![]() |
البرنامج السري المرعب الذي قادته الاستخبارات الأميركية للتلاعب بالعقول
البرنامج السري المرعب الذي قادته الاستخبارات الأميركية للتلاعب بالعقول https://www.aljazeera.net/wp-content...513&quality=80 عُرف البرنامج الذي قادته الاستخبارات الأميركية باسم "إم كي ألترا" (MK Ultra)، وهو برنامج يعود إلى خمسينيات القرن الماضي ويهدف لإنتاج عقاقير يمكنها "غسل أدمغة" البشر والتحكم في عقولهم (بيكسلز) نهاد ذكي 17/8/2025
في عالم يبدو مستوحى من صفحات رواية الديستوبيا "1984" التي نشرها الكاتب البريطاني الشهير جورج أورويل لأول مرة عام 1949، أذاعت هيئة الإذاعة الكندية (سي بي سي) في عام 2020 سلسلة حلقات بودكاست بعنوان "غسيل الدماغ" (Brain Washed)، كشفت عن التفاصيل المروعة التي حكاها ضحايا التعذيب الذين كانوا جزءًا من برنامج سري مرعب قادته وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية"سي آي أي" (CIA) بالتعاون مع الحكومة الكندية. عُرف البرنامج باسمه الرمزي: المشروع "إم كي ألترا" (MK Ultra)، وهو برنامج ضخم يعود إلى خمسينيات القرن الماضي وهدف إلى إنتاج عقاقير يمكنها "غسل أدمغة" البشر والتحكم في عقولهم. وقد عكف علماء البرنامج وباحثوه على تطوير أساليب وتقنيات نفسية ادّعوا أنها تمكنهم من التحكم في العقول، مستخدمين في ذلك مزيجا من عقاقير الهلوسة والصدمات الكهربائية والتنويم المغناطيسي. كان التشابه بين أساليب التعذيب المبتكرة في المشروع وتفاصيل الواقع المتخيل الذي نسجه أورويل في روايته مرعبا حقا. ففي عالم أورويل، هناك دولة متخيلة نهجها العنف والقمع والتعذيب عملت على قلب الحقائق، فكانت الحرب بالنسبة إلى أيديولوجيتها هي السلام، والعبودية هي الحرية، والجهل هو القوة، ولم تكن تلك مجرد شعارات فارغة رددها أصحاب السلطة، بل جرى تحويلها إلى واقعٍ وفكر يعتنقه عامة الناس، الذين أدمنوا مشاهدة عروض "الشنق" العامة -لمن خرج عن هذه المنظومة- كنوعٍ من الترفيه. أما المفكرون فكان يجري ملاحقتهم تحت ما عرف باسم "جرائم التفكير الحر"، وفي غرفة مغلقة غامضة محاطة بالرعب، اسمها "الغرفة 101″، خضع سجناء "جرائم الفكر" إلى أشكال وألوان من التعذيب يشيب لها الوجدان، بمن فيهم بطل الرواية "ونستون"، الذي أصبح في الفصول الأخيرة أحد نزلاء هذه الغرفة. كان ونستون يرى أن الحرية ببساطة تشبه عملية حسابية صغيرة ومنطقية مثل "2+2″، فنحن نعرف يقينًا أن الإجابة تساوي "4"، إلا أنهم لم يريدوا منه القول فحسب -بما يخالف العقل والمنطق وقواعد الرياضيات- بأن النتيجة "5"، بل أرادوا له أن يصدق ذلك، أن يقولها عن اقتناع وتسليم وخضوع. وحتى تتحول تلك الكذبة إلى حقيقة، فقد شدوا أوصاله وقيدوه في سرير داخل غرفة الرعب، وأخضعوه لصدمات كهربائية جعلت جسده ينتفض بعنف في كل لحظة. وبعدما انهار الجسم الضئيل الجائع تحت وطأة التعذيب، حقنوه بالمواد المخدرة. لم يكن هذا التعذيب المميت في الرواية يهدف إلى معاقبة السجناء على جرائم التفكير الحر المزعومة، بل استخدموه كجزء أصيل من عملية "غسل الأدمغة"، فيقول