عرض مشاركة واحدة

قديم 25-02-09, 03:07 PM

  رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
البارزانى
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

قراءة في وثائق 1971 البريطانية (6) ـ طائفتا الأنصار والختمية بلا تأثير سياسي والسبب ضعف القيادات أو غيابها
الميرغني في يد نميري، وأحمد المهدي بلا طموح، والصادق زاهد في القيادة الدينية * المجتمع السوداني تغير وقيم الطائفتين تعرت بفعل التعليم والراديو الترانزستور
لندن: حسن ساتي
تقرير مثير حمله الملف 904 ـ 39Fco، في تقرير رقم 51 بالملفات البريطانية لعام 1971 عن السودان. التقرير اعده السفير البريطاني بناء على طلب من ادارة شمال افريقيا بالخارجية البريطانية حول مستقبل طائفتي الانصار والختمية في السودان. واللافت للنظر هنا ان طلب التقرير من الخرطوم جاء في ديسمبر (كانون الأول) 1971 اي بعد نحو خمسة اشهر من اندحار الانقلاب الشيوعي، بما يوحي وبالتضمين ان للتقرير صلة ما بتقييم مستقبل السودان السياسي في ضوء الوجود الفاعل للحركتين في عملية النشاط الحزبي كونهما كانا في قلب المخاض السياسي الذي اوجد الاحزاب السياسية في السودان في حقبة الاربعينات.
التقرير حمل رؤية تشاؤمية حول مستقبل الطائفتين وأوشك على القطع بأن الزمن كفيل بأندثارهما. وهناك اشارة الى تأثير التعليم وراديو الترانزستور في وسط الاجيال الجديدة، مثلما هناك استبعاد لقدرة الانصار مثلاً على الزحف نحو الخرطوم سواء بالطريقة التي فعلوها مع محمد احمد المهدي لاسقاط الخرطوم في 1985، او تلك الصورة التي صاحبت احداث 1965. ويقدم التقرير مقارنات بين الماضي والحاضر.
الى ذلك لم ينكر التقرير وجود خميرة وقابلية في الطائفتين لتصبحا قوة سياسية ولكنه استبعد مرحليا هذا الخيار حين ربطه بعدم وجود قيادة سياسية فاعلة، ووصف التقرير زعيم الختمية الحالي محمد عثمان الميرغني بالضعف وانه في يد الرئيس آنذاك جعفر نميري، فيما وصف احمد المهدي بأنه بلا طموح، في مقابل زهد الصادق المهدي في قيادة على خلفيات دينية صرفة، واعتبر التقرير ان علاقات اسرة الميرغني الشخصية بالقيادة المصرية قد ضعفت مع مجيء جمال عبد الناصر في مقابل قوة العلائق مع مصر مقروءة بعلاقات التعاطف بين حزب الامة وبريطانيا. وفي ما يلي ترجمة للوثيقة.
وثيقة رقم 51 التاريخ 20 ديسمبر 1971 الى: إيه جي إم كريج ادارة شمال افريقيا.
1 ـ الختمية والأنصار:
في الفقرة 3 من خطابك 9 ـ 548 ـ 6NAS. بتاريخ الثاني من ديسمبر تساءلت عن الوضع الحالي لاثنتين من الطوائف الدينية الرئيسية ومستقبلهما كقوى سياسية. الشرح التالي يقدم الوضع كما أراه.
2 ـ الختمية:
أفراد الجماعة الدينية التي تحمل هذا الاسم هم في الاصل اتباع محمد عثمان الميرغني الذي كسب رفاقاً كثيرين في شمال السودان في منتصف القرن التاسع عشر. انتشرت الطائفة بعدها في شرق السودان وأسست مقرها الرئيسي في قرية الختمية بالقرب من كسلا. ونالوا اعتباراً متعاطفاً من الحكومة المصرية ـ التركية وكذلك في السنوات الاولى للادارة البريطانية رغم كسوف لازمهم بين 1881 ـ 1898 خلال علو شأن الانصار. الطريقة ما زالت تجتذب تأييدها من المناطق التقليدية في الشمال والشرق. قائدها الآن هو محمد عثمان الميرغني، شاب ضعيف وليس سوى ظل لوالده الشهير والمؤثر على الميرغني. تاريخ الطائفة ظل قريب الارتباط بالحظوظ المصرية في السودان.
3 ـ الانصار:
