عرض مشاركة واحدة

قديم 28-03-09, 04:23 PM

  رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
البارزانى
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

أفغانستان من الداخل (الحلقة الخامسة عشرة) ـ أطفال الشوارع الأفغان قنبلة موقوتة تبحث عن حل
يبيعون العلكة ويعملون بتلميع الأحذية وتنظيف السيارات أو التسول
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةالطفل جواد ولي
كابل: محمد الشافعي
كما قال غاندي يوما: «إذا أردت أن تغير وجه العالم، فلتبدأ بالأطفال»، ولكن هذه القاعدة لاتنطبق على أفغانستان، فأمام فندق صافي لاند مارك بشارع شهرانو، ويعني «المدينة الجديدة» يقف مجموعة من الأطفال الأفغان بوسط العاصمة كابل منذ ساعات الصباح الباكر وحتى حلول الظلام في انتظار الصحافيين ورجال الاعلام وممثلي المنظمات غير الحكومية، الذين يقطنون الفندق، ويفرض الأطفال الصغار وجودهم بالحاح على مرتادي الشارع الذي يضم بنوكا حديثة ومراكز تجارية وبوتيكات، وهو متقاطع مع تشيكن ستريت قبلة السياح والأجانب. من بين هؤلاء الأطفال تحدثت «الشرق الأوسط» الى الطفل جواد ولي الدين، وهو بشتوني يبلغ من العمر 9 سنوات، يبيع العلكة، وليس معه سوى اقل من 6 قطع في صندوق صغير يجري بخفة بين العربات، ويقف بنظرات حزينة منكسرة طوال النهار، في انتظار ما تجود به أيدي الغرباء القادمين الى الفندق أو بوتيكات أو مطاعم شارع شهرانو.
قال جواد انه يكسب احيانا ما بين 50 الى 200 افغاني في اليوم، اذا كان سعيد الحظ جدا، أي يعني اقل من اربعة دولارات. ويعول جواد امه واشقاء ثلاثة يصغرونه في العمر، ويضيف ان هذا عمله اليومي في الوقت الذي تتعطل فيه المدارس، وبعد الدوام يخرج من المدرسة ايضا لالتقاط رزقه، ويشير الى ان معظم زبائنه الذين يجودون عليه بالحسنة، يرفضون اخذ العلكة منه ويتركونها له، رغم إلحاحه عليهم، ويشير الى أن كثيرا من زبائن الفندق تعودوا عليه، وبمجرد ان يروه ينادون عليه بالاسم ليسمح له شيرزاد حارس الفندق، وهو من وادي بانشير بالاقتراب لمنحه ما تجود به انفسهم. ويوضح أن واجهة الفندق الأمامية اصبحت ملاذه في ايام الشتاء الممطرة أو ايام الصيف، ولا يسمح لأحد من اقرانه من اطفال الشوارع بمشاركته اياها. وشعرت وأنا أتحدث الى الطفل الصغير مثل غيره، والذي يدرى ما مصيره، ولا يعرف معنى لكلمة المستقبل، وتدور أعينه يمينا ويسارا، وهو يرد على اسئلة المترجم، يحاول ان يتخلص من الاسئلة بعرض بيع قطع العلكة مرة اخرى، وبابتسامة واهنة، كنت احس أن الأرض ضاقت عليه بما رحبت، عندما سألته لماذا لا يذهب الى المدرسة او لتعلم حرفة، وهو يقول انه لا يعرف غير هذه المهنة، وهو افضل كثيرا من غيره من أطفال في عمره. وفي الوقت الذي تتركز فيه أنظار العالم على الصراع الدائر منذ سنوات، بين قوات التحالف وفلول طالبان، فإن أطفال هذا البلد الذي دمرته الحرب، يموتون بسبب الجوع والفقر والاحوال المعيشية البائسة والجفاف الذي ضرب مناطق واسعة، أو يلقون حتفهم في العمليات الانتحارية التي تضرب معظم المدن الافغانية، اثناء وجودهم بالصدفة على قارعة الطريق. وتقول وكالات الأمم المتحدة إن 1.9 مليون من شعب أفغانستان، مهددون بسبب الجفاف. وقال صاحب احد بوتيكات شارع شهرانو لـ«الشرق الأوسط» إنه يشعر بغضب عارم إزاء المساعدات التي تصل الحكومة وهي بالملايين، فيما هناك المئات من المتسولين الأطفال الذين لا يجدون ما يسد رمقهم. وأضاف «الكثير من الأموال تصل بلادنا، لكننا لا نرى منها أثرا». وفي تقاطع حي وزير اكبر خان مقر السفارات الغربية، والذي كان مقرا للافغان العرب عهد طالبان، شاهدت «الشرق الأوسط» الطفلة نور، وهي تتنقل بكل خفة بين سيارات الأجرة والملاكي تعرض بضاعتها من مناديل الورق، ووسط الزحام تلتقط ما يجود به المحسنون من صدقة.
