عرض مشاركة واحدة

قديم 24-09-09, 01:25 PM

  رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
جمال عبدالناصر
مشرف قسم الإتفاقيات العسكرية

الصورة الرمزية جمال عبدالناصر

إحصائية العضو





جمال عبدالناصر غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي



 

العربية الفصحى:

كانت العربية الفصحى، نقية من شوائب الألفاظ الدخيلة حتى اختلط العرب بالعجم في الفتح، فسكن قسم من العرب البلاد المفتوحة، وسكن قسم من غير العرب البلاد العربية، فشحنت العربية الفصحى بالألفاظ الدخيلة وشاع اللحن بين العرب، ولم يكن قبل هذا الاختلاط شائعاً.

ولكن اللغة العربية الفصحى كانت سائدة على اللغات الأخرى لأسباب كثيرة، أهمها: أن الفصحى لغة القرآن الكريم ، فهي لغة الإسلام، إضافة إلى أنها لغة العرب، وكما أن القرآن الكريم هو كتاب الإسلام الأول، فهو أيضاً كتاب العربية الأول، كما أن العربية الفصحى لغة الفاتحين، والمغلوب يقلد الغالب في كل شيء حتى في لغته، لكسب عطفه والتقرب منه والتعاون معه، ثم إن العربية الفصحى لغة حية اشتقاقية غنية بالمفردات، تستعين بها اللغات الأخرى في تغطية حاجتها من مفردات العلوم والآداب والفنون.

وظلت سيادة العربية الفصحى في مدٍ عارم حتى سنة اثنتين وثلاثين ومائة الهجرية (749م )، حيث مضى عهد الدولة الأموية وبدأ عهد الدولة العباسية، فأخذت المفردات الدخيلة تتكاثر في العربية الفصحى، وتوالى العدّ التنازلي في المد العارم باتجاه الجَزْر، فانتهى المدّ سنة ست وخمسين وستمائة الهجرية (1258م ) بانهيار الدولة العباسية وسقوط بغداد في أيدي التتار، وبدأ الجزر بتغلب العنصر غير العربي على البلاد العربية، فطعموا اللغة العسكرية العربية باللغات الأجنبية: الفارسية والتركية وغيرهما من اللغات الأعجمية الأخرى.

وإذا كانت الفصحى ظلت سيدة في المجالات العلمية والأدبية والفنية، لأنها أصبحت لغة الحضارة ولغة الدين معاً، حتى بعد سقوط بغداد في أيدي التتار، لا تستطيع لغة من اللغات الأخرى منافستها في سيادتها المطلقة في تلك المجالات، إلا أن اللغة العسكرية العربية تأثرت كثيراً باللغات الأجنبية، فأصبحت المصطلحات العسكرية الأجنبية تتغلغل في المصطلحات العسكرية العربية بالتدريج، كما يتضح ذلك جلياً في المصادر العربية المعتمدة كـ ((النجوم الزاهرة، ونهاية الأرب، وصبح الأعشى )) حيث نقرأ كثيراً من المصطلحات العسكرية الأجنبية تغزو المصطلحات العسكرية العربية وتستولي على مكانها ومكانتها، لأنها لغة الحكام الجدد من غير العرب الذين كانوا من العسكريين غالباً، استولوا على الحكم بالقوة العسكرية لا بالفكر الحضاري، فكان لابد لهم أن يفرضوا لغتهم الأجنبية في مصطلحاتها على اللغة العربية الفصحى.

وفي القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي )، أصبحت الدولة العثمانية مسيطرة على البلاد العربية، وأصبحت البلاد العربية جزءاً من الدولة العثمانية.

وفي سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة الهجرية (1517م )، استولى العثمانيون على مصر، فرأى السلطان العثماني سليم الفاتح أن يستولي على الخلافة الإسلامية، فأصبح خليفة المسلمين بعد خلع محمد المتوكل على الله آخر الخلفاء العباسيين في مصر.

وكان من نتائج الحكم العثماني للبلاد العربية، أن اللغة التركية أصبحت لغة التعليم الرسمي، فسادت المصطلحات العسكرية التركية على المصطلحات العسكرية العربية، وأصبح العسكريون العرب يتلقون تدريبهم العسكري باللغة التركية، ويتعلمون في المدارس العسكرية التركية، ويعملون في الجيش التركي.

وحين تولى الخديوي محمد علي مصر سنة عشرين ومائتين وألف الهجرية (1805م )، بذل جهده ليبني الجيش المصري على أسس عصرية، فأسس مدرسة إعدادية عسكرية، وأنشأ مدرسة للطب تخرج الأطباء العسكريين إحدى وأربعين ومائتين وألف الهجرية (1825م )، وأوفد البعثات العسكرية إلى إيطاليا وفرنسا وبريطانيا، وبذلك استطاع تطوير الجيش المصري من الناحيتين التدريبية والتنظيمية، ولكنه لم يستطع تطويره من الناحية اللغوية، إذ كانت اللغة التركية هي لغة التدريب والتعليم في مدارس الجيش وقطاعاته العسكرية.

وفي سنة ست وأربعين ومائتين وألف الهجرية (1830م )، احتل الفرنسيون الجزائر، كما احتلوا تُونس سنة تسع وتسعين ومائتين وألف الهجرية (1881م )، والمغرب سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة وألف الهجرية (1912م )، واحتل الإنكليز مصر سنة ثلاثمائة وألف الهجرية (1882م )، واحتل الإيطاليون ليبيا سنة تسع وعشرين وثلاثمائة وألف الهجرية (1911م )، فاضمحلت الجيوش العربية المحلية، وبقي في مصر جيش صوري، وفي المغرب جيش رمزي، للمراسيم والاحتفالات وللحراسات الداخلية.

هذا الاستعمار الأجنبي، أشاع المصطلحات العسكرية الفرنسية في الجزائر وتونس والمغرب، وأشاع المصطلحات العسكرية الإيطالية في ليبيا، وأشاع المصطلحات العسكرية الإنكليزية في مصر.

ولكن عمق جذور المصطلحات العسكرية التركية في البلاد العربية كافة، جعلها تثبت أمام الغزو الفكري الجديد وتبقى سائدة على المصطلحات العسكرية العربية القديمة، والمصطلحات العسكرية الأجنبية الجديدة، لأن الدولة العثمانية كانت مسيطرة على تلك البلاد سيطرة زمنية وسيطرة دينية منذ أكثر من أربعة قرون خلت.

وبعد الحرب العالمية الأولى، أصبحت أكثر الدول العربية خاضعة للاستعمار الغربي، فبدأ مد المصطلحات العسكرية الغربية يطغى على العسكريين في هذه الأقطار، وأصبحت اللغة العسكرية العربية مطعمة بالمصطلحات العسكرية التركية وبالمصطلحات العسكرية الفرنسية في الجزائر وتونس والمغرب وسورية ولبنان، وبالمصطلحات العسكرية التركية وبالمصطلحات العسكرية البريطانية في مصر والعراق والسودان والأردن وفلسطين وإمارات الخليج العربي واليمن الجنوبي، وبالمصطلحات العسكرية التركية وبالمصطلحات العسكرية الإيطالية في ليبيا.

وهكذا تلوثت المصطلحات العربية بالمصطلحات العسكرية الأجنبية بتأثير الدول غير العربية التي غزت البلاد العربية في القرون القريبة والبعيدة، ولم تبق اللغة العسكرية العربية نقية لا يكدر صفوها ألفاظ دخيلة، بل اختلطت الألفاظ العسكرية العربية الأصيلة بالألفاظ الأجنبية الدخيلة، فوجب التخلص من الدخيل والاحتفاظ بالأصيل.

تناقض المصطلحات العسكرية العربية:

أصبح للدول العربية كافة جيوش عربية وقوات مسلحة، بعد أن كان لمصر والمغرب وحدهما جيش خاص بكل دولة منهما دون سائر الدول العربية الأخرى.

وبدأ قسم من الدول العربية يترجم المصطلحات العسكرية الأجنبية إلى مصطلحات عسكرية عربية قبل أن يرحل الاستعمار عن بلادها وتنال استقلالها، وبقي قسم آخر من الدول العربية ينتظر رحيل الاستعمار ليضع مصطلحات العسكرية العربية، وبصورة عامة تصاعدت محاولات العودة إلى العربية الفصحى في القوات المسلحة العربية بعد رحيل الاستعمار عنها ـ عدا سورية والعراق ـ فقد كان نشاطهما قبل رحيل الاستعمار عنهما في تطهير المصطلحات العسكرية من الكلمات الأجنبية الدخيلة وإقرار المصطلحات العسكرية العربية، أما بقية الدول العربية الأخرى، فقد ظهر نشاطها اللغوي الخاص بالمصطلحات العسكرية بعد رحيل الاستعمار لا قبله.