أوبراين (الذي جسد شخصية الجلاد في الرواية) لونستون بعدما أذاقه مُر العذاب: أنت هنا "لمداواة علتك"، نحن لا نحطم أعداءنا فحسب، وإنما نغير ما بأنفسهم. هذا بالضبط ما أرادت وكالة الاستخبارات الأميركية فعله من خلال المشروع السري اللا أخلاقي "إم كي ألترا"، الذي أخضع مئات الضحايا -وربما الآلاف- لأساليب تعذيب شبيهة بغرفة الرعب في رواية أورويل، فقد أصبح هؤلاء -دون علمهم- مجرد فئران تجارب لباحثين حظوا بمكانة علمية مرموقة في تخصصاتهم التي شملت علم النفس والأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع والطب والكيمياء، إلا أنهم نسوا قسمهم الشهير بألا يؤذوا أحدًا، وتحولوا إلى أدوات للتعذيب بناءً على أساس علمي زائف. امتدت هذه التجارب المرعبة من الولايات المتحدة إلى كندا وبريطانيا، وخلف جدران معهد آلان التذكاري الباهتة في مونتريال بكندا، تقبع قبور مجهولة لهوية لأطفال صغار من السكان الأصليين، أخضِعوا رغمًا عنهم لتجارب وكالة الاستخبارات الأميركية، فلم تستطع هشاشة أجسامهم أن تحتمل التأثيرات طويلة المدى للصدمات الكهربائية وعقاقير الهلوسة والحرمان الحسي، فلقوا حتفهم ليخفي المعذبون جثثهم في قبورٍ لا شواهد لها. مع احتدام الحرب الباردة، أصبحت مسألة السيطرة على العقول هوسا للطرفين المتحاربين، وهو ما تجسد في فيلم الإثارة والغموض الأميركي "المرشح المنشوري" (The Manchurian Candidate)، الصادر عام 1962، والمقتبس عن رواية بنفس الاسم نشرت عام 1959 للكاتب الأميركي ريتشارد كوندون. يحكي الفيلم قصة جندي أميركي، أسرته القوات الكورية والصينية، وعبر التعذيب وإخضاعه لأساليب نفسية معقدة مثل التنويم المغناطيسي، تمكن الشيوعيون من إعادة برمجة دماغه، محولين إياه إلى آلة للقتل. لقد صنعوا منه ببساطة "عميلًا نائمًا مغسول الدماغ" ينتظر الأوامر لتنفيذ عملية اغتيال سياسي كجزءٍ من مؤامرة شيوعية بدعم من الاتحاد السوفياتي. كان الفيلم معبّرا حقيقيا عن مخاوف تلك الفترة، فمع اندلاع الحرب الكورية عام 1950، بين جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية (الشمالية) المدعومة من الاتحاد السوفياتي والصين، وبين كوريا الجنوبية المدعوم من الولايات المتحدة، عاش المجتمع الأميركي نوعا من القلق غير المعتاد بعدما سيطر هوس الخوف من انتشار الشيوعية على عقول صناع القرار الأميركيين. وكانت الولايات المتحدة تخشى أن تكون الحرب الكورية هي الخطوة الأولى لهيمنة الشيوعيين على العالم. ومما زاد من قلق المسؤولين الأميركيين تكرار وقائع تبدل ولاء الجنود الأميركيين (وبخاصة الأسرى) وميلهم نحو الشيوعية، خاصة في أعقاب انضمام الصين إلى الحرب بجانب كوريا الشمالية. الرجل الذي أدخل عقار "إل إس دي" إلى أميركاتَسبب ذلك في انتشار شائعات مرعبة ومبهمة حول طريقة غامضة استخدمها الصينيون من أجل تحويل ولاء الجنود الأميركيين إلى صالحهم، ودارت التكهنات حينها حول أن الصين الشيوعية وحلفاءها أصبحوا قادرين على فك شفرة الدماغ واختراق عقول الأسرى الأميركيين، فيما أُطلق عليه مصطلح "غسل