عرض مشاركة واحدة

قديم 03-10-23, 08:25 AM

  رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
الباسل
المديــر العـــام

الصورة الرمزية الباسل

إحصائية العضو





الباسل غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي



 

ويورد سبط ابن الجوزي (ت 654هـ/1256م) ما يشير إلى علاقة محتملة للأمير العقيلي باغتيال زنكي، استباقا منه لسيطرته المنتظرة على جعبر؛ فيقول إن قتله تم على يد "أحد خدمه (= زنكي) ومن كان يهواه ويأنس به ويعرف بيرنقش الإفرنجي، ووافقه بعض الخدم.. فذبحوه على فراشه بعد ضربات تمكنت من مقاتله، وهرب الخادم [الإفرنجي] إلى القلعة وصاحبها عز الدين علي بن مالك بن سالم العقيلي، فبشره بهلاكه فأكرمه وسُرَّ" بفعلته!!


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


خطة شاملة
انقسمت مملكة عماد زنكي -بعد اغتياله- بين ولديْه: سيف الدين غازي (ت 544هـ/1149م) الذي انفرد -حتى وفاته- بحكم الموصل وشمال العراق والجزيرة الفراتية، ونور الدين محمود (ت 569هـ/1174م) الذي جعل من حلب قاعدته لحكم مناطق شمالي الشام.

سار نور الدين محمود على طريق والده ذي المسارين المتوازييْن: مواجهة الصليبيين طوال ثمانية وعشرين عامًا، والسعي للتوحيد المتدرج للمناطق الإسلامية التي لم تسقط في قبضتهم؛ ولذا فإنه بعد أن "استتبّ له الأمر ظهر منه بذل الاجتهاد في القيام بأمر الجهاد، والقمع لأهل الكفر والعناد، والقيام بمصالح العباد"؛ وفقا لابن عساكر في ‘تاريخ دمشق‘.
لم يرتح نور الدين محمود يوما من مقارعة الصليبيين وتوحيد الشام شماليه وجنوبيه؛ ففور تسلمه السلطة "خرج غازيا.. فافتتح حصونا كثيرة" وقلاعا للإفرنج؛ كما يروي معاصره المقرب منه الإمام المحدّث ابن عساكر في ‘تاريخ دمشق‘.
وقد بلغ من نكايته في الصليبيين أنه تكرر وقوع عدد من ملوكهم في أسره لأول مرة منذ بدأ الصراع؛ فقد حدث مرة أنه "غزا حصن إنِّب (قرب أعزاز السورية) فقصده الإبرنس (= الأمير ريموند) متملك أنطاكية وكان من أبطال العدو وشياطينهم، فرحل عنها [نور الدين] ولقيهم دونها، فكسرهم وقتله وثلاثة آلاف فرنجي كانوا معه، وبقي ابنه صغيرا مع أمه بأنطاكية وتزوجت بإبرنس آخر، فخرج نور الدين في بعض غزواته فأسر الإبرنس الثاني، وتملك أنطاكية ابن الإبرنس الأول وهو بيمنت (= بوهيمند الثاني ت 524هـ/1130م)، ووقع في أسره في نوبة (= معركة) حارم (تقع اليوم بإدلب السورية) وباعه نفسَه (= افتداها) بمال عظيم أنفقه [نور الدين] في الجهاد"؛ طبقا لابن عساكر.
وبحلول سنة 549هـ/1155م تمكن نور الدين محمود من توحيد جناحيْ الشام حلب ودمشق وما بينهما؛ فقد استطاع محاصرة دمشق مرتين وفتحها في الثالثة خلال هذه السنة، بعد أن "امتنع الأجنادُ والرعية [فيها] من الممانعة لما هم عليه من المحبة لنور الدين وعدله وحُسن ذكره، وبادر بعضُ قطّاعي الخشب بفأسه إلى الباب الشرقي [لدمشق] فكسر إغلاقه وفتحـ[ـه] فدخل منه العسكر على رَغَب [من أهلها]..؛ ثم دخل الملك نور الدين وخواصُّه، وسُرّ كافة الناس من الأجناد والعسكرية لما هم عليه من الجوع وغلاء الأسعار والخوف من منازلة الإفرنج الكفار"؛ حسب ابن القلانسي.
على أن نور الدين أضاف بُعدا جديدا حيويا إلى خطته الإستراتيجية التحريرية، وهو البعد الإصلاحي الشامل للنواحي الخدمية والعمرانية والمجتمعية والتربوية، وكذلك الإحياء الديني للمجتمع بعد قرنين من الفوضى الفكرية التي ضربت بأطنابها في بلاد الشام، وخاصة منذ سيطرة الفاطميين عليها في ستينيات القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي.


