بسبب العقوبات الأمريكية على نظام الإنقاذ الإسلامي عام 1997، استغلت الصين هذا الفراغ، وقامت بالدخول بقوة إلى السوق السوداني الذي يمدها الآن بـ 7% من احتياجاتها النفطية. وتم ذلك عبر مجموعة من الآليات منها: تحسين البنية التحتية السودانية وإنشاء خط أنابيب بترول في البلاد عام 1999 بتكلفة قدرت بـ 3 مليار دولار، وكانت النتيجة امتلاك شركة البترول الصينية الوطنية (تابعة للحكومة) 40% من أسهم شركة النيل الكبرى السودانية التي تسيطر على حقول البلاد النفطية. ومقابل شراء الصين نصف النفط السوداني، قامت ببيع السلاح للخرطوم بسبب الحظر الدولي المفروض عليها، وزودت بكين الحكومة السودانية بالعربات المدرعة والطائرات وملايين الرصاصات والقنابل اليدوية. وقد بلغ حجم هذه المبيعات مليار دولار، كما قامت الشركات الصينية بمساعدة نظيرتها السودانية في بناء ثلاثة مصانع للأسلحة بالقرب من الخرطوم.

وفي أنجولا، التي تعد أكبر شريك للصين، استغلت بكين رفض صندوق النقد الدولي تقديم قرض لحكومة لواندا بسبب اتهامها بالفساد؛ فقامت بكين في عام 2004 بتقديم هذا قرض مقداره بليوني دولار مقابل الحصول على 10 آلاف برميل بترول يومياً. ووفقا للاتفاقية الموقعة بين البلدين، فإن القرض سيتم استخدامه في أعمال البنية التحتية، و70% من قيمته سيذهب للشركات الصينية العاملة في هذا المجال مقابل 30% للشركات الوطنية.

وفي نيجيريا، التي تعد أحد أكبر منتجي البترول في القارة، قامت شركة بترول الصين بتوقيع اتفاق بقيمة 800 مليون دولار مع شركة البترول النيجيرية الوطنية مقابل الحصول على 300 ألف برميل يومياً لمدة عام. وفي عام 2006، وعندما فشلت شركة الصين الوطنية للتنقيب عن البترول في المناطق البرية في الحصول على حصة شركة أمريكية، قامت بشراء حصة مقدارها 45% من شركة نيجيريا للاستثمارات البترولية البرية بمقدار 2.7 مليار دولار، كما وعدت بزيادة الاستثمارات الإضافية بمقدار 2.25 بليون دولار.

وبالنسبة للجابون، فإن تراجع صناعة النفط في البلاد قوبل باستثمارات ضخمة من قبل شركة البتروكيماويات الصينية التي تخطط لاستثمارات ضخمة برية وبحرية في البلاد.

2 ـ تنويع المشاريع الاقتصادية في كافة المجالات وعدم اقتصارها على النفط فقط، وخاصة تلك المجالات التي تعني المواطن الإفريقي بشكل مباشر مثل البنية التحتية، طرق وكباري وأنابيب مياه وجسور ومصانع، في حين أن الولايات المتحدة على سبيل المثال تحصر اهتمامها في المجال النفطي. ولذا فإن هناك بعض المحللين الذين يطالبون واشنطن بضرورة الاهتمام بمجال الزراعة جنبا إلى جنب مع المجال النفطي، لأن هذا المجال سيكون أكثر فائدة للأفارقة، فضلا عن الاستثمار طويل الأجل في مجال البنية التحتية.