إن بقاء طائفة من المصطلحات العسكرية التركية أو الإنكليزية أو الفرنسية أو الإيطالية أو الأمريكية، أثر من آثار الاستعمار الفكري البغيض، لأن القوات المسلحة التي لا تزال تستعمل تلك المصطلحات الأجنبية في قواتها المسلحة العربية، تتذكر دائماً استعمار تلك الدول لبلادها، ولا تنسى أنها كانت خاضعة للدول الأجنبية في يوم من الأيام، كما أنها باستعمالها تلك المصطلحات العسكرية الأجنبية تقر بتفوق جيوش الدول الأجنبية عليها حتى في لغاتها، وكل ذلك يؤثر أسوأ الأثر في معنويات الجيوش العربية، ولا نصر لجيش مزعزع المعنويات ولا يتحلى بالمعنويات العالية.

ولكن وضع المصطلحات العسكرية العربية بمحاولات كل جيش عربي أن يضع المصطلحات العسكرية العربية الخاصة به، دون أن ينسق مصطلحاته بمصطلحات الجيوش العربية الشقيقة، أدى إلى ظهور مشكلة لغوية حقيقية، هي أن اللغة العربية الفصحى الواحدة، أصبحت متناقضة بالنسبة للمصطلحات العسكرية العربية، وأصبح كل جيش عربي لدولة عربية لا يستطيع التفاهم مع جيش عربي شقيق لدولة عربية أخرى، أو يصعب عليها التفاهم على أقل تقدير، لأن لغته العسكرية تختلف اختلافاً كبيراً عن اللغات العسكرية للجيوش العربية الأخرى.

وأذكر أن وفداً عسكرياً من إحدى دول المشرق العربي قدم العراق سنة أربع وسبعين وثلاثمائة وألف الهجرية (1954م ) في زيارة رسمية لمقرات ومؤسسات وتشكيلات عسكرية للجيش العراقي، وكان في منهاج ذلك الوفد العسكري الشقيق زيارة وحدات عسكرية في مدينة (الموصل )، وكنت حينذاك آمراً لإحدى الوحدات العسكرية هناك، فلم أستطع ولم يستطع قادة الوحدات الأخرى التفاهم مع ذلك الوفد إلا بلغة أجنبية.

وقد زرت وحدات وتشكيلات ومقرات ومؤسسات عسكرية في قسم من الدول العربية الشقيقة، فلم أستطع فهم معاني كثير من مصطلحاتها العسكرية إلا بصعوبة.

ولكي ندرك مدى التناقض الكبير بين ألفاظ المصطلحات العسكرية في الجيوش العربية، أضرب مثلاً بالمصطلحات العسكرية لسلاح صغير من الأسلحة الخفيفة هو: (الغدارة )، كما نطلق عليه في العراق و (الرشاش الصغير )، كما يطلقون عليه في مصر، لكي نقارن بين قسم من أسماء أجزائها في الجيش العراقي بأسماء تلك الأجزاء بأعيانها في جيش مصر، وفي الستينات من القرن العشرين الميلادي، لتصوير فكرة واضحة عن البون الشاسع في المصطلحات العسكرية بين الجيشين العربيين الشقيقين، مع أن هذه المصطلحات في هذين الجيشين هي أقل اختلافاً عند مقارنتها بالمصطلحات العسكرية في الجيوش العربية الأخرى:

هذا التناقض في ألفاظ المصطلحات العسكرية، يشمل أنواع الأسلحة الخفيفة الأخرى، وأنواع المدافع، ويشمل مصطلحات الرمي الخاصة بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة وأنواع ذخيرتها، كما يشمل مصطلحات صنوف الجيش: كالمشاة والخيالة والدروع والمدفعية والهندسة والإشارة والقوة الجوية والقوية النهرية والقوة البحرية، ويشمل كذلك مصطلحات الخدمات الإدارية كالميرة والتموين والعينة والنقلية الآلية ونقلية الدواب، والهندسة الآلية الكهربائية، ويشمل أيضاً أجزاء السيارات والمدرعات والدبابات والطائرات والسفن والبواخر والبوارج وحاملات الطائرات وأدواتها الاحتياطية، كما يشمل أسماء الرتب والمناصب والوحدات والتشكيلات والمقرات العسكرية، ومصطلحات التدريب والتعبية (Tactlcs ، والسَّوْقStyategy )، وواجبات الأركان وصفحات القتال.

وكل هذه المصطلحات تتناقض أشد التناقض في الجيوش العربية الشقيقة .. (11)

محاولات توحيد المصطلحات العسكرية العربية:

(أ) قطعت الجيوش العربية شوطاً بعيداً نحو ترجمة المصطلحات العسكرية الأجنبية إلى اللغة العربية الفصحى أو اللغة غير الفصحى أحياناً، فبذل كل جيش عربي جهوداً مشكورة لترجمة مصطلحاته العسكرية داخل نطاق جيشه، معتمداً على مصطلحات قسم من الجيوش العربية وعلى معلومات رجاله اللغوية والعسكرية.

لقد كانت المصطلحات العسكرية مختلفة أشد الاختلاف في نطاق كل جيش عربي، وكان هذا الاختلاف أمراً طبيعياً، لأن الجيوش العربية الحديثة ولد أكثرها بعد نيل استقلالها، فكانت النواة الأولى لكل جيش عربي حديث عبارة عن ضباط ومراتب دُرِّبوا تدريباً أجنبياً بلغة أجنبية:

تركية، أو انكليزية، أو فرنسية، أو إسبانية، أو إيطالية، أو أمريكية أو روسية.

ولعل أهم ثمرة من ثمرات ترجمة المصطلحات العسكرية الأجنبية داخل جيش عربي في نطاق قطري، هو تأليف عدة معجمات عسكرية عربية، أهمها خمسة هي:

المعجم العسكري العراقي (إنكليزي ـ عربي ).

والمعجم العسكري السوري (فرنسي ـ عربي ) و (إنكليزي ـ عربي ).

والمعجم العسكري اللبناني (فرنسي ـ عربي ).

والقاموس العسكري المصري (إنكليزي ـ ألماني ـ فرنسي ـ عربي ).

والمعجم العسكري الفني المصري (إنكليزي ـ عربي ).

وهناك معجمات عسكرية عربية مخطوطة، لم تر النور حتى اليوم، فلا مجال لذكرها.

والمعجم العسكري العراقي (إنكليزي ـ عربي )، يؤخذ عليه أن مصطلحاته العسكرية قديمة قد تصلح لجيش في الأربعينيات من هذا القرن، ولكنه لا يصلح لجيش حديث متطور. لأن المصطلحات العسكرية الحديثة تنقصه، مثل مصطلحات: الذَّرة والأجهزة الألكترونية، ومصطلحات الحرب الكيماوية، ومصطلحات الحرب الجرثومية.

أما المعجم العسكري السوري، فهو لسورية ومصر في الأصل، وسنتكلم عنه بعد قليل في الحديث عن المعجمات الموحدة.

أما المعجم العسكري اللبناني (فرنسي ـ عربي )، فيؤخذ عليه اقتصاره على المصطلحات العسكرية البحتة، وعدم شموله مصطلحات العلوم التي لها علاقة بالمصطلحات العسكرية.

كما يؤخذ عليه، أن مصطلحاته قديمة لا تشمل المصطلحات الفنية العسكرية الحديثة كمصطلحات الأسلحة النووية والتعابير العسكرية العلمية الحديثة.

ثم يؤخذ عليه أيضاً، أن لغته مدنية عليها طابع اللغة الأدبية التي تهتم بالكلمات الغربية الحوشية، على حين أن اللغة العسكرية لغة علمية، تحرص على الوضوح والبساطة في التعبير.

وفي النهاية يؤخذ على هذا المعجم العسكري اللبناني، أنه يضم ألفاظاً عامية مثل: أنبار، وألفاظاً أخرى منحوتة مثل: المجوقل، للنقل جواً.