فقد كان نور الدين مدركا لحقيقة أن الصراع -في جوهره- صراع أفكار ومشاريع حضارية؛ ولكي ينتصر فيه المسلمون فإنهم يحتاجون إلى مشروع إصلاحي كبير وشامل وراسخ الإمداد والامتداد، مشروع يركز على الملامح الإصلاحية الكبرى للمجتمعات وليس على معارك الحرب بين المعسكرات، ويدار بدولة مركزية تنطلق قيادتها من الأرضية الصلبة لهذا المشروع إلى معارك التحرير للأوطان.
ويُجْمل لنا ابن عساكر جهود نور الدين في هذا الميدان بقوله إنه لما تولى السلطة "أظهر بحلب السُّنّة.. حتى أقام شعار الدين..، ونشر فيها مذاهب أهل السنة الأربعة.. وبنى بها المدارس، ووقف الأوقاف، وأظهر فيها العدل والإنصاف". وكذا فعل في دمشق حين ضمها "فضبط أمورها وحصّن سورها، وبنى بها المدارس والمساجد وأفاض على أهلها الفوائد، وأصلح طرقها ووسّع أسواقها..، ومنع ما كان يؤخذ منهم من المغارم.. وغير ذلك من المظالم" التي أحدثها نظام البوريين.
ويؤيد ذلك ابن الأثير -في ‘الكامل‘- بقوله: "وأما ما فعله من المصالح؛ فإنه بنى أسوار مدن الشام جميعها وقلاعها..، وبنى المدارس الكثيرة..، وبنى البيمارستانات (= المستشفيات) والخانات (= محطات الراحة) في الطرق، وبنى الخانكاهات للصوفية في جميع البلاد، ووقف على الجميع الوقوف الكثيرة، وكان يكرم العلماء وأهل الدين ويعظمهم".
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


مرحلة حاسمة
كانت الأسرة الأيوبية قد انخرطت في خدمة عماد الدين زنكي منذ عام 532هـ/1138م، بعد أن نشأت علاقة قوية بينه وبين حاكم قلعة تكريت نجم الدين أيوب (والد صلاح الدين ت 568هـ/1173م) لدور الأخير في إنقاذ عماد زنكي، وفتحه معابر دجلة أمامه ليصل إلى مقر حكمه بالموصل إثر هزيمته -مع السلطان السلجوقي محمود- ببغداد في إحدى جولات صراع السلاجقة الداخلي على السلطنة سنة 526هـ/1132م. فهذا الصنيع من نجم الدين أيوب "كان سببًا لاتصاله به (= عماد زنكي) والمصير في جُملته حتى آل بهم (= الأيوبيين) الأمرُ إلى مُلك مصر والشام وغيرهما"؛ حسب ابن الأثير في ‘الكامل‘.

وبمرور الزمن أصبح نجم الدين أيوب وأخوه أسد الدين شِيْركُوه (ت 564هـ/1169م) وابنه صلاح الدين (ت 589هـ/1193م) من المقربين إلى نور الدين محمود، حتى لاحت الفرصة لضم مصر نهائيا إلى المملكة الزنكية بالشام بالقضاء على حكم الفاطميين ووزيرهم شاور السعدي (ت 564هـ/1169م) المتحالف مع الصليبيين، والذي ينسق معهم لتسليمها إليهم.
لقد أدرك نور الدين أنه لا مفرّ من "دفع الفرنج عن الديار المصرية [لأن] في ملكهم لها بوار الإسلام بالكلية"؛ حسب ابن واصل الحموي (ت 697هـ/1201م) في ‘مفرج الكروب في أخبار بني أيوب‘. ولذلك أرسل صلاحَ الدين مع عمه قائد الجيوش أسد الدين في حملة ثالثة إلى مصر سنة 564هـ/1169م، وكان هدفها هذه المرة إخضاع البلاد لحكم الزنكيين المباشر وقطع الطريق نهائيا على الأطماع الصليبية.
ويبدو أن صلاح الدين كان مترددا بشأن الانخراط في تطبيق الخطة التي رسمها نور الدين لإنقاذ مصر، خاصة أنه جرّب هذا المسعى مرتين من قبلُ؛ ولذلك يروي لنا كاتبه ومؤلف سيرته القاضي ابن شداد الموصلي (ت 632هـ/1235م) -في ‘النوادر السلطانية‘- نقلا عن صلاح الدين شفاهةً: "قال [لي] نور الدين: لا بد من مسيرك مع عمك [أسد الدين]، فشكوتُ الضائقة (= نقص المال)، فأعطاني ما تجهزتُ به، فكأنما أساق إلى الموت"!!


يتبع





 

 


الباسل

يتولى القادة العسكريون مهمة الدفاع عن الوطن ، ففي أوقات الحرب تقع على عاتقهم مسؤولية إحراز النصر المؤزر أو التسبب في الهزيمة ، وفي أوقات السلم يتحمّلون عبء إنجاز المهام العسكرية المختلفة ، ولذا يتعيّن على هؤلاء القادة تطوير الجوانب القيادية لديهم من خلال الانضباط والدراسة والتزوّد بالمعارف المختلفة بشكل منتظم ، واستغلال كافة الفرص المتاحة ، ولاسيما أن الحياة العسكرية اليومية حبلى بالفرص أمام القادة الذين يسعون لتطوير أنفسهم وتنمية مهاراتهم القيادية والفكرية

   

رد مع اقتباس