عرض مشاركة واحدة

قديم 21-08-09, 12:38 PM

  رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
المنتصر
مشرف عام

الصورة الرمزية المنتصر

إحصائية العضو





المنتصر غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي



 

المخدرات والتعذيب



ربما يجد القارئ تناقضا في هذا العنوان، إذْ إن المخابرات الأمريكية دورها يتمثل في محاربة المخدرات وليس في تجريبها وإشاعتها.
تَعَاقَب الكثيرون من المديرين على وكالة الاستخبارات الأمريكية، ولكن ريتشارد هيلمس يظل هو من تحمّل العبء الأكبر. تكاثرت الفضائح وتسربت في الصحافة، وعرف الناس الكثير من الجرائم التي ارتكبتها وكالة الاستخبارات الأمريكية، وتداخلت لكثرتها من فضيحة ووترغيت إلى تصفية رئيس تشيلي سلفادور أليندي.

هذا المدعو هيلمس تحمل كل تبعات وكالة الاستخبارات إلاّ ملفا واحدا. يتعلق الأمر ب MK Ultra وهو اسم كود لمجموعة من التجارب “العلمية” قامت بها الوكالة ما بين سنتي 1953 و1964 تحت إدارة ألان دالاس. يدخل بنا المؤلف في استعراض للبشاعات التي اقترفتها هذه الوكالة: “الدكتور سيدني غوتييب الذي أشرف على هذه التجارب كان رئيسا للقسم التقني في وكالة الاستخبارات الأمريكية، الذي كان يطلق عليه “حانوت الفظائع”. ثم يرسم الكاتب بورتريها في غاية الغرابة والطرافة لهذا المسؤول والباحث: “ولد في نيويورك سنة ،1919 تلقى تعليما في الكيمياء وأصبح رئيسا لعلماء الوكالة، ويسكن مزرعة خارج واشنطن.

كان يبدو أبا جيدا مع أبنائه الأربعة، ويقوم بتربية ماعز ويزرع صنوبر أعياد الميلاد. كل صباح، وبعد أن يغادر قطيع الماعز، يغادر منزله ويتوجه في سيارته إلى مقر عمله في لانغلي. كان عمله الأول هو تهيئة السّموم التي تطلبها إدارة العمليات، ولكنه كان مُكلّفا بمهمة خاصة جدا وهو أن الوكالة “تنتظر منه أن يكتشف مفتاح إعادة الإشراط الذهني. ما السبب في هذا البحث؟ يرى الكاتب أن” مسؤولي وكالة الاستخبارات الأمريكية اعتقدوا في بداية الحرب الباردة بأن الروس والصينيين عثروا على طريقة تمكنهم من تكسير إرادة السجناء وجنود النخبة الأمريكيين من أجل تحويلهم إلى شيوعيين طيعين، على استعداد لإدانة بلادهم على أمواج الإذاعة السوفييتية. يتوجب عليه، بأي حال من الأحوال، أن يكتشف علاجا لهذا الأمر. وهكذا تم اختبار طرق عديدة من بينها تقنيات الاستنطاق العنيفة والمخدرات والتنويم المغناطيسي والصدمات الكهربائية وغيرها... (وهي طرق تعذيب سبقت بكثير ما وقع في سجن أبو غريب) وقد تم تطبيقها على “فئران تجارب” غير طوعيين وعلى سجناء حرب وعلى جنود ومواطنين رافضين لأداء الخدمة العسكرية، ولكن أيضا على مرضى مستشفى الأمراض النفسانية. “صورة مرعبة لدور المخابرات الأمريكية في هذه التجارب.

يكتب المؤلف: “لقد موّلت وكالة الاستخبارات الأمريكية في الواقع “أبحاثا” للدكتور إيوين كامرون، نائب رئيس جمعية المحللين النفسانيين في أمريكا الشمالية، في عيادته في مونتريال: نساء قادمات من أجل أن يعالجن من انهياراتهن العصبية يتلقين علاجات مرتكزة على مخدرات وصدمات كهربائية أثناء سنوات عديدة”. ليس خافياً، كما يرى المؤلف، أن هذه التجارب لم تؤدّ أبدا إلى أيّ نتيجة ملموسة. ويعلق على الأمر بكثير من القوة حين يقول: “أن تكون هذه الأشياء حدثتْ بُعَيد ما جرى في معسكرات التعذيب النازية الفظيعة، لا يستطيع أن يفهمه اليوم أحدٌ”.