الانصار او المهديون هو الاسم الذي يطلق على اتباع محمد احمد، معلم ديني ادعى انه المهدي في 1881، والمهدي المنتظر يجيء لاستعادة طريق النبي محمد. اجتذاب الاتباع جاء بصورة كبيرة من القبائل الرعوية في غرب السودان والمجتمعات المتوطنة ومعظمها بأصول شمالية في منطقة الجزيرة جنوب الخرطوم. وكذلك كان نشاط الحركة المهدية الذي ادى بعد اربع سنوات الى سقوط الحكم المصري التركي مع سقوط الخرطوم في 1885. وبعد الفتح الانجليزي ـ المصري في 1898 فقدت الحركة نبضها الديني، وعلى كل، فقد بزغ نجم عبد الرحمن كقائد جديد للطريقة في منتصف العشرينات وسمح له بالسكن بالجزيرة ابا في احدى اراضي اسرته والجزيرة بمنطقة النيل الابيض. وقد قررت الطائفة التعاون مع الادارة البريطانية كأفضل طريق لتأكيد حدث الاستقلال والتحرر من السيطرة المصرية. وليس للأنصار قائد ديني الآن، لأن آخر الرؤوس (ويدعى الامام) قتل في 1970، ولكن الشخصية الرئيسية في الحركة هو الصادق المهدي، اعظم احفاد المهدي، ولا يزال في المنفى بمصر. (او هل لا يزال؟).
4 ـ الفترة السابقة لثورة مايو 1969:
شهدت حقبة الاربعينات بزوغ الاحزاب السياسية بالسودان. وقد تمركزت في مجموعة تفضل الاتحاد مع مصر (وحدة وادي النيل) واولئك الذين يفكرون في الاستقلال التام. الاولى (احزاب اليسار) تحالفوا طبيعيا مع الختمية التي يملك قادتها روابط لصيقة بمصر والاخيرة (حزب الأمة) مع الانصار. مثل هذا التأييد الذي قدمته مثل هذه الحركات الدينية قدم للأحزاب الجديدة ما اهلها للوصول لتأييد جماهيري من اعداد كبيرة من السودانيين حاملي التدين البسيط.
ومع ذلك، استمرت مسألة العلاقات مع مصر على اهميتها المتزايدة الى يومنا هذا برغم كون الاحزاب الموالية لمصر قد روت اراضي سياساتها في ذلك الزمان بشعار البحث عن وحدة كاملة. ورغم ذلك، فقد نتج عن ذلك انقسام وسط السياسيين السودانيين في كل الاحزاب التي تلجأ اساساً للطوائف الدينية التقليدية والروابط الأسرية بحثاً عن التأييد. وقد افسدت المنافسات الناتجة حركة الاستقلال وعرقلت تلقائياً الحكومة البرلمانية وبصورة كبيرة وصلت لحد وصول تحركين عسكريين للسلطة في 17 عاماً منذ الاستقلال.
5 ـ ثورة مايو:
يقول نميري دائماً ان الثورة تحتاج لجميع المستعدين للتعاون. وقد اشار في وقت سابق الى انه ينحدر من اسرة ذات روابط مع الانصار ووجه الدعوة لتأييد كل اتباع المهدي له. وكل الاحزاب السياسية تم حظرها منذ بداية الثورة. ولكنه لم يتخذ فعلاً مباشراً ضد الامام الهادي الذي اقام بالجزيرة أبا او ضد محمد عثمان الميرغني في الخرطوم. والاخير، وبعد ايام قليلة، وكما فعل والده لعبود، نشر تصريحاً بتأييد النظام الجديد فيما احتفظ الامام، وهو ليس بشخصية سياسية، بمواقفه في أبا، ربما متبعاً نموذج والده الذي تردد في التهنئة لتسلم عبود للسلطة.
6 ـ تعتبر الصداقات التي حدثت في مارس (اذار) 1970 بين الجيش والانصار حول ابا وفي أم درمان ناتجا لا مفر منه لسياسة النظام، مع وضع الاعتبار لغباء الامام في المطالبة بمقاومة نشطة لدى اتباعه المكرسين. وقد انفجر القتال حينما حاول نميري نفسه زيارة منطقة النيل الابيض ليجبر على ارسال الجيش ليجد هو الآخر نفسه امام هجوم من المتطرفين حاملي الحراب مثلهم مثل اسلافهم حين هاجموا بالرماح البريطانيين في 1898. وتركت صدمة هذين الحدثين اثراً عميقاً، واصدر نميري مرسومه بأن لا يكون هناك أئمة. وهناك قبول بأن الهادي قد استهان بنفسه وتمت مصادرة معظم ممتلكات اسرة المهدي فيما بذل النظام افضل جهده لاعادة تنظيم منطقة أبا وان يرمم حظائره بالانصار