الدماغ" لأول مرة في خمسينيات القرن الماضي. على الفور، بدأت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في تمويل أبحاث السيطرة على العقول، أملًا في العثور على هذا السلاح الفتاك الذي بإمكانه التحكم في أدمغة البشر، وكان المبرر لدى القائمين على المشروع جاهزًا: "إذا كانت الصين تمتلك سلاحًا كهذا، فعلى الولايات المتحدة الحصول عليه". كان الطبيب النفسي الأميركي والكيميائي الشهير سيدني غوتليب، هو الشخص الذي جندته "سي آي أي" وأوكلت إليه مهمة إيجاد التركيبة الكيميائية لهذا "العقار" المعجزة، القادر على غسل أدمغة البشر من أجل استخدامه كسلاح ضد الأعداء. https://www.aljazeera.net/wp-content...513&quality=80وقد وقع اختيار غوتليب على مادة "ثنائي إيثيلاميد حمض اللايسرغيك"، التي تعرف اختصارا باسمها الشائع "إل إس دي" (LSD)، معتقدًا أنه وجد أخيرًا إكسير التحكم في العقول. الطبيب النفسي الأميركي والكيميائي الشهير سيدني غوتليب (غيتي) اكتُشفت هذه المادة الغامضة لأول مرة على يد الكيميائي السويسري ألبرت هوفمان عام 1943، وفي مختبره البسيط جرّبها على نفسه أولًا، ليكتب عنها أولى ملاحظاته، قائلا إنها أخذته إلى عالم أقرب إلى الأحلام منه إلى الواقع، فكلما تخيل شيئًا، تجسد أمامه بصورته الكاملة، إذ كانت هذه المادة الكيميائية قادرة على إحداث تغييرات مريبة على الوعي البشري، خاصة على صعيد إدراكه للبيئة المحيطة به. وفي أوائل الخمسينيات، سيطالب غوتليب وكالة الاستخبارات الأميركية، بعقد صفقة للاستحواذ على المخزون العالمي الكامل من مادة "إل إس دي" مقابل مبلغ 240 ألف دولار. وقد كشفت مجموعة جديدة من الوثائق نشرها موقع "أرشيف الأمن القومي" الأميركي في 23 ديسمبر/كانون الأول 2024، أن شركة الأدوية الأميركية العملاقة "إيلي ليلي" عملت مع وكالة الاستخبارات الأميركية على هذا البرنامج، حيث كانت المورد الرئيسي لمادة "إل إس دي" المخدرة منذ أن عملت على تطوير العقار عام 1954. وبمجرد أن أصبح العقار بين يدي غوتليب بالكمية اللازمة، شرع في توزيعه على المستشفيات النفسية المرموقة في الولايات المتحدة وكندا، وعلى السجون الأميركية والمختبرات السرية الصغيرة، وأماكن الاحتجاز الواقعة تحت السيطرة الأميركية منذ الخمسينيات في اليابان والفلبين وألمانيا. وقد طلب غوتليب من الباحثين والعلماء دراسة خصائص هذا العقار وتأثيراته على الوعي البشري، أملا في التوصل إلى الطريقة المناسبة والجرعة المضبوطة التي تمكنهم من استخدامه وسيلة للتلاعب بالعقول. وفي وثيقة تعود إلى عام 1952، كُشف عن قيام بعض العملاء من وحدة مكافحة المخدرات في مكتب التحقيقات الفيدرالي؛ بتأمين مخابئ آمنة لتجري فيها وكالة الاستخبارات الأميركية تجاربها، أبرزهم كان العميل الفيدرالي جورج هانتر وايت الذي انتحل شخصية فنان "بوهيمي" بتوجيه من سيدني غوتليب، واستدرج الضحايا إلى منزله، حيث أقام الحفلات الخاصة التي عمل خلالها على اختبار مادة "إل إس دي" المهلوسة على مواطنين عاديين غير مدركين لما هم مقبلون عليه. وتحت راية برنامج "إم كي ألترا"، جرت تجربة تقنيات التعذيب النفسي للضحايا ودراسة أثر ذلك في دفعهم لإساءة التصرف بما يتناقض مع طبيعة شخصياتهم، كما تم تطوير تقنيات لاستخلاص المعلومات من الأشخاص الخاضعين للاستجواب. ومن أجل تحقيق هذه الأهداف كان القائمون على المشروع بحاجة إلى واجهة علمية تعمل كغطاء لتوفير التمويل المناسب للباحثين داخل الولايات المتحدة وخارجها. بحلول عام 1954، تأسست في نيويورك على يد طبيب الأعصاب الأميركي هارولد جي وولف، "جمعية بحوث البيئة البشرية" (SIHE)، التي عملت كواجهة تمويل سرية تابعة لوكالة الاستخبارات الأميركية، فكان الباحثون يتواصلون مع الجمعية من أجل الحصول على المنح المالية، التي تركز اهتمامها في أبحاث التحكم في السلوك البشري والاستجواب تحت الإكراه والتعذيب والمواد المخدرة، إلا أنها بين الحين والآخر كانت تعمل على تمويل برامج بحثية جادة بعيدًا عن مصالح وكالة الاستخبارات الأميركية، وذلك حفاظًا على صورتها العامة كمؤسسة علمية مرموقة. وعن طريق هذه الجمعية التي استمر عملها حتى عام 1965، امتدت أبحاث ودراسات "غسل الأدمغة" خارج الولايات المتحدة، وأحيط برنامج "إم كي ألترا" بسياج من السرية، إلى درجة جعلت من المستحيل معرفة أعداد ضحاياه، فكانت جميع الرسائل المتبادلة بين العلماء ووكالة "سي آي أي" مشفرة، وعادة ما كان يشار إلى الأشخاص بأسمائهم الأولى مع ذكر الحرف الأول من الاسم الأخير. وفي بعض الأحيان كان الباحثون يعدون نسخة عامة لأبحاثهم من أجل النشر الأكاديمي، في حين يعكفون على كتابة نسخ سرية من هذه الأبحاث، تذهب إلى أرشيف وكالة الاستخبارات الأميركية، وهي النسخ التي احتوت على المعلومات السرية التي لا تتناسب مع النشر العام. "فئران تجارب" بشرية خلّف البرنامج أعدادا يصعب حصرها من الضحايا، لكل منهم قصة مرعبة. إحدى هذه القصص وقعت في فبراير/شباط 1960، بطلتها امرأة تدعى إيستر شراير كانت تعاني من أعراض نفسية خلال حملها الثاني بسبب مخاوفها من تكرار تجربتها السابقة التي فقدت خلالها طفلتها الأولى عند عمر ثلاثة أسابيع. وعلى إثر ذلك، توجهت شراير إلى أحد مستشفيات الأمراض النفسية المرموقة في كندا، وهو "معهد آلان التذكاري" في مونتريال. كانت شراير تظن أنها ستعالج بالطريقة التقليدية، ربما يعطيها الطبيب أدوية بسيطة، لكن عوضًا عن ذلك جرى حقنها بكميات هائلة من العقاقير المخدرة، كان أحدها "الأمفيتامينات". وبدلًا من أن تخضع لجلسات علاجية تجلس فيها على أريكة أمام طبيب معالج لتحكي عما يؤرقها، خضعت لجلسات من نوع آخر، صدمات كهربائية على الدماغ. وضعت إيستر شراير تحت رعاية الطبيب الأسكتلندي الأميركي دونالد إيوين كاميرون، الذي عمل رئيسًا لجمعيتي الطب النفسي الأميركية والكندية، كما أصبح أول مدير لمعهد آلان التذكاري بمونتريال عند تأسيسه عام 1943. وقد اشتهر كاميرون بطرقه الثورية في العلاج النفسي، فكانت تُكتب عنه المقالات الصحفية التي تشيد بأعماله، الأمر الذي جعله محل ثقة لعائلات المرضى، ومنهم عائلة شراير التي ظنت أنها تمنح إيستر أفضل رعاية طبية ممكنة، إلا أن الطبيب الأميركي الشهير جعل من مرضاه فئران تجارب لأبحاثه العلمية المشبوهة. لفتت مكانة كاميرون العلمية المرموقة انتباه وكالة الاستخبارات الأميركية، الذين اهتموا بأبحاثه غير التقليدية التي اعتمدت على استخدام العقاقير المخدرة والصدمات الكهربائية والتنويم المغناطيسي في العلاج النفسي، وهي الأسباب التي دفعتهم للتواصل معه لينضم إلى عائلة مشروع "إم كي ألترا" السري. أما عن أساليب كاميرون العلاجية التي اتبعها مع مرضاه، فكان أشهرها يطلق عليه اسم "غرفة النوم"، حيث وضع إيستر في غيبوبة مستحثة بالأدوية، كان يجري إيقاظها منها ثلاث مرات في اليوم للتغذية وقضاء الحاجة، وقد أمضت الضحية في غرفة النوم هذه 30 يومًا كاملة، فقدت خلالها الكثير من الوزن وخرجت من هناك شديدة الضعف لا تقوى حتى على الوقوف. كانت شراير مجرد واحدة من بين مئات الضحايا الذين خضعوا لمثل هذه التجارب دون علمهم، كما لم تكن تلك التجربة الوحيدة التي خضع لها مرضى كاميرون، إذ كان هناك أسلوب علاجي آخر أطلق عليه الطبيب الأميركي اسم "إزالة النمط" (Depatterning)، ويعني في علم النفس محو الهوية وإزالة أنماط التفكير السائدة، للتشويش على إدراك المرضى لذواتهم. اعتقد كاميرون أن بإمكانه تحويل عقول مرضاه إلى صفحة بيضاء، أشبه بعقول الأطفال، وذلك عبر العقاقير المخدرة والصدمات الكهربائية، وبعدها ظن أن بإمكانه إعادة برمجة عقول المرضى من الحالة الصفرية هذه، عن طريق إخضاعهم لما يشبه التنويم المغناطيسي، فكان يُشغّل رسائل مسجلة للمرضى تزيد مدتها عن 20 ساعة يوميًا، ويجبرهم على الاستماع إليها في حالة النوم أو اليقظة بدعوى "التحفيز النفسي" أو ما أسماه "إعادة برمجة الدماغ". كانت هذه الأصوات تنطلق من سماعات أذن أو خوذات الرأس أو مكبرات صوت توضع تحت وسائد المرضى، ويجبرون على الاستماع إليها طوال مدة تواجدهم، بعضهم استمع إلى هذه الرسائل ما يعادل نصف مليون مرة. خرج مرضى كاميرون من بين جدران معهد آلان التذكاري محطمين بالكامل وعاجزين عن استعادة حياتهم السابقة أو ممارسة الحياة بطريقة طبيعية. كان من بين هؤلاء المرضى، روبرت لوجي، وهو شاب لم يتجاوز 18 عامًا، عانى من ألم في الساق وظن أطباؤه أن السبب قد يكون نفسيًا، ولهذا اقترحوا عليه الذهاب إلى الطبيب كاميرون الشهير، ليدخل بعدها لوجي إلى معهد آلان التذكاري في أكتوبر/تشرين الأول 1956، وهناك تلقى صدمات كهربائية بلغت قوتها ما بين 70 إلى 100 ضعف قوة الصدمات الكهربائية المعتادة. الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فقد كان روبرت لوجي أحد المرضى الذين طبق عليهم إيوين كاميرون العلاج بجرعات هائلة من عقار "إل إس دي" المهلوس، الذي اعتبره الباحثون في ذلك الوقت اكتشافًا ثوريا". يقول لوجي عن تجربته: "شعرت وكأن أحدهم انتهك حرمة عقلي واخترقه". وقد استمرت التأثيرات المدمرة لهذه العقاقير على عقل لوجي حتى بعد مغادرته للمعهد، إذ ظل يعاني طول حياته من الرؤى المخيفة، وغيرها من الأعراض النفسية الفتاكة. وكان من نتائج العلاج بأسلوب "إزالة النمط"، معاناة المرضى من فