الموضوع: جبل عامل
عرض مشاركة واحدة

قديم 14-04-09, 10:45 PM

  رقم المشاركة : 25
معلومات العضو
جيفارا
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

- أن البحث هنا لا يحيط بالظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لنشوء الكيان السياسي لجبل عامل، لأن البحث في هذه النقاط بتعمق سيوقع في تكرار لما سبق وتفضل به المحاضرون السابقون. فالتركيز في الحديث سيكون أساساً على كيفية انعكاس هذا الكيان في وعي وفكر الشيعة.

***

فخر الدين الثاني. التلميذ الأمين لمكيافيللي، حسب تعبير لوتسكي. هو "قابلة" التواريخ الخاصة "لبلاد" المنطقة. بطرحه مشروعاً استقلالياً هو الأول من نوعه في فترة كانت الامبراطورية العثمانية تدخل أزمتها التي استولت عليها وكانت نذيراً بالتدهور الذي أخذ من القرن الثامن عشر يظهر بشكل واضح جلي. وقبل الأمير المعني يصعب تلمس موقع واضح القسمات والملامح لجبل عامل في تاريخ المنطقة اجمالاً، على الرغم من جهد بعض المؤرخين الشيعة في رصد تاريخ خاص للجبل منذ تواجد قبيلة عاملة الأول مروراً بكل العهود التي عرفتها المنطقة حتى الآن، وهو تاريخ يبدو على يد أصحابه اسلامياً حيناً، عربياً حيناً آخر، مضطهراً في كل الأحيان.
في ميزان الأمير فخر الدين وحساباته كان لجبل عامل وزن خاص: اهراء حبوب في متناول يده لا يقاسمه اغترافه أمير محلي آخر (كابن سيفا وسهل عكا) ولا يرى فيه باشا دمشق مجالاً حيوياً لباشويته كما يرى في سهل البقاع. وقلاع جبل عامل الكثيرة (الشقيف. تبنين، دبين، شمع، دير كيفا، هونين) أحوج ما يكون لها الأمير على أبواب صيدا للحجاج الأوروبيين الذين تعهد الأمير لبعض ملوك الغرب بحمايتهم في طريقهم الى بيت المقدس. أضف الى ذلك أن الشيعة يمنيون، والأمير فخر الدين رأس القيسيه. وصراع القيسية واليمينة في مداه آنذاك. ويمنية شيعة جبل عامل تأخذ بعداً أكبر في سياسة الأمير. اذ أن علاقات متينة تربطهم مع شيعة بعلبك آل حرفوش. وهؤلاء على طيب علاقة مع باشوات دمشق الأتراك ووقوفهم الى جانب مصطفى باشا ضد الأمير فخر الدين في معركة عنجر بين واضح، كل هذه الحوافز، خاصة مع وجود مشروع استقلالي كبير كالذي عند الأمير، لم تكن لتسمح أبداً بتدوير زوايا الصراع وتجاوزه بين جبل لبنان وجبل عامل، فمنذ البدء كان خصماً عدائياً لا يحتمل المساومة. (2)
غياب الأمير فخر الدين لم يعن زوال مبررات الصدام بين الجبلين، فالأمير، وإن كان قد فشل في تحقيق مشروعه الاستقلالي. فانه قد نجح الى حد بعيد في جعل ميزان التفاوت الكائن في درجات التبعية للامبراطورية العثمانية يميل لصالح امارته جبل لبنان. فالبرغم من أن كل سوريا كانت ولاية عثمانية، فان سلطة الباب العالي كانت إسمية على جبل لبنان، مقارنة لها بغيرها مع باقي مناطق سوريا. وخاصة مقارنة لها مع منطقة مقطوعة الرأس كجبل عامل.