أما القاموس العسكري المصري، فمما يؤخذ عليه أنه مرتب حسب الحروف الأبجدية الإنكليزية، لذلك فمن الصعوبة أن يستفيد من المترجم الفرنسية إلى العربية أو من الألمانية إلى العربية.

ومما يؤخذ على هذا المعجم خلوه من المصطلحات العسكرية الحديثة، كما يؤخذ عليه وجود كثير من الكلمات التركية دون مسوِّغ.

ومما يؤخذ عليه لجوء واضعيه إلى التعريب لضرورة ولغير ضرورة، وكثرة الأخطاء الإملائية واللغوية فيه.

أما المعجم العسكري الفني المصري، فمما يؤخذ عليه إغارقه في الكلمات الغربية الصعبة التي لا يستسيغها العسكريون بسهولة ويسر، مما يدل على سيطرة المدنيين على العسكريين في إعداد المعجم.

كما يؤخذ عليه إغراقه في التعريب دون مسوغ.

(ب) ولْعل أهم محاولات توحيد المصطلحات العسكرية في نطاق جيشين عربيين فحسب، هما: محاولة توحيد المصطلحات العسكرية الجيشين السوري والمصري أولاً، ومحاولة توحيدها بين الجيشين المصري والعراقي ثانياً وقد ذكرت هاتين المحاولتين بموجب تسلسلهما الزمني، إذ جرت المحاولة الأولى قبل المحاولة الثانية.

فقد أعدت المعجم العسكري السوري (انكليزي ـ عربي ) و(فرنسي ـ عربي ) لجنة مختلطة من سورية ومصر لإعداد معجم عسكري لجيش الجمهورية العربية المتحدة، فبدأت عملها سنة تسع وسبعين وثلاثمائة وألف الهجرية(1959م )، وصدر المعجم بعد الحركة الانفصالية بين سورية ومصر، مما أدى إلى عدم التزام الجيش المصري بهذا المعجم، والتزم به الجيش السوري وحده، ولهذا أطلق عليه:

المعجم العسكري السوري:

ومما يؤخذ على هذا المعجم، أنه يضم طائفة من الكلمات العامية، مثل: كميون، وهي كلمة فرنسية أطلقت على سيارة الشحن.

كما أن من مصطلحاته ما لا يعبر عن المعنى المقصود في الأصل الأجنبي تعبيراً دقيقاً، فمثلاً مصطلحاً (Military Report ) ، ترجم في المعجم العسكري السوري بـ: (نشرة حربية )، في حين أن معناه: (تقرير عسكري )، والفرق كبير بين (النشرة )، وبين (التقرير ) من الناحية العسكرية.

كما يؤخذ عليه كثرة المترادفات للكلمة الواحدة التي يجب أن يكون لها معنى واحد، فكان الواجب يقضي بوضع مصطلح عسكري عربي واحد، للمصطلح الأجنبي العسكري الواحد، يفي بالمقصود تماماً، يحول دون الارتباك والالتباس.

ومما يؤخذ عليه كذلك، ميله إلى الكلمات الحوشية الجاسية في بعض المصطلحات العسكرية، وكان من الأفضل استعمال الكلمات البسيطة السهلة الخالية من التعقيد، لأن اللغة العسكرية لغة علمية.

أما المعجم العسكري العراقي الموحد، فقد أعدته لجنتان عسكريتان: لجنة عسكرية عراقية، ولجنة عسكرية مصرية، تنقلتا بين القاهرة وبغداد خلال سنة خمس وثمانين وثلاثمائة وألف الهجرية (1965م )، وصدر هذا المعجم بعد طبعه في مطابع الجيش العراقي في تلك السنة.

والذي يؤخذ على هذا المعجم، أن إعداده اقتصر على الضباط فقط، وكان من الضروري أن يشارك في إعداده أعضاء المجامع اللغوية والعلمية، لإمكان تفادي الأخطاء اللغوية أولاً، ولإعطاء المعجم قوة لغوية تجعل له قيمة لا غبار عليها في البلاد العربية كافة من الناحية اللغوية.

كما يؤخذ عليه أيضاً، أن القيادة العربية الموحدة لم تشارك في إعداده، وكانت يومئذ على قيد الحياة، فكان من الواجب أن يكون بين أعضاء لجنتي إعداده عضو من القيادة العربية الموحدة، حتى يأخذ هذا المعجم معنى الشمول، وتعترف به الدول العربية كافة، وتعمل على تطبيقه في جيوشها.

ويؤخذ على تنظيم المعجم العسكري العراقي الموحد كذلك، أنه كان يجب أن يبوَّب على حسب ترتيب حروف الهجاء الانكليزية أسوة بالمعجمات العسكرية الأخرى وغير العسكرية أيضاً، ثم تنظم مفردات المصطلحات العسكرية في نهاية المعجم على حسب أسلحة الجيش وأقسامه الإدارية. وهذا الأسلوب يجعل أمر استخراج المصطلح العسكري المطلوب سهلاً هيناً سريعاً ويحول دون تكرار المصطلحات العسكرية دون مسوِّغ لهذا التكرار.

على أنه يؤخذ عليه بالإضافة إلى ذلك، أن الذين نظموه كتبوا عناوين المصطلحات الإنكليزية باللغة الإنكليزية فوق عناوين المصطلحات العربية مباشرة، وليس من المناسب أن يعلو التعبير الأجنبي على التعبير العربي في معجم صدر في بلد عربي يرمي إلى توحيد المصطلحات العسكرية في البلاد العربية.

وأخيراً يؤخذ عليه خلوه من المصطلحات العسكرية الحديثة.

وقد كان بالإمكان تلافي هذه المآخذ كلها على المعجم العسكري الموحد، لتشمل فائدته المرجوة جيوش العرب كلها، فيكون بحق معجماً موحِّداً لا معجماً موحَّداً.

وللتاريخ نذكر أن مصر لم تلتزم بهذا المعجم على الرغم من مشاركتها في إعداده!

وعلى كل حال، فهذا المعجم خطوة موفقة إلى حدٍ ما على طريق توحيد المصطلحات العسكرية العربية.

ومن محاولات توحيد المصطلحات العسكرية في الجيوش العربية: نشرة المصطلحات العسكرية الموحدة التي أصدرتها القيادة العربية الموحدة سنة خمس وثمانين وثلاثمائة وألف الهجرية (1965م )، والتي تحتوي على (285 ) مصطلحاً عسكرياً في أربع وعشرين صفحة من القطع الكبير، مكتوبة بالآلة الناسخة، وقد وزعت على جيوش الدول العربية.

ولكن مصطلحات هذه النشرة، تختلف عن مصطلحات المعجم العسكري العراقي الموحد الذي أعدته لجنتان عسكريتان: لجنة من مصر، ولجنة من العراق، مما يدل على أن القيادة العربية الموحدة لم تكن على علمٍ بإعداد هذا المعجم.

وقد أعدت هذه النشرة لجنة من ضباط القيادة العربية الموحدة، وهي تشمل على المصطلحات العسكرية الرئيسة التي يكثر التخاطب بها في الجيوش العربية، خاصة في إصدار الأوامر العسكرية.

وقد كان من الممكن أن تصدر القيادة العربية الموحَّدة معجماً موحِّداً لا نشرة موحَّدة، ولكن ظروفها وقلة الضباط القادرين على إصدار هذا المعجم بين منتسبيها وضيق الوقت حال بينها وبين إصدارها المعجم العسكري الموحَّد.

ومما يؤخذ على هذه النشرة، اقتصارها على عدد محدود من المصطلحات العسكرية، لا تكاد تغني ولا تسمن من جوع.

كما يؤخذ عليها أن إعدادها اقتصر على عدد قليل من ضباط القيادة العربية الموحدة، وعدم الاستعانة بأعضاء مجمع اللغة العربية في إعدادها.

كذلك يؤخذ عليها، أن مصطلحاتها لا تتفق مع المصطلحات العسكرية الشائعة في أكثر الجيوش العربية، مما أدى إلى عدم استعمالها في تلك الجيوش.

إخفاق المحاولات والمعجمات:

(أ) بذلت جهود كثيرة لتوحيد المصطلحات العسكرية للجيوش العربية، ولكن تلك المحاولات باءت كلها بالإخفاق الذريع.

فقد عقدت اجتماعات عديدة بين لجان عسكرية من الجيشين الشقيقين المصري والعراقي في أكثر من محاولة لتوحيد المصطلحات العسكرية في الجيشين الشقيقين، وكان آخر اجتماع لممثلي هذين الجيشين سنة خمس وثمانين وثلاثمائة وألف الهجرية (1965م )، أثمر عن المعجم العسكري الموحد، ولكن جيوش الدول العربية وجيش مصر لم تلتزم به.

وعقدت اجتماعات بين لجان عسكرية في جيشي الإقليمين السوري والمصري من سنة تسع وسبعين وثلاثمائة وألف الهجرية (1959م ) إلى سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة وألف الهجرية (1961م ) إبان الوحدة بين مصر وسورية، فكان من ثمراتها صدور المعجم العسكري السوري، ولكن جيوش الدول العربية ومنه جيش مصر لم تلتزم بها أيضاً.

وحاولت اللجنة العسكرية الدائمة في جامعة الدول العربية سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة وألف الهجرية (1953م ) توحيدها، ولكنها عجزت عن ذلك.

وحاولت تلك اللجنة العسكرية الدائمة بطلب من أمين جامعة الدول العربية أكثر من مرة توحيد المصطلحات العسكرية للجيوش العربية وإصدار معجم عسكري موحد، ولكنها لم تنجح في محاولاتها.

وحاولت القيادة العربية الموحَّدة توحيد الحد الأدنى من المصطلحات العسكرية للجيوش العربية، فأصدر نشرتها سنة خمس وثمانين وثلاثمائة وألف الهجرية (1965م )، ولكن جيوش الدول العربية لم تلتزم حتى بهذه النشرة التي توحِّد الحد الأدنى من المصطلحات العسكرية لهذه الجيوش العربية!

وهكذا أخفقت كل تلك المحاولات التي بذلت لتوحيد المصطلحات العسكرية العربية، والتي بدأت من سنة ثمانٍ وستين وثلاثمائة وألف الهجرية (1948م ) في ظل جامعة الدول العربية، وانتهت في سنة خمس وثمانين وثلاثمائة وألف الهجرية (1965م ) في ظل القيادة العربية الموحدة.

(ب) كما أخفقت معظم المعجمات العسكرية العربية التي أصدرتها الجيوش العربية في أداء رسالتها بإقرار المصطلحات العسكرية العربية التي لا تشوبها شائبة العجمة داخل جيوشها وتوحيد المصطلحات العسكرية في جيوش الوطن العربي.

وان تعدد المعجمات العسكرية ومحاولة كل جيش عربي لا يملك معجماً عسكرياً أن يكون له معجم عسكري خاص به، عاملاً من عوامل تناقض المصطلحات في الجيوش العربية.

فقد كان المفروض أن يقتبس واضعو المعجمات العسكرية الجديدة المصطلحات العسكرية العربية القديمة التي أقرتها الجيوش العربية من قبلُ، ما كان عربية سليمة لا غبار عليها، ولكن هؤلاء في أغلب الأحيان وقفوا موقف الناقد لتلك المصطلحات العسكرية القديمة بالحق أو بالباطل، واجتهدوا أن يضعوا بأنفسهم مصطلحات عسكرية جديدة، حتى ولو كانت المصطلحات العسكرية القديمة باعتراف هؤلاء المجتهدين الجدد، متينة في بناها رصينة في معناها.

وأسباب إخفاق المعجمات العسكرية العربية في إداء رسالتها كثيرة.

من هذه الأسباب: اقتصار وضع المصطلحات العسكرية العربية على العسكريين من الضباط وحدهم في قسم من الجيوش العربية، مما أدى إلى أن تكون تلك المصطلحات العسكرية العربية ضعيفة من الناحية اللغوية.

ومنها: تأليف لجان في قسم من الجيوش العربية يغلب عليها طابع علماء اللغة، مما أدى إلى أن تكون المصطلحات ضعيفة من الناحية العسكرية، فيها كثير من المفردات الأدبية والألفاظ العربية الصعبة التي عفى عليها الدهر وأصبحت قليلة الاستعمال.

ثم أيضاً من هذه الأسباب: اقتصار اللجان على ممثلي جيشين عربيين، مما أدى إلى عدم التزام الدول العربية الأخرى التي لم تشارك في إعداد المعجم العسكري به.

ويضاف إليها: إغفال تمثيل القيادة العربية الموحدة في لجان توحيد المصطلحات العسكرية بين جيشين عربيين، مما أدى إلى إعطاء تلك المصطلحات العسكرية العربية صفة محلية ضيقة وحرمانها من الصفة العربية الشاملة.

ثم كذلك: إغفال إشراف جامعة الدول العربية على لجان توحيد المصطلحات العسكرية العربية، مما أدى إلى حرمانها من الصفة العربية الشاملة عليها أيضاً.

ومنها أيضاً: إغفال تمثيل المجامع اللغوية في لجان توحيد المصطلحات العسكرية العربية، مما حرمها من القوة اللغوية التي يمكن أن تضيفها المجامع اللغوية على المعجمات العسكرية العربية.

كما أن ترك وضع المصطلحات العربية لكل مَنْ هَبَّ وَدَبَّ، يزيد المصطلحات العربية تناقضاً واختلافاً.

لذلك كان لابد من اتخاذ تدابير جديدة أخرى، تضع الأمور في نصابها.

توحيد المصطلحات العسكرية العربية:

(أ) خلاصة الدروس:

كانت الدروس المكتسبة من أسباب إخفاق محاولات توحيد المصطلحات العسكرية العربية للجيوش العربية كافة، وإخفاق المعجمات العسكرية المطبوعة في تطهير المصطلحات العسكرية العربية من المصطلحات العسكرية الأجنبية الدخيلة، وفي أن تخرج من نطاقها القطري إلى نطاق الوطن العربي، تخالج كثيراً من عقول الضباط خاصة، وغير الضباط عامة من المعنيين بتطهير المصطلحات العسكرية العربية من المصطلحات العسكرية الدخيلة، وبتوحيد المصطلحات العسكرية للجيوش العربية، وبإصدار معجمات عسكرية موحِّدة تجمع مصطلحات الجيوش العربية كافة على كلمة سواء.

وفي مؤتمر مجمع اللغة العربية المصري والمجمع العلمي العراقي الذي عقد في بغداد سنة خمس وثمانين وثلاثمائة وألف الهجرية (من 20 تشرين الأول ((نوفمبر)) 1960م إلى 30 من الشهر المذكور )، أُلقي بحث عنوانه: (أهمية توحيد المصطلحات العسكرية العربية ) (12).

وكان من جملة مقررات هذا المؤتمر: ((تشكيل لجنة من المختصين تحت إشراف جامعة الدول العربية والقيادة العربية الموحَّدة، لتوحيد المصطلحات العسكرية، على أنه يعاونها بعض اللغويين )).

وبعد عودة أعضاء مجمع اللغة العربية الذين شهدوا مؤتمر بغداد إلى القاهرة، كتب الأمين العام لمجمع اللغة العربية رسالة إلى الأمين العام لجامعة الدول العربي، يبلِّغه فيها بقرار مؤتمر مجمع اللغة العربية المصري والمجمع العلمي العراقي الخاص بتوحيد المصطلحات العسكرية للجيوش العربية (برقم 60 والمؤرخ في 11/1/1966م ).

وبعد مخابرات واتصالات عديدة بين جامعة الدول العربية والدول العربية ووزارة الدفاع المصرية، انتهت سنة سبع وثمانين وثلاثمائة وألف الهجرية (24 كانون الثاني1967م )، باعتذار وزارة الدفاع المصرية عن الموافقة على توحيد المصطلحات العسكرية العربية للجيوش العربية في الوقت الراهن لعدم ملاءمة الظروف (كذا )، فتقرر إرجاء توحيد المصطلحات العسكرية إلى إشعار آخر!

وفي أوائل سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة الهجرية (بداية سنة 1968م )، زرت جامعة الدول العربية في القاهرة، واطلعت على سير معاملة توحيد المصطلحات العسكرية، فذُهلت لأنه المعاملة رُكنت على الرف إلى موعد غير معلوم.

وجرت محاولات جديدة لإخراج فكرة توحيد المصطلحات العسكرية إلى حيِّز التنفيذ، فنجحت تلك المحاولات، وتقرَّر أن تجتمع لجنة توحيد المصطلحات العسكرية للجيوش العربية في جامعة الدول العربية في آخر النصف الأول من سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة وألف الهجرية (30 آذار ((مايو)) 1968م ).

(ب) لجنة توحيد المصطلحات العسكرية للجيوش العربية:

وبالاستفادة من الدروس المكتسبة من إخفاق التوحيد والمعجمات العسكرية العربية، وبالمذاكرة مع السيد الأمين العام لجامعة الدول العربية، والأمين العام لمجمع اللغة العربية في القاهرة، والقائد للقيادة العربية الموحَّدة، ورئيس هيئة أركان حرب الجيش المصري، اقترحنا على الأمين العام للجامعة العربية تأليف لجنة توحيد المصطلحات العسكرية للجيوش العربية من ممثلين لكل من:

- عضو واحد من مجمع اللغة العربية في القاهرة.

- ضابط من كل جيش عربي من دول جامعة الدول العربية.

- ضابط من القيادة العربية الموحدة.

وقدم ممثل مجمع اللغة العربية المصري في اللجنة تقريراً إلى السيد الأمين العام لجامعة الدول العربية، شرح فيه الطريقة المثلى لتشكيل اللجنة وأسلوب عملها.

ووافق السيد الأمين العام لجامعة الدول العربية على ما جاء في تقرير ممثل مجمع اللغة العربية المصري، حول تشكيل لجنة توحيد المصطلحات العسكرية للجيوش العربية، وتحدد يوم اجتماع اللجنة في رحاب جامعة الدول العربية.

ودروس الماضي في إخفاق توحيد المصطلحات العسكرية العربية، هي التي أوحت بشكل لجنة توحيد المصطلحات العسكرية بهذا الأسلوب وهذه الطريقة.

واجب ممثل مجمع اللغة العربية المصري، وهو عضو من أعضاء المجمع، في هذه اللجنة: إقرار المصطلحات العسكرية العربية القديمة ما دامت ملتزمة بالعربية الفصحى، ونبذ المصطلحات العسكرية العربية القديمة ما دامت غير ملتزمة بالعربية الفصحى، ووضع المصطلحات العسكرية العربية الجديدة بلغة عربية سليمة، وحمل اللجنة على الإلتزام باللغة العربية الفصحى التزاما صارما.

وواجب ممثلي الجيوش العربية من الضباط في اللجنة: عرض المصطلحات العسكرية المستعملة في جيوشهم، لإقرار المصطلح العربي الفصيح ونبذ المصطلح الأجنبي الدخيل أو العربي غير الفصيح ، والمصادقة على قرار اللجنة في توحيد المصطلحات العسكرية العربية، وجعل هذا القرار نابعا من موافقة ممثلي الجيوش العربية كافة لا من موافقة ممثلي جيش عربي واحد أو جيشين عربيين شقيقين ، حتى تلتزم الجيوش العربية كلها بالمعجم العسكري الموحد الذي أقر مصطلحاته ممثلوها في اللجنة .

وواجب ممثل القيادة العربية الموحدة: إضفاء الصفة العسكرية العربية الشاملة على المعجم العسكري الموحد من الناحية العسكرية .

وعقدت اللجنة اجتماعاتها في كنف جامعة الدول العربية بالقاهرة وبرعايتها وإشرافها ، لكي يكون للمعجم العسكري الموحد صفة عربية شاملة من الناحة السياسية .

وهكذا حاولت هذه اللجنة في تشكيلها وفي عملها ، أن تخرج مهمة توحيد المصطلحات العسكرية العربية من النطاق القطري الضيق إلى النطاق العربي الشامل ، وأن تجعل لهذا التوحيد قوة لغوية وقوة عسكرية وقوة سياسية ، تحمل الجيوش العربية والدول العربية على الإلتزام به في مصطلحاتها العسكرية .

وقد شهد كل ممثلي الجيوش العربية اجتماعات اللجنة، عدا ممثل الجيش التونسي الشقيق.

(ج) المبادئ التي التزمت بها اللجنة في عملها:

التزمت لجنة توحيد المصطلحات العسكرية للجيوش العربية بمبادئ واضحة المعالم ، وضعتها نصب أعين أعضائها ، وحاولت جهد الإمكان ألا تحيد عنها قيد أنملة . وقد كان حرصها الشديد على الإلتزام بهذه المبادئ أن يعصف بها وهي في بداية الطريق بعد أيام معدودات من عقد اجتماعاتها.

من هذه المبادئ: الالتزام باللغة العربية الفصحى، ونبذ المصطلحات العسكرية الأجنبية الدخيلة، كالمصطلحات التركية والفرنسية والبريطانية، وكالمصطلحات الموضوعة باللغة العامية الدارجة.

ومنها: اختيار الألفاظ العربية السهلة البسيطة، لأن اللغة العسكرية لغة علمية، والتخلي عن الألفاظ الحوشية الجاسية التي قد تصلح للتعابير الأدبية، ولكنها لا تصلح للتعابير العسكرية.

ومنها أيضاً: الاقتصار على (الترجمة إلى العربية، والابتعاد عن (التعريب) إلا لضرورة قصوى ).

ثم منها كذلك: اقتباس الألفاظ الحضارية التي وضعتها المجامع العربية، والأخذ بها وإقرارها.

وأخيراً: تفضيل المصطلح العسكري الشائع في أكثر الجيوش العربية على المصطلح العسكري الشائع في عدد قليل من الجيوش العربية.

تلك هي مجمل المبادئ التي التزمت بها لجنة توحيد المصطلحات العسكرية للجيوش العربية، والتي كادت أن تعصف باللجنة في أيامها الأولى، لأن ممثل كل جيش عربي كان يحرص على إقرار المصطلحات العسكرية الشائعة في جيشه، دون الالتفات إلى قوتها اللغوية أو مطابقتها لمعنى ما يقابلها من مصطلحات عسكرية في الجيوش الأجنبية الحديثة.

ولكن صوت لغة القرآن الكريم أسكت كل صوت، وكلمة الحق أزهقت كلمة الباطل، وتغلب العلم على الجهل، وآثر أعضاء اللجنة المصلحة العربية على المصلحة القطرية.

وسار عمل اللجنة في بداية أمره بطيئاً مُتلكئاً، ثم انطلق لتحقيق أهدافه سريعاً واثقاً على هدى اللغة العربية الفصحى وبصيرة العلم العسكري الأصيل.

(د) أسـلوب عمل اللجنة:

وحين اجتمعت لجنة توحيد المصطلحات العسكرية العربية في رحاب جامعة الدول العربية، وضعت أمامها المعجمات العسكرية العربية المطبوعة والمخطوطة، فقد استصحب كل ضابط من أعضاء هذه اللجنة معه المصطلحات العسكرية العربية المعمول بها في جيشه.

وكان أمام اللجنة مسلكان:

الأول: توحيد المصطلحات العسكرية المتيسرة على حسب ترتيبها الأبجدي، وهذا المسلك يؤدي إلى اصطدام أعضاء اللجنة ببعضهم بين مدة وأخرى عند إقرار المصطلحات العسكرية العربية الحيوية الشائعة في جيوشها منذ القديم، إذ يصعب على تلك الجيوش التخلي عنها بسهولة حتى ولو كانت لا تمت إلى العربية الفصحى بصلة قريبة أو بعيدة!

والثاني: توحيد المصطلحات العسكرية العربية الحيوية الشائعة في الجيوش العربية أولاً، وهي التي يبرز فيها التناقض في المعنى والمبنى، ولكل جيش عربي مصطلحاته الخاصة به ليس من السهل عليه تبديلها.

وهذا المسلك يؤدي إلى اصطدام أعضاء اللجنة ببعضهم في الأيام الأولى من عملهم، وربما يؤدي هذا الاصطدام إلى إخفاق اللجنة في النهوض بمهمتها الصعبة الشاقة.

وقد آثر اللجنة أن تبدأ بتوحيد المصطلحات العسكرية الشائعة المتناقضة في الجيوش العربية، حتى إذا أخفقت في توحيدها، أعلنت إخفاقها دون أن تضيِّع الوقت سدى.

وفي خلال الشهرين الأولين من مدة عمل اللجنة، لم تستطع اللجنة أن توحِّد أكثر من خمسمائة مصطلح عسكري عربي، بعد جهد جهيد ومشقة بغير حدود.

وكمثال على ذلك، فإن كلمة (Tactics ) الإنكليزية، كان المصطلح المقابل لها في قسم من الجيوش العربية هو كلمة: (تكتيك )، وكان المصطلح العربي المقابل لها في القسم الآخر من الجيوش العربية هو كلمة: (تَعْبِئَة ).

