وبقدر كبير من الأرجحية يشير التقدير إلى أن التغيير قادم في سوريا. ويرى أنه إذا أفلح الرئيس بشار الأسد في الخروج من سوريا، فإن السيناريو اليمني قد يكون الأرجح.
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك الذي يقرأ التقديرات الاستخباراتية قد تحدث منذ مطلع كانون أول عن احتمال سقوط النظام السوري خلال «أسابيع». وقبل ذلك كان يتحدث عن أشهر. ويقول باراك من دون أسف أن سلالة الأسد «أنهت دورها التاريخي».
وبحسب التقدير فإنه إذا كان في إسرائيل في البداية من قلق على مصير النظام السوري فإن الأمور تغيرت لاحقا. وكان منبع القلق الأولي هذا فكرة أن «الشيطان الذي تعرفه خير ممن لا تعرفه»، وارتكز أيضا إلى توصية الجيش شبه الثابتة للمؤسسة السياسية بفحص احتمالات إبرام تسوية مع الأسد تنطوي على إعادة هضبة الجولان بأسرها للسوريين. ولكن هذه الأيام انتهت، فبقدر ما تتواصل الأزمة بقدر ما يزداد شعور إسرائيل بأن إسقاط النظام يوجه ضربة للمحور الراديكالي الذي بنته إيران.
ومقارنة بباراك فإن رجال الاستخبارات يبدون حذرا في تحديد جدول زمني لسقوط الأسد، ويقول ضابط استخبارات بحسم أن «الأسد لن يبقى، فليست هناك آلية معروفة يمكنها أن تخلص الأسد من الشرك. والرئيس السوري يواصل التدهور».
ومع تزايد أعداد القتلى في صفوف المتظاهرين السوريين يبدو أن المتظاهرين اجتازوا حاجز الخوف وهم يواصلون الخروج رغم خطر تعرضهم للرصاص. كما أن أعداد الفارين من الجيش صارت بالآلاف، ومعظمهم في المنطقة الحدودية مع الأردن. والأسد يعاني من تدخل دولي متزايد، وخصوصا من الدول العربية، التي فرضت عقوبات عليه. والسيناريو المعقول حاليا هو ترك الأسد للدولة، وحينها قد ينهار النظام نتيجة التآكل المتواصل والنزف.
ويضيف التقرير أن كل ذلك يبشر بهزيمة قاسية لإيران التي تحقق إنجازات في الجبهات الأخرى (البحرين واليمن ومصر). ولكن إيران قلقة جدا مما يجري في دمشق وهي تساعد الأسد في مساعيه لقمع المعارضة. كما أن المخاطر على النظام في سوريا تقلق «حزب الله». ولا يزال يتعذر معرفة إن كانت الأنظمة الأخرى ستواجه ثورات إضافية. وبحسب الاستخبارات فإن الأردن يعيش «تحديا» لكنه لا يزال مستقرا نسبيا وقد أفلح الملك عبد الله في المبادرة وانتهاج انفتاح على معارضيه.
والظاهرة الأبرز في المنطقة هي صعود الإسلام السياسي بشتى ألوانه. والنموذج المصري يختلف عن النموذج السوري حيث أن الدولة لا تزال علمانية الطابع. وقد تعاملت كل دولة عربية بشكل مختلف مع أثر الياسمين التونسي. في تونس تقريبا الثورة اكتملت، بقليل من العنف وانتخابات فاز فيها حزب إسلامي معتدل نسبيا. وأفرزت الجولة الأولى من الانتخابات المصرية فوزا ساحقا للمعسكر الإسلامي. وتردت ليبيا إلى حرب قبلية تهدد وجود الدولة. والخطر يتهدد فكرة الدولة الوطنية ليس فقط في ليبيا.
وإضافة إلى صعود الإسلام تلحظ الاستخبارات الإسرائيلية فهما عربيا، ربما مبالغ فيه، بشأن ضعف النفوذ الأميركي في المنطقة. وفي الانتقال إلى عالم متعدد الأقطاب لم تدخل بعد إلى الفراغ قوة بديلة. ويدخل أصابعهم في المنطقة العربية اليوم الروس والصينيون والأوروبيون والأتراك والإيرانيون وكذلك الإسرائيليون. وكل ذلك ينبئ بتحول تاريخي يستدعي تغييرا في النظرة وتطوير أنماط متابعة الأحداث والاستعداد طويل الأجل من جانب الجيش لمواجهة احتمالات تنزلق فيها الأمور من نزاعات داخلية إلى صدامات على الحدود.
ويشير تقرير «هآرتس» إلى أن الاستخبارات الإسرائيلية تواجه مصاعب جديدة، فخبراء الاستخبارات كانوا يجيدون تحليل مواقف الزعماء العرب ودوائر القرار حولهم وطبيعة تزودهم بأسلحة حديثة، ولكن منذ عام دخلت الشعوب إلى المعادلة. وفكرة الجمهور ككتلة، كقوة تختلف عن الطابع الذي تدار به الأمور في الشرق الأوسط، وهذا يتطلب من إسرائيل تواضعا استخباريا. فالاستخبارات العسكرية وغيرها من الأجهزة لم تفلح في التكهن بالتوقيت الصائب للهزة الكبيرة.
ويوضح التقرير أن للهزة الإقليمية تأثيراتها على مساعي بناء القوة في الجيش الإسرائيلي، فالجيش مضطر لأن يغدو أكثر مرونة وأن يتكيف مع سيناريوهات مختلفة من الحرب التقليدية، إلى مواجهة الإرهاب وصولا إلى التصدي للتهديدات على الشرعية الإسرائيلية من التظاهرات على الحدود إلى الاستفزازات وصولا إلى احتمال تدفق لاجئين جراء حرب أهلية.
وهكذا إذا كان التغيير في مصر سلبيا من وجهة نظر إسرائيل فإن التغيير في سوريا قد يوفر، وفق أحد السيناريوهات، فرصة لتسوية مع النظام الذي سيأتي.