ويوجد في كابل ما بين 60 الفا و70 الفا من أطفال الشوارع الذين يعيشون حياة بائسة للغاية بحسب تقديرات جمعيات حقوقية، وينافسون بعض كبار السن الذين سدت في وجوههم منافذ الرزق في التسول ومضايقة المارة بالحاح عن ظروفهم الصعبة. ويعيش أغلب الاطفال على التسول أو تلميع الأحذية وتنظيف السيارات وحراستها لانتشار ظاهرة سرقة مرايا السيارات الجانبية والاطارات. وعندما ذهبت مع الكولونيل سلام حياة وهو مستشار عسكري سابق في السفارة الافغانية بلندن ومن اقرب الشخصيات الى احمد شاه مسعود قائد قوات التحالف الشمالي الذي اغتالته القاعدة قبل يومين من هجمات سبتمبر الى مطعم هراة بوسط كابل لتناول العشاء، دفع لمجموعة من الصبية قليلا من المال لحراسة سيارته. وعندما عدنا كان خمسة من هؤلاء الصبية في حدود الـ12 من العمر يتحلقون حولها، ودفع لكل واحد منهم حوالي 20 افغانيا أي نصف دولار. وقال لي الكولونيل حياة «ان المشكلة مزمنة، واطفال الشوارع باتت ظاهرة عامة ليس في كابل وحدها، بل في كثير من المدن الافغانية، بسبب قصور الخدمات الاجتماعية». واضاف: «يعمل اطفال الشوارع الافغان كباعة جائلين أو يتسولون. وفقد كثيرون آباءهم أو أحد الأبوين في الحروب التي شهدتها أفغانستان على مدى ثلاثة عقود، وعانوا من أزمة نفسية حادة. وراح 50 الفا ضحية الحروب في كابل وحدها». وأوضح: «اعتقد أن التعليم يمكن أن يصنع مناعة المجتمع ضد تشغيل الأطفال». لقد قمت من قبل بعدة زيارات لأفغانستان كانت اولها ايام الحركة الاصولية التي منعت التلفزيون وتعليم البنات، وسقطت نهاية عام 2001. ويتضح لي كلما ألقيت نظرة على التقارير الصحافية المرسلة من أفغانستان، ان اجهزة الاعلام الغربية اكثر اهتماما بالجانب العسكري والعمليات الانتحارية والإرهاب، مع سيل من الصور الفوتوغرافية تنشرها وسائل الإعلام تلك تهيمن عليها صورة البرقع والتسول وأصحاب اللحى والمسلحين في الشوارع اينما ذهبت. علماً أن ثمة حياة يومية طبيعية تسود في أفغانستان، بعد ست سنوات ونصف من سقوط نظام طالبان، ولكن للأسف لا نسمع عنها شيئاً.
ويشكل الأطفال الافغان جزءًا من الحياة اليومية هذه. ويعتبر الأطفال في بلد لا يتعدى فيها متوسط حياة الفرد خمسين عاماً، مستقبل البلاد وأملها. وصادفني خلال وجودي في افغانستان لمدة اسبوعين زرت فيها قاعدة باغرام العسكرية الاميركية وولاية كونار واسعد اباد ومحافظة باميان، جيل شاب مليء بالنشاط والحيوية تشع منه الطاقة، وترتسم على وجهه الضحكة. ما رأيته في هذا الجيل لا يتطابق مع الصورة النمطية المعروفة لدينا، وشاهدت في وسط كابل بنات في عمر الزهور محجبات وأطفالا يتامي يتسولون، وشحاذين بترت أيديهم أو أرجلهم بفعل سنوات الجهاد. وحاولت أيضاً من خلال ما شاهدته في الشارع الافغاني التركيز على عمالة الأطفال، التي تُعتبر في معظم الأحيان ضرورة اجتماعية لن تزول في المدى القريب، حيث ان الفتيات والفتيان يساعدون عائلاتهم على تحسين مدخولهم المادي.
وتكمن المشكلة في تصوير عمالة الأطفال في كيفية إظهار الطفل في الصورة. ومن خلال مشاهداتي تعرفت على أولئك الأطفال على أنهم أشخاص يقومون بعمل ما، ولم أصورهم كمجرد موضوع أمام عدسة الكاميرا، أي أني اتبعت مراقبة ما يقومون به فعلاً، بدلاً من أن أطلب منهم القيام بعمل ما من أجل الكاميرا فقط.