وما يقال عن هذه الكلمة يقال عن كلمة: (strategy ) الإنكليزية، فقد كان قسم من الجيوش العربية يستعمل كلمة: (استراتيجية )، وكان قسم من الجيوش العربية يستعمل كلمة: (السَّوْق ).

وقد أمضت اللجنة أسبوعاً كاملاً في جدال عنيف حول هاتين الكلمتين الشائعتين، حتى استقر الرأي على استعمال المعنيين العربيين:

(تعبئة ) و (سَوْق ) لهاتين الكلمتين المعربتين.

وفي خلال الشهرين الأولين من مدة عمل اللجنة، أكملت اللجنة توحيد المصطلحات العربية المتناقضة من جهة والحيوية الشائعة من جهة أخرى، وهي مصطلحات: الإيعازات العسكرية، والتعبوية، والسّوْقية، والتدريب، وأسماء الأسلحة والذخيرة، والرتب والمناصب العسكرية، وأسماء الوحدات والتشكيلات والمؤسسات والمقرات والمدارس والمعاهد والكليات العسكرية.

ولما تم للجنة توحيد تلك المصطلحات المتناقضة الشائعة التي كان يصعب تبديلها ويصعب إقرارها أيضاً، أصبح نجاح اللجنة في عملها مضموناً، وأصبح إكمال واجبها في التوحيد قضية وقت ليس إلا، لأن المصطلحات المتبقية ليست حيوية ولا شائعة ولا متناقضة بالدرجة التي كانت عليها المصطلحات العسكرية التي جرى توحيدها.

ولكن برزت مشكلة جديدة لم تكن في حسبان اللجنة، هي أن المعجمات العسكرية العربية المطبوعة والمخطوطة تفتقر إلى المصطلحات العسكرية الحديثة، مثل مصطلحات الحرب النووية، ومصطلحات الحرب الكيماوية، ومصطلحات الحرب الجرثومية، ومصطلحات الأجهزة الألكترونية، ومصطلحات الأسلحة الحديثة المتطورة.

إن العلوم التي لها صلة مباشرة بالمصطلحات العسكرية كثيرة، وقد استوعب المعجم الفني المصري مصطلحات نحو ستين علماً، ومع ذلك قصر عن استيعاب المصطلحات العلمية الحديثة كلها.

وقررت اللجنة أن يكون عملها متكاملاً، وذلك بنقل المصطلحات الحديثة إلى العربية، لكي لا تبقى المصطلحات العسكرية التي تضمها المعجمات العسكرية العربية بدائية، قد تصلح لحرب مثل الحرب العالمية الأولى، ولكنها لا تصلح لحرب حديثة ضد العدو الصهيوني الذي بلغ في العلوم التطبيقية شأواً بعيداً.

واللجنة يوم بدأت في إعداد المعجم العسكري الموحِّد، ظنت أن المدى لإنجازه لن يطول، وأنه سيتم خلال شهر أو بعض شهر، ولكن قرارها الخاص بنقل المصطلحات العسكرية الحديثة، جعل مدة الإعداد تطول إلى خمس سنوات كاملة، كانت اللجنة خلالها تجتمع يومياً بدون راحة، حتى في أيام الأعياد الرسمية، حرصت أن تعمل فيها كسائر الأيام، وشعارها: الاحتفال بالأعياد بالعمل.

فإذا انقضى يوم من أيام العمل الذي يبدأ في الساعة التاسعة صباحاً وينتهي بانتهاء العمل المخصص في ذلك اليوم، في عمل دائب منظم، حمل كل عضو من أعضاء اللجنة معه إلى مستقره عملاً إضافياً يؤديه في أوقات راحته، ويُطالب به صباح اليوم التالي:

وأخيراً تكلل مجهود اللجنة بالنجاح والحمد لله، فأنجزت:

المعجم العسكري الموحِّـد (انكليزي - عربي ).

المعجم العسكري الموحِّـد (عربي - إنكليزي ).

المعجم العسكري الموحِّـد (فرنسي - عربي ).

المعجم العسكري الموحِّـد (عربي - فرنسي ).

يكفي أن أذكر أن المعجم العسكري الموحِّد (إنكليزي - عربي ) وحده، يضم بين دفتيه ثمانين ألف مصطلح عسكري.

(هـ) مراجعة المعجم العسكري الموحِّد وطبعه وتوزيعه:

آمنت لجنة إعداد المعجم العسكري الموحِّد، أن هذا المعجم لن يتكامل إلا بمراجعته في مجمع اللغة العربية بالقاهرة، لكي يتدارك المجمع ما فيه من هفوات لغوية، ولكي تكون له قيمة لغوية تحول دون تنصل أي جيش عربي من الالتزام به بعد صدوره بحجة هفواته اللغوية.

لذلك بادرت اللجنة بعرض المعجم العسكري الموحِّد على مجمع اللغة العربية لمراجعته وإقراره، فوافق المجمع مشكوراً على مراجعته، وأوكل أمر مراجعته إلى لجنة مجمعية مؤلفة من ثلاثة أعضاء من أعضائه.

وعكفت اللجنة المجمعية على مراجعته، فأكملت مهمتها على ما يرام.

إن المعجم العسكري الموحِّد يحوي عنصرين: العنصر العلمي العسكري الفني أولاً، والعنصر اللغوي ثانياً.

ومن الطبيعي أن تكون لجنة توحيد المصطلحات العسكرية للجيوش العربية مسؤولة مسؤولية كاملة عن هذين العنصرين، ولكن اللجنة المجمعية، تشاطر لجنة إعداد المعجم المسؤولية في العنصر اللغوي من المعجم إلى درجة محدودة.

وحملت اللجنة المعجم إلى المطبعة، فجرى بعد أجزائه بالتدريج، وصدر إلى الناس، وتولت جامعة الدول العربية توزيعه على الجيوش العربية والدول العربية، وعلى المكتبات العامة والخاصة بموجب طلبات الجيوش والدول والمكتبات.

وكان ثمن النسخة يُساوي ثمن تكليفه، فهو ليس مشروعاً تجارياً يقصد منه الربح، بل هو مشروع بعيد عن كل مادة وكل شيء مادي.

وربما يتبادر إلى الأذهان أن الهيئة الإدارية التي ساعدت لجنة إعداد المعجم في طبع المسوّدات وتصحيحها، وتنظيم المفردات تنظيماً معجمياً، وتصحيح ملازم الطبع مرات . . . لابد أن تكون هيئة كبيرة، تظم كتَّاب الآلة الطابعة، والمصححين، والمنظمين، والخبراء والواقع أن هذه الهيئة كانت تضم شخصين فقط، أحدهما يعمل على الآلة الطابعة، والثاني يعمل في تنظيم المفردات تنظيماً معجمياً! أما بقية أعمال إعداد المعجم، فقد نهض بها أعضاء لجنة توحيد المصطلحات العسكرية العربية الذين كانوا حتى ممثل مجمع اللغة العربية في القاهرة من الضباط، الذين يفتقرون التجربة الكافية للنهوض بمثل هذه الأعمال، ولكنهم تسلحوا بالعزم والإخلاص، فتغلبوا على الصعاب بسهولة ويسر وصبر وعناء.

أهمية المعجم العسكري الموحِّد والالتزام به:

(أ) قرأت ترجمة لمذكرات أحد قادة الحرب العالمية الثانية الأجانب، نقلها إلى العربية في الخمسينيات أستاذ جامعي: يتقن باللغة الأجنبية التي ترجم عنها، ويتقن اللغة العربية التي ترجم إليها، ولكنه لا يتقن المصطلحات العسكرية العربية، فجاءت ترجمته تافهة هزيلة متهافتة، قبلت معاني تلك المذكرات رأساً على عقب ومسخت المعلومات العسكرية الواردة فيها مسخاً.

مثلاً ترجمة كلمة: (Section ) الإنكليزية إلى كلمة: (فرقة ) العربية، وملاك الفرقة خمسة عشر ألف مقاتل بين ضابط وضابط صف وجندي.

والترجمة السليمة لهذه الكلمة الإنكليزية هي (حَضِيْرة )، وملاك الحضيرة بين ثمانية مقاتلين وعشرة مقاتلين من ضباط الصف والجنود فقط.

وشتان بين خمسة عشر ألف مقاتل فيهم عدد ضخم من الضباط، وبين ثمانية مقاتلين وعشرة مقاتلين ليس بينهم أي ضابط.