العلاقة مع الشهابيين خلفاء المعنيين، لم تجمد هذا الطابع الصدامي او تنحو به منحى آخر. فقد بدأت متفجرة مع السنة الأولى التي تولوا فيها الحكم (1698) مع الأمير بشير الراشاني (3) وتتابعت على نفس النسق مواكبة تغير الأمراء في الجبل. أو تغير الباشوات العثمانيين في دمشق أو صيدا، وقد دفع الشيعة فواتير تلك المعارك خسائر في الأرواح والأرزاق "بجدارة شيعية عالية". حتى كان عام ،1744 حيث تمكنوا من تسجيل انتصارهم الأول على أمراء جبل لبنان بشخص الأمير ملحم الشهابي (4) وأتبعوه بانتصار آخر عام 1749 في معركة جباع ومرجعيون (5)، ولا يخفف من نتوء هذه الظاهرة وأهميتها في مجرى العلاقة بين جبل لبنان وجبل عامل انتقام الأمير ملحم واحراقه بعض القرى ووصوله حتى بلاد بشارة (6).
لقد أحدث هذان الانتصاران تغييراً في "الوجه التاريخي" لمنطقة جبل عامل الذي كان نهر هزائم وآلام ينبع من كربلاء ويصب في موقعة أنصار الثانية عام 1743 وكانت اكتمالاً لنشوء كيانه السياسي تحت قيادة شيخ المشايخ ناصيف النصار الوائلي عام ،1749 وهي تجد مقوماتها في اهتزاز المنطقة السياسي آنذاك: فقد عرف النزاع اليزبكي ــ الجنبلاطي بداية اهتياجه في جبل لبنان مع قرب نهاية الأمير ملحم الشهابي بدون عقب، والأمير بدوره على خلاف مع باشا دمشق لتخلفه عن دفع ميري الجبل. ظاهر العمر الزيداني على حدود جبل عامل الجنوبية على خلاف مع ابنائه من جهة ومع باشا دمشق من جهة أخرى. رقعة التعامل السياسي تضيق وتصغر والتوازن فيها دقيق وغير محسوم، وهنا تبدو لجبل عامل أهمية خاصة ووزن أكبر، فهو أكثر المناطق استقراراً بعد توحده الآنف الذكر تحت قيادة ناصيف النصار وضمور الخطر الخارجي على حدوده.
ولكن العامل الحاسم في تغير الوجه التاريخي وولادة الكيان السياسي لجبل عامل، كان وجود ظاهر العمر على الطرف الجنوبي، فقد وجد فيه العامليون الحلقة المفقودة - على الأرض طبعاً - خلال كل تاريخهم الطويل في المنطقة، وهو بدوره رأى فيهم خط دفاع عن مقاطعته صفد التي كانت هدفاً لأغلب غزوات الأمراء الشهابيين ابتداء من ،1698 ولكن أثر هذه الحملات كان يصل بلاد صفد بارداً، بحيث لم تتأثر بها بنفس المقدار الذي كان يتأثر به جبل عامل. وهكذا كانت منطقة جبل عامل وبلاد بشارة على الأخص بوابة لمقاطعة صفد ولفلسطين بالتالي، بالنسبة للأمراء الشهابيين وولاة الدولة العثمانية، وبالمقابل فبالنسبة لظاهر العمر كانت إما سياجاً وإما على الأقل رمالاً متحركة تصونه أمام أخصامه. لا بد إذن من تحالف بين الطرفين، فالخصم مشترك، لذلك رأينا ظاهر العمر بعد أن استطاع الأمير ملحم الوصول الى بلاد بشارة للمرة الأخيرة سنة 1749 "خائفاً وأخذ يجدد أسوار عكا" (7). وفي ظروف الضعف التي كان يعاني منها الطرفان كان التحالف في بدايته ضمنياً خفراً. ومع الوقت أخذ التحالف يبدو للعلن بمساعدات عسكرية فعلية يقدمها ظاهر خاصة في المعركتين اللتين ربح فيهما الشيعة ضد الأمير ملحم. ثم تطور سنة 1767 م (1181 هـ) الى معاهدة قد تكون الأولى من نوعها بين حكام المنطقة، فقد كانت كما جددها ميخائيل نقولا الصباغ "محالفة دفاعية هجومية" (8).

 

 


   

رد مع اقتباس