3 ـ الجودة العالية والتكلفة الأقل بالنسبة للمشروعات التي تنفذها الشركات الصينية وخاصة الشركات العاملة في مجال البنية التحتية في إفريقيا حيث تقوم بتنفيذ المشروعات المنوطة بها بجودة عالية وبتكلفة تقل كثيرا عن مثيلتها الأوروبية، وهذا أمر يحظى بتأييد وترحيب القادة الأفارقة. وقد عبر عن ذلك على سبيل المثال الرئيس السنغالي عبد الله واد خلال زيارة رئيس الصين لبلاده في فبراير 2009، حيث قال واد: "سأقول للرئيس الصيني إن جودة أعمال البناء التي تقوم بها الشركات الصينية ممتازة، وإنني راض تماما عن أدائها"، وذلك خلال تفقده لمشروعات التحديث والبناء التي تقوم بها مجموعة خنان الصينية للتعاون الدولي المحدودة في مدينة توبا، الواقعة على بعد حوالي 200 كم شرق العاصمة داكار. ويشمل المشروع، الذي من المتوقع أن يستغرق خمسة أعوام وتبلغ تكلفته 200 مليون دولار أمريكي، إعادة بناء الطرق وإمدادات المياه ونظم الصرف الصحي، بالإضافة إلى أعمال التشجير في الحضر.

4 ـ تقديم تسهيلات تجارية للدول الإفريقية في عملية التبادل التجاري، خاصة فيما يتعلق بصادرات هذه الدول إلى بكين، حيث رفعت عدد السلع المعفاة من الجمارك خلال الفترة من 2006-2009 من 190 سلعة إلى 440 سلعة دون شروط، في حين أن الولايات المتحدة تضع شروطا للتبادل التجاري مع إفريقيا غالبا ما ترتبط بالديمقراطية وحقوق الإنسان، وكذلك بعض الشروط الاقتصادية الأخرى مثل تنفيذ تعليمات صندوق النقد الدولي والقيام بعملية الخصخصة الاقتصادية.

ويكفي في هذا الصدد الإشارة إلى القانون الأمريكي الذي أصدرته إدارة كلينتون عام 2000، وعرف باسم (قانون النمو والفرص)، والذي يستهدف تخفيض الحواجز الجمركية أمام السلع المصدرة من البلدان الإفريقية إلى الأسواق الأمريكية بحلول عام 2015 شريطة أن يكون ذلك مرتبطا بإحراز تقدم نحو اقتصاد السوق وتعزيز سيادة القانون وتخفيض الحواجز أمام الاستثمارات الأمريكية وتحسين شروط حقوق الإنسان وغيرها.

5 ـ الاهتمام بالمشروعات ذات التأثير المباشر في الشعوب الإفريقية بحيث لا يكون التواصل على مستوى القيادات السياسية فحسب، وحتى لا ينظر إلى الصين أو الشركات الصينية في هذه الدول على أنها شركات استعمارية، ولذا لا غرابة في أن تقوم الصين ببناء بعض المستشفيات وتقديم الأمصال لبعض الأوبئة المنتشرة في القارة مثل الملاريا، وإرسال الأطباء الأكفاء إلى هذه الدول، وبناء بعض ملاعب كرة القدم بالمجان.

6 ـ إنشاء المنتدى الصيني ـ الإفريقي في عام 2000، والذي يعد منبراً للساسة ورجال الأعمال من الجانبين لبحث العديد من القضايا السياسية والاقتصادية محل الاهتمام المشترك، وتعقد اجتماعات المنتدى على المستوى الوزاري كل عامين، وعلى مستوى القمة كل ثلاث سنوات بالتناوب بين الصين وإحدى الدول الإفريقية. وقد استضافت بكين الاجتماع الأول عام 2000 والثالث عام 2006، في حين استضافت إثيوبيا الاجتماع الثاني، ويتوقع أن تستضيف مصر الاجتماع الرابع في نوفمبر 2009.

 

 


 

المنتصر

يقول احد القادة القدماء وهويخاطب جنوده . ( اذا لم تكونوا مستعدين للقتال من أجل ما تروه عزيزاً عليكم , فسوف يأخذه أحد ما عاجلا أو اَجلا , واذا كنتم تفضلوا السلام على الحرية فسوف تخسرونهما معاً , واذا كنتم تفضلوا الراحة والرخاء والسلام على العدل والحرية فسوف تخسروهما جميعا ) .

   

رد مع اقتباس