ولست بصدد نقد هذا الأستاذ الجامعي، ولكن بصدد تبرئة ساحته من التقصير، لأن هذا الأستاذ ترجم الأسلوب العسكري بمصطلحات مدنية من عنده، لأنه حُرم من معجم عسكري عربي يستعين به في ترجمته، بسبب ما تحاط به المعجمات العسكرية العربية من سرية لا أعرف لها سبباً ولا مسوِّغاً.

إن مفردات المصطلحات العسكرية العربية الواردة في هذه المعجمات، هي من صميم العربية، وهي موجودة في معجماتت اللغة، فلماذا تكون تلك المفردات في المعجمات العسكرية سراً ولا تكون سراً في معجمات اللغة؟؟

وكمثال على ذلك، فإن كلمة: (مِدْفع ) ليست سراً ولكن عدد (المدافع ) وأنواعها ومواضعها وأساليب استخدامها ومستودعاتها هي السر الذي ينبغي أن يبقى طي الكتمان الشديد.

وحين أرادت لجنة توحيد المصطلحات العسكرية للجيوش العربية الاستعانة بالمعجمات العسكرية الأجنبية: الإنكليزية والأمريكية والكندية والفرنسية والروسية والمعجم العسكري لحلف الأطلسي، استطاعت أن تشتري هذه المعجمات من المكتبات العامة، واستوردت المعجمات العسكرية غير المتيسرة في المكتبات العامة بالقاهرة من الخارج، وهذه المعجمات العسكرية الأجنبية بدون استثناء متيسرة في المكتبات العامة، ويستطيع اقتناءها العسكريون والمدنيون متى أرادوا من تلك المكتبات.

لقد كانت المعجمات العسكرية العربية سرية لا تباع في المكتبات، ويقتنيها العسكريون وحدهم، فلما صدر المعجم العسكري الموحِّد كسر هذه السرية التي لا معنى لها، وأصبح متيسراً في المكتبات العامة، مشاعاً للمدنيين وللعسكريين.

وقد كان المدنيون الذين يترجمون الكتب العسكرية التاريخية أو الجغرافية، أو الخاصة بعلم النفس العسكري، أو كتب الثقافة العسكرية العامة مثل مذكرات قادة الحرب، أو يترجمون المقالات العسكرية من الصحف والمجلات الأجنبية، أو الذين يترجمون التعليقات العسكرية التي تذاع من الإذاعات الخارجية، بأمسِّ الحاجة إلى المعجمات العسكرية، وقد تيسر لهم المعجم العسكري الموحِّد بعد صدوره، فلا عُذر لمن لا يقتنيه ولا يلتزم به في ترجمته.

وما يقال عن المترجمين المدنيين، يقال عن المذيعين في الإذاعة المسموعة والإذاعة المرئية، فإن التزامهم بالمعجم العسكري الموحِّد يطهِّر لغتهم من الألفاظ الأجنبية الدخيلة ويطوَّعها للألفاظ العربية الفصحى الأصلية، كما يعمل عملاً مؤثراً في إشاعة المصطلحات العسكرية الموحِّدة.

وكل مثقف عربي مدعوٌ للالتزام بالمعجم العسكري الموحِّد، ليتكلم العرب لغة عسكرية واحدة، لا لغات عسكرية متناقضة شتى.

(ب) وأهمية المعجم العسكري الموحِّد لا تقتصر على المثقفين العرب بل تتعداها إلى الكتب العسكرية العربية الفنية.

إن الكتاب العسكري العرب المطبوع في قطر عربي من الأقطار العربية، يستعمل في جيش ذلك القطر وحده، ولا يستعمل في الجيوش العربية الأخرى، لأن تلك الجيوش لا تستطيع فهمه نظراً لاختلاف المصطلحات العسكرية في الجيوش العربية.

والكليات والمعاهد والمدارس العسكرية في قطر عربي تخرِّج ضباطاً وضباط صفٍ، لذلك القطر العربي وحده، لأن سياق التدريب والمصطلحات العسكرية في الجيوش العربية المتناقضة، فالعسكري الذي يتخرج في كلية عسكرية في قطر عربي ما، ثم يعود إلى قطره عليه أن يعيد تدريبه مبنى ومعنى، كالذي يتخرج في كلية عسكرية أجنبية.

والقائد العسكري الذي يصدر أوامر عسكرية في الميدان، يصعب على العسكريين الذين ينتسبون إلى غير قطره فهم أوامره، ويصعب عليهم تنفيذها نتيجة لذلك.

إن توحيد المصطلحات العسكرية والالتزام بتطبيق المعجم العسكري الموحِّد، عاملان رئيسيان لوضع التعاون العسكري العربي في السلم والحرب موضع التنفيذ.

وإذا كان التعاون العسكري العربي ضروري قبل وجود كيان العدو الصهيوني، فإنه أصبح بعد وجوده قضية حياة أو موت بالنسبة للعرب.

ولن يتم التعاون العسكري العربي، إلا إذا توحَّدت المصطلحات العسكرية العربية بالالتزام المطلق بالمعجم العسكري الموحِّد.

وهذا الالتزام بالمعجم العسكري الموحد، يقضي قضاءً مبرماً على الكتب العسكرية القُطْرِيَّة ويجعلها كتباً عسكرية عربية، تشيع الانسجام الفكري بين العسكريين في القضايا العسكرية الفنية، وتشيع الانسجام الفكري بين الأمة العربية في قضايا الثقافة العسكرية العامة.

وهذا الالتزام، يجعل الكليات والمعاهد والمدارس العسكرية القطرية كليات ومعاهد ومدارس عسكرية عربية، يغترف منها العسكريون العرب التدريب العسكري الفني، وينهلون منها الثقافة العسكرية الموحِّدة.

وهذا الالتزام، يجعل الأوامر التي يصدرها قائد عسكري من قادة العرب العسكريين مفهومة من العسكريين العرب في كل مكان.

إن توحيد الجيوش العربية هو الحجر الأساس لبناء الوحدة العربية الشاملة، فلا وحدة للعرب بدون قوة ضاربة، ولا قوة ضاربة إذا بقيت الجيوش العربية متفرقة.

والأساس لتوحيد الجيوش العربية هو توحيد مصطلحاتها العسكرية لكي يشيع الانسجام بين منتسبيها أولاً، ولكي تستطيع التفاهم فيما بينها ثانياً، ولا يمكن توحيد المصطلحات العسكرية العربية، إذا لم نلتزم بالمعجم العسكري الموحِّد، وخلفناه وراءنا ظهرياً‍‍‍‍‍‍‍ ‍‍‍‍!!

لقد فعلت لجنة توحيد المصطلحات العسكرية للجيوش العربية كل ما بوسعها أن تفعل في إعداد المعجم العسكري الموحد وطبعه ونشره وإخراجه للناس.

وبقي على العرب أن يفعلوا كل ما بوسعهم أن يفعلوه في الالتزام بالمعجم العسكري الموحِّد، من أجل حاضرهم ومستقبلهم، ومن أجل الحفاظ على سلامة لغة القرآن الكريم.

فإن لم يفعلوا اليوم، فسيفعلون غداً، وكل آت قريب.

درجة التزام العرب بالمعجم العسكري الموحِّد:

(أ) إن العربي الأصيل والمسلم الحق، بعد أن تتبع ما بذلته لجنة توحيد المصطلحات العسكرية للجيوش العربية من جهود مكثفة مضنية طويلة مخلصة، في تحقيق الحلم البعيد الذي أصبح حقيقة بإخراج المعجم العسكري الموحِّد، الذي حقق أملين طالما راودوا المخلصين من العرب المسلمين: توحيد المصطلحات العسكرية في الجيوش العربية أولاً، وتطهيرها من المصطلحات الأجنبية والدخيلة ثانياً، فحقق هذا المعجم هذين الأملين للعرب المخلصين حقاً، وكان تحقيقها أقرب إلى الخيال منه إلى الواقع.