هذه التصرفات الأمريكية تشي في جزء منها بالهوس المُعادي للشيوعيين المسيطر آنذاك على المسؤولين الأمريكيين (إذْ إن كلّ إجراء يفترض أن العدوّ استخدمه يصبح سلاحا مباحا من أجل محاربته)، ولكنها تشي أيضا بالإيمان الأعمى في تقدم العلوم، التي تتَصَوَّر قدرتها على أخذ زمام الأمور للعقل البشري. ويتساءل الكاتب عن هذه الإجراءات: هل يتعلق الأمر ب “جنون عابر؟ ليس الأمر مؤكَّدا، لأننا سنعثر على طرق ومنهجيات وأوهام في مسألة السجون السرية”. ويستتبع الكاتب هذا الفصل بفقرات من كتاب أسلحة وكالة الاستخبارات الأمريكية السرية لغوردون توماس. فقرات لا يستطيع القارئ أن ينهيها وذلك لما تحتوي عليه من فظاعات وجرائم حقيقية. وقد قدمت عائلات الكثير من الضحايا شكاوى أدت إلى تحقيقات طويلة انطلاقا من سنوات السبعينات.

نقرأ في هذه الأرشيفات:

في أحد الملفات يتعلق الأمر بإحدى المريضات وتدعى مادلين لاركوا، توجد إشارة تتحدث عن حوار قصير بين المريضة وطبيبها: “سألتني لماذا تنظر إليّ الممرضات بهذه الطريقة، كما لو أنها كانت غريبة الأطوار. وبدوري، سألتها عن الشيء الذي يجعلها تعتقد أنها غريبة الأطوار. أجابتني بأنها لا تعرف. لاحقا صرّحت مادلين بأنها تحسّ نفسها: “تشبه..... zombie”. كما أشار الدكتور كامرون. يشير الملفّ إلى أن المريضة مادلين تناولت، ثلاث مرات كل يوم، “كوكتيلا من المهدئات” مُكوّنا من 100 ميليغرام من تورازين Thorazine و100 ميليغرام من نومبتال Nombutal و100 ميليغرام من سيكونال Seconal و150 ميليغراما من فيرونال Veronal. إن كل واحد من هذه المخدرات، كان قادرا، بمفرده، على التسبب في اضطرابات بسيكولوجية”. وفي حالة أخرى “إحدى المريضات التي كانت تعاني انهيار ما بعد وضع الحمل، وبعد أن وضعت توأمين، تم اختيارها لتناول خمسة أدوية مختلفة ثلاث مرات في اليوم. كما أن مريضة تم تشخيص مرضها على أنه متخلفة عقليا، وقد أصبح “من الصعب التحكم فيها”، تلقّت هي الأخرى علاجا طويلا من الصدمات الكهربائية.

التحقيق مع الوكالة.
لم يكن الرئيس ايزنهاور أقل من سابقيه في تقديم طلبات إلى وكالة الاستخبارات الأمريكية، إذ إنه هو الذي سمح شخصيا بعمليات قاتلة كما حدث في غواتيمالا والكونجو، إلا أنه في نهاية ولايته الرئاسية بدأت تساوره بعض الشكوك حول الفاعلية الحقيقية للوكالة، وحول الثقة في النفس التي يكشف عنها ألان دالاس، الذي لم يُؤْخذ أبدا على حين غرة عند أسئلة الرئيس، ولكن اكتشف الرئيس أنه يمارس أحيانا الكذب حول حضور وكالة الاستخبارات في هذه المنطقة أو تلك من الكرة الأرضية.
مهما يكن، يرى الكاتب أن ايزنهاور يريد أن يرى وكالة الاستخبارات الأمريكية خاضعة للمراقبة الكاملة وأنّ عليها أن تقدم حساباتها المحددة. لهذا السبب طلب تقريرا من السفير دافيد ك. إي. بروس David K. E. Bruce أحد أفضل أصدقاء فرانك ويسنير Franck Wisner، رئيس القسم السريّ.