وأطفال الشوارع في كابل، يواجهون مشاكل وأخطارا كثيرة، من بينها العنف الذي يمثل الجانب الأكبر من حياتهم اليومية سواء العنف بين مجموعات الأطفال صغيري السن، أو العنف من المجتمع المحيط بهم، أو العنف أثناء العمل. وهناك اطفال يموتون يوميًا في أفغانستان، نتيجة أمراض الرئة، وسوء التغذية، وغيرهما من الأمراض التي يمكن تفاديها.
ويتعرض الاطفال ايضا لرفض المجتمع، لكونهم أطفالا غير مرغوب فيهم في مناطق مجتمعات معينة، بسبب ملابسهم ومظهرهم العام. بالإضافة إلى تعرضهم لمشاكل صحية مختلفة، تبدو واضحة في البثور والطفح الجلدي، مما يحيط بهم من ظروف معيشية، ومشاكل نفسية بسبب فشلهم في التكيف مع حياة الشارع. والأطفال هم ثروة الشعوب الرئيسية التي يجب أن تحيا في متن المجتمعات، لا أن تبقى على هامشها، لتلقى كل رعاية كي ينتج جيل صحيح غير مشوه. كما أن حالة الحرب التي تدور رحاها في افغانستان مثلاً أضرت بأعداد كبيرة من الأطفال الذين إما راحوا ضحية مباشرة للتفجيرات الانتحارية اليومية في جنوب البلاد، او حتى في العاصمة كابل، وإما طحنت رحى الحرب أقاربهم فلم يجدوا سبباً من أسباب الرعاية. وتأتي أفغانستان على رأس قائمة البلدان التي تضرر أطفالها جراء الحرب هناك، وليس ثمة خلاف على أن الأطفال الأفغان هم أكبر المتضررين من حالة الحرب المستمرة لعقود في البلاد، فقد حولت عدداً هائلاً منهم إلى يتامى وحرمتهم من كل أشكال الرعاية، إذ تحتل أفغانستان المرتبة الرابعة في ارتفاع عدد وفيات الأطفال في العالم، بعد أنغولا وسيراليون والنيجر. والخاسر في أي حرب هم الأطفال، وتتعاظم هذه الخسارة إذا كان البلد المستهدف مثل أفغانستان الفقيرة. فبعد مرور أكثر من سبع سنوات على سقوط طالبان، يوجد الآن ما يقارب 300 ألف طفل أفغاني لا يستطيعون الذهاب إلى المدرسة، بسبب القصف والقتل المستمرين. وقد ارتفعت نسبة هؤلاء الأطفال المحرومين من التعليم في أفغانستان المحتلة بواقع 50% منذ عام 2006؛ حيث كان 200 ألف طفل يجبَرون على لزوم بيوتهم، خوفًا من الحرب الدائرة بين قوات الناتو ومسلحي حركة طالبان. وتشير التقديرات الحكومية الى وجود 6 ملايين طالب اليوم في المدارس بصفة منتظمة، ولكن ما زالت حركة طالبان تفرض سطوتها ضد حركة التعليم في قندهار وارزوجان وهلمند ولشكر جاه في الجنوب الافغاني، وتقوم الحركة الاصولية من حين لآخر بحرق المدارس، وتقدر الدوائر الحكومية الافغانية عدد المدارس التي احرقتها طالبان باكثر من 200 مدرسة في الجنوب الافغاني. ويقول مسؤولو وزارة الداخلية الافغانية: «إن حكومة أفغانستان ستسعى بكل قوتها لمحاربة الإرهاب». ويقول الجنرال زاهر عظيمي المتحدث باسم الداخلية الافغانية لـ«الشرق الأوسط» في انتقاد لفترة طالبان: «يوجد الآن 6 ملايين طفل أفغاني، يرتادون المدارس في كل أنحاء البلاد، وهو الرقْم الذي تضاعف بشدة عما كان عليه أيام طالبان». وأضاف أن عناصر طالبان يريدون اعادة عقارب الساعة الى الوراء بحرق عشرات المدارس وحرمان الصغار من التعليم». وأضاف عظيمي انه من اجل حل بعيد المدى نحتاج إلى المساعدة لتعزيز القوات المسلحة الأفغانية نوعا وكما، بشكل تصبح قادرة على تحمل مسؤولياتها، على حدّ تعبيره. وتشير ارقام صندوق الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) الى أن ربع الأطفال الأفغان الذين تراوح أعمارهم بين سبع سنوات و14 عاما يعملون، مضيفة «أن عدد الأطفال الذين يعملون في الأرياف أكبر من المدن».

 

 


   

رد مع اقتباس