المهزومين، فاطلق سراح معظم الذين اعتقلوا عقب احداث مارس 1970، والمجموعة الاخيرة اطلق سراحها قبل ايام. ويبدو لهذه السياسة بعض نجاح في ضوء فقدان الانصار للاتجاه الديني، والذاكرة عموماً قصيرة. ونميري يسترجع كثيرا في احاديثه تراث السودان الديني. ويأمل نميري في قطع الطريق على المنافسات الطائفية القديمة من خلال الاشادة بالمهدي كأب لاستقلال السودانيين وبالزعم بأنه سيتبع الطريق الذي قاده، وهو كذلك يريد بمثل هذا الطرح اجتذاب السودانيين المتدينين من غير المثقفين، فيما ساعدت احداث يوليو في اعادة التأكيد لهم بأن نميري لم يقع في ايدي الشيوعيين المكروهين الملحدين.
7 ـ لا يبدو محتملاً ان الانصار كحركة دينية ستحيا مرة ثانية. فالجيش، سوى الضباط القدامى الذين رأوا كيف ان السياسيين قد اضاعوا فرصهم مرتين، او الشباب الذين نشأوا على مثل تقدمية، والذين في الغالب ما يقدمون جيل القادة القادم، كلاهما مسخر لاستئصال الطائفية. ولذلك تصبح عودة الانصار كقوة من جديد رهنا باستطاعة احد في اسرة المهدي ان يحيي القيم القديمة ويستقطب لها مؤيدين.
وقد انتهت تلك الايام التي يستطيع فيها بضعة آلاف من الانصار شل الخرطوم لمجرد وصولهم اليها بالأقدام او على ظهور الحمير كما فعلوا في 1965، وبوسع الجيش ان ينهي بمجهود ضئيل مثل هذه المحاولة. والعائشون من اسرة المهدي من الدعة والثقافة ليحاولوا توظيف قوتهم في هذا الاتجاه. احمد المهدي الذي يعمل بالامم المتحدة، لا يملك في الظاهر طموحات سياسية، اما الصادق المهدي رئيس الوزراء السابق، وبرغم كونه طموحا جداً، لم يظهر اي مؤشر تجاه ان يصبح قائداً دينياً للطائفة. وقد ترك حركة الانصار لعمه الامام. واذا ما سمح له بالعودة للخرطوم، فقد يكون نقطة اعتماد بالنسبة للحركة ولكنه لن يربط نفسه بالتطرف الديني.
8 ـ لا يعني هذا القول ان السياسيين المعتدلين في حزب الامة والذين يعتمدون على الانصار في التأييد قد انتهوا، فهم موجودون، مثلهم مثل الجناح اليساري من القوميين الذين لجأوا للختمية بحثاً عن المؤيدين. ويظهر طريق ثورة مايو كيف انه بوسع الضغوط السودانية التقليدية ان تعمل. فقد اجبر نميري على معارضة الشيوعية ومن ثم سحقها. كما جاء بالسياسيين السابقين من كل الاحزاب الى مجلس وزرائه، وهو يحاول الآن ان يذوب مخاوف القوميين الوسطيين المتحسسين من يسارية النظام ومجاهرته لنوايا الاتحاد مع مصر.
9 ـ اما بالنسبة للختمية، فقد ظلوا على وزن سياسي قليل لسنوات طويلة، واسرة الميرغني تتخذ تقليدياً مسافة من سياسات الحزب برغم وجود تماثل عريض بين توجههم تجاه مصر وذلك الذي تتخذه الاحزاب الاكثر يسارية والمؤيدة لمصر. وعلى كل حال، فروابط الميرغنية الشخصية مع القيادة المصرية منذ قبل مجيء جمال عبد الناصر. كما انه لا روابط بين الختمية واي انتفاضات متطرفة. ومحمد عثمان الميرغني ليس إلا في يد نميري، وحتى هذا لم يمنع مصادرة العديد من عقارات الميرغني مطلع هذا العام. 10 ـ لا تزال طائفتا الانصار والختمية مشروع قوة، ولكن كليهما يحتاج الى قيادة دينية لتنشيطهما، ولا يوجد في الأفق شخص بتلك المؤهلات. والجيش مصمم على انهاء سلطة طائفية متفاعلة. ويمكن اعتبار حادثة أبا او مثالها نوبة الموت لظاهرة تاريخية. المجتمع السوداني يتغير. الجيش الآن يستولي على مفاتيح السلطة والى المستقبل المرئي. قيم المحاربين الانصار القحة حدث لها التعري بفعل تأثير التعليم وراديو الترانزستور في اوساط الاجيال الشابة.

 

 


   

رد مع اقتباس