محاولة اغتيال كاسترو.
لا أحد يعرف بالضبط عدد المرات التي حاولت فيها وكالة الاستخبارات الأمريكية اغتيال العدو اللدود لواشنطن ألا هو فيدل كاسترو. ومن هنا يكتب عنه الكاتب غوردون توماس بأنه: “يقدّم نقطة مشتركة مع كبار ابطال سينما الأكشن الأمريكية، وهي قدرته على تحدي الموت، واختراق مختلف أنواع الفخاخ سالما. جرب الأمريكيون السيجار المفخَّخ والهجوم من تحت البحر وأنواعاً من التسميم. تم استحضار كل الطرق من أجل تصفيته، ولكن لا شيء اشتغل من كل هذا. يعتبر كاسترو الزعيم الأجنبي الوحيد (رئيس الدولة) الذي تعرض لمثل هذا العداء من قبل وكالة الاستخبارات. القصة تدوم منذ ما يقرب من خمسين سنة. وهو ما يرى فيه الكاتب نوعا “من الهَوَس الكاستروي”. في أول يناير من سنة ،1959 طرد فيدل كاسترو الديكتاتور باتيستا من السلطة من جزيرة كوبا، التي كانت ملجأ تقليديا للألعاب والملذات بالنسبة للأثرياء الأمريكيين. وفي نظر الأمريكيين فليس من الوارد التساهل مع حكومة اشتراكية على حدود الولايات المتحدة، على الرغم من أن كاسترو في أول زيارة له إلى الولايات المتحدة الأمريكية لم يكن يمثّل العدوّ الذي سيصبحه بعد حين: “التقى بأحد عملاء وكالة الاستخبارات الأمريكية الذي يقدم عنه وصفا في تقريره:

إنه زعيم روحاني جديد بالنسبة لأمريكا اللاتينية الديمقراطية والمعادية للديكتاتورية”. ولكنّ الرئيس الأمريكي ايزنهاور لم يكن يُشاطر هذه الطراوة بلْ إنّ الحذر الذي كان يسود في واشنطن تجاه ثوريي الجنوب هو الذي كان يقوده. منح دالاس Dulles، الذي نجده في كل مكان، الضوء الأخضر لتصفية كاسترو. ومن شهر يناير 1960 تمّ إنشاء مجموعةٌ معادية لكاسترو على أتم الاستعداد من قبل مدير العمليات في الوكالة ريتشارد بيسيل Richard Bissell، وهي مكونة أساساً من ضباط العملية الغواتيمالية التي جرت قبل ست سنين.

هنا يرسم الكاتب مشاهد مثيرة للدهشة والفزع والذهول من “التاريخ الخلاّق لوكالة الاستخبارات الأمريكية”. السيناريوهات تتراكم حول الطريقة المثلى لتصفية هذا الجار العدو. في إشارة من سبع صفحات تم إرسالها إلى الرئيس الأمريكي نيكسون “يُقْترح أن يوضع في طعام كاسترو مُخدّر مٌثير للهلوسات وهو ما سيخلق لديه تصرفا غير عقلاني وسيجعله مثيرا للسخرية من قبل جمهوره”. في سنة 1960 اقترحت وكالة الاستخبارات الأمريكية على الرئيس ايزنهاور أن تخلق من العدم معارضة في المنفى تمتلك إذاعة سريّة وتتلقى تدريبا في دولة باناما لاجتياح كوبا وإطلاق عصيان فيها، تكون مدعومة من الأمريكان بإلقاء السلاح من الجوّ. والقارئ يمكنه أن يتذكر، هنا، نفس الطريقة التي التجأت إليها وكالة الاستخبارات الأمريكية، بنجاح في غواتيمالا ضد أربينز.

ويبدو أنّ الاستخفاف الأمريكي بلغ درجة كبيرة إلى حد برمجة “إسقاط كاسترو قبيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي سيتقابل فيها المرشحان نيكسون وكينيدي”. الضوء الأخضر لانطلاق العملية تم إطلاقه، ولكن المشروع لن يكون فعالا قبل الانتخابات. الأزمة مع الاتحاد السوفييتي (خروتشوف) في أوجها، وايزنهاور ضالعٌ حتى الأذنين في أزمة طائرة التجسس يوتو U-2 التي أسقطها السوفييت والتي اعترف طيارها، فرانسيس غاري بوويرس بانتمائه إلى وكالة الاستخبارات الأمريكية. خلال هذه الفترة نشرت الوكالة خليتها المعادية لكاسترو في ميامي وتم إرساء معسكر يتسع ل 500 متمرد، ليس في باناما وإنما في غواتيمالا.

انتصر جون كينيدي في الانتخابات بأغلبية بسيطة، فثبّت ألان دالاس في مكانه في الوكالة. فقام مع ريتشارد بيسيل بتقديم مشروع جديد لغزو الجزيرة، لم يوافق عليه ايزنهاور. لم يتردد الرئيس الجديد في الموافقة على الخطة. وذهب الأمر إلى حد أنّ عرّاب المافيا سام جيانكانا SamGiancana ، الذي ساعد على نطاق واسع المرشّح الرئاسي كينيدي، “وعد بقتل كاسترو في اليوم المبرمج للغزو. وفي يوم 17 من شهر ابريل/ نيسان من سنة 1961 وقع غزو خليج الخنازير في جنوب كوبا. والذي انتهى بكارثة حقيقية: تتجلى في مقتل 114 منفياً وأسر 1200. هنا يرى المؤلف أن “كاسترو سجّل هنا انتصاره من خلال خطاب تلفزيوني دام أربع ساعات، أهان حكومة الولايات المتحدة الأمريكية” أما من الجهة الأمريكية، فإنّ الرئيس كينيدي عبّر في 21 ابريل/ نيسان، في ندوة صحافية، عن تحمّله لكامل المسؤولية عن هذا الفشل اللاذع، وهو ما جلب له تعاطفا شاسعا من الرأي العام الأمريكي. ويرى الكاتب أن “كينيدي، كان (مثله مثل الرئيس رونالد ريغان، في ما بعد) يحظى بشعبية كبرى لا يسع الفضائح سوى أن تنزلق عليها من دون ترك بَصَمات عليها”.

لكن مع ذلك فإنه، أي كينيدي، لم يَسْلَم من بعض الانتقادات، فيما يخصّ عدم إعطاء القرارات الصائبة: ومن بينها إلغاء الضربة الجوية الثانية التي كانت مبرمجة في الهجوم، بعد فشل الضربة الأولى، وهو ما حكم على المهاجمين بالفشل. ومهما يكن فقد تأثر الرئيس كينيدي كثيرا من هذا الفشل، وهو ما خلق لديه هَوسا معاديا لكاسترو. ومن هنا كثرت المحاولات لتصفية هذا الجار. ولكن كينيدي هو من تعرّض للاغتيال، وليس كاسترو. وهنا يقول الكاتب: “ينطرح سؤال، أرّق بوب كينيدي، وهو ألا يمكن أن يكون اغتيال أخيه جون في دالاس، يوم 22 من نوفمبر 1963 جواباً من كاسترو على محاولات الاغتيال التي تعرَّض لها؟” وهنا يجيب: “لا يمكن الجزم بالأمر ما دام النظام الكوبي في مكانه، ولكن من المؤكَّد أنه من خلال الجَدّ في مطاردة الزعيم الكوبي فإن الرئيس كينيدي يكون قد منح المثال للذين ساهموا في تصفيته”.

 

 


المنتصر

يقول احد القادة القدماء وهويخاطب جنوده . ( اذا لم تكونوا مستعدين للقتال من أجل ما تروه عزيزاً عليكم , فسوف يأخذه أحد ما عاجلا أو اَجلا , واذا كنتم تفضلوا السلام على الحرية فسوف تخسرونهما معاً , واذا كنتم تفضلوا الراحة والرخاء والسلام على العدل والحرية فسوف تخسروهما جميعا ) .

   

رد مع اقتباس