هذا العربي الأصيل وليس من قوارير، والمسلم الحق، وليس من الجغرافيين، وبعد أن تتبع فوائد الالتزام بهذا المعجم التزاماً صارماً لحاضر العرب ومستقبلهم من الناحيتين السياسية والعسكرية، ولتوحيد الجيوش العربية وإشاعة الانسجام الفكري في صفوفها بتوحيد تدريبها وتعليمها ومؤسساتها العسكرية العلمية وما تصدره من كتب ودراسات عسكرة تدريبية وتعليمية وفنية وتعبوية وسَوْقية وثقافية، لابد أن يتساءل:

ما درجة التزام العرب بالمعجم العسكري الموحِّد لخدمة مصالحهم المصيرية؟

وسأجيب على هذا التساؤل، بصفتي رئيس لجنة توحيد المصطلحات العسكرية للجيوش العربية، وممثل مجمع اللغة العربية المصري في اللجنة، وممثل عدة دول عربية اعتذرت عن إيفاد ممثليها في اللجنة، لأنها لا تملك من يقوم بهذه المهمة كما ينبغي في اللجنة من ضباطها، فجعلتني وكيلاً مفوضاً عنها في المرحلة الأولى من إعداد المعجم، وممثل جميع الدول العربية عدا مصر والعراق وسورية ولبنان في المرحلة الثانية من إعداد المعجم: إن الالتزام بالمعجم من الدول العربية كان متفاوتاً بين الإفراط والتفريط، كما هو شأن هذه الدول بكل أمورها.

فقد التزام به قسم من الدول العربية التزاماً كاملاً، فطبقته في جيوشها وطبقته في أجهزة إعلامها، وعممت على مؤسساتها التدريسية.

وقد أغفل قسم من الدول العربية الالتزام به، كأنه لم يصدر ولم تسمع بصدوره ولا وصلت نسخة منه إليها.

وللتاريخ أذكر، أن نسخاً من المعجم أُهديت إلى ملوك ورؤساء الدول العربية وإلى وزراء الدفاع ورؤساء أركان الجيوش ومؤسساتها العسكرية، وسُلِّمت بعض النسخ المهداة يداً بيد في أحد مؤتمرات القمة التي عقدت في جامعة الدول العربية، وسُلٍّم بعضها بيد سفراء الدول العربية المعتمدين في القاهرة، وتسلمت لجنة توحيد المصطلحات العسكرية للجيوش العربية رسائل من السادة المهداة إليهم المعجمات العسكرية الموحِّدة، فلا عذر لمن يدعي أنه لا علم له بصدور المعجم أو لم يتسلم نسخة أو أكثر منه.

وكنت أرصد الدول التي أخذت بالمعجم والدول التي أغفلته، فسافرت شرقاً وغرباً في زيارة الدول التي لم تأخذ به وأغفلته، وكلَّمت قمة المسؤولين فيها، فوعدوا خيراً، ثم لم يبروا بوعدهم!!

وكنت أسأل عن سبب إغفال المعجم من المسؤولين العسكريين في أعلى المستويات، فقيل لي: إن الجيش اعتاد المصطلحات العسكرية القديمة، وللمرء من دنياه ما قد تعوَّدا، ومن الصعب عليه أن يستبدل الذي هو خير بالذي هو أدنى!

وأنظر في مصطلحاتهم العسكرية التي يعتزون بها ولا يصبرون على فراقها، فلا أرى إلا مصطلحات أجنبية دخيلة لجيش استعماري كان يحتل بلادهم ويمتص دماءهم ويستهين أول ما يستهين بجيشهم!

وقد اتخذت لجنة توحيد المصطلحات العسكرية للجيوش العربية كل الاحتياطات الممكنة مما ذكرته سابقاً ومما لم أذكره، ومما يخطر على البال ومما لا يخطر، لكي تقطع الطريق على الدول العربية التي تضمر التنصل من الالتزام بالمعجم العسكري الموحِّد، فذهبت ما اتخذته من احتياطات أدراج الرياح.

ولا أقنط من رحمة الله، فالأمل أن تلتزم به سائر الدول العربية التي لم تلتزم به حتى اليوم.

وما دام المعجم العسكري قد أصبح واقعاً لا مراء فيه، فإن الالتزام به حتمي اليوم أو غداً، فلا أظن عربياً كائناً من كان نيةً واتجاهاً، يفضل لغة المستعمر على لغة القرآن الكريم.

(ب) ولعل ظروف جامعة الدول العربية الراهنة، ساعدت في تخلف قسم من الدول العربية عن الالتزام بالمعجم العسكري الموحِّد، فهذه الجامعة هي المسؤولة عن نشره وتوزيعه، وقد هاجرت من مقرها الدائم في القاهرة إلى مقرها المؤقت في تونس، فتركت نسخ المعجم في مستودعات كتبها بالقاهرة، كما بقيت رُقوق المعجم في مطبعة دار المعارف بالقاهرة، فلا تستطيع الجامعة في هذه الظروف توزيع المعجم ولا إعادة نشره إلا إذا تحركت وبذلت قليلاً من الجهد.

إن الجامعة تستطيع أن تعيد نشره بمطابع الاستنساخ، ثم تقوم بتوزيعه على الدول العربية، إلا أن هذه العملية تحتاج إلى من يُشرف على إخراجها إلى حيِّز التطبيق العملي، وبإمكانها الاستعانة باللجنة التي أعدت المعجم أو بقسم من أعضائها، ليؤدوا واجبهم في تنفيذ هذه العملية.

ولتذكر جامعة الدول العربية أن توحيد المصطلحات العسكرية العربية وإخراج المعجم العسكري الموحِّد، هو أول وأبرز عمل علمي أنجزته الجامعة في تاريخها، وهو إنجاز وحدوي لا غبار عليه تفخر به الجامعة وتعتد به، وهو يستحق منها بعض العناء.

وتوحيد المصطلحات العسكرية العربية، كان أول عمل وحدوي علمي نجحت الجامعة في إخراجه إلى حيز التنفيذ، ولم تنجح في مشروع وحدوي ولا علمي قبله، ولا أظنها تنجح بعده، فقد حاولت منذ أكثر من عشر سنوات توحيد المصطلحات الإدارية العربية، وهي أقل من ألف مصطلح عدّاً، فما نجحت في تحقيق هذا التوحيد حتى اليوم، ولو تولى أمره أحد أعضاء لجنة توحيد المصطلحات العسكرية لأنجزه من زمن بعيد.

فلا بد للجامعة من إعادة طبع المعجم ونشره، فهو إنجاز عظيم له ما بعده بإذن الله.

وبهذه المناسبة، فقد نشر المعجم قبل عشر سنوات تقريباً، فاستجدت كثير من المصطلحات العسكرية، لأن الأسلحة والمعدات والأجهزة في تطور سريع، فعلى الجامعة أن تعيد تشكيل لجنة توحيد المصطلحات العسكرية من جديد، لإصدار ملحق للمعجم يضم ما استجد من مصطلحات عسكرية حديثة.

وأخشى أن أكون قد أزعجت الجامعة وعكَّرت عليها صفو راحتها، وهي تغط في نوم عميق.

(ج) بقي علي أن أمر بسرعة بالمصطلحات العسكرية للدول الإسلامية الأخرى، فظروف مصطلحاتها العسكرية تشابه تماماً ظروف المصطلحات العسكرية العربية.

وقد زرت إحدى الدول الإسلامية زيارة رسمية سنة أربع وثمانين وثلاثمائة وألف الهجرية (1964م )، وشهدت تدريب جيشها، وسمعت محاضرة عسكرية فيها، فكانت جميع المصطلحات العسكرية السائدة في جيش تلك الدول الإسلامية مصطلحات أجنبية بلغة المستعمر الذي رحل سياسياً واستقر فكرياً.

ولذلك الجيش لغة إسلامية عريقة جداً، فما ينبغي أن تسود اللغة الأجنبية على اللغة الأصلية.

وكما أحرص على اللغة العربية الفصحى، أحرص على لغة الدول الإسلامية، وقد حدثت أحد كبار علمائها الذي صادفته في موسم من مواسم الحج، عن المصطلحات العسكرية السَّائدة في جيش بلاده، فوعد أن يثير هذه المشكلة ويعمل على وضع حدٍ لها.

ولا أزل أنتظر أن يبر بوعده، وقد طال الانتظار كثيراً.

والله أسأل أن يطهِّر اللغة العسكرية في البلاد العربية من المحيط إلى الخليج، واللغات العسكرية الإسلامية من المحيط إلى المحيط، من المصطلحات العسكرية الأجنبية والدخيلة، إنه سميع مجيب.

 

 


جمال عبدالناصر

ليس القوي من يكسب الحرب دائما
وإنما الضعيف من يخسر السلام دائما



   

رد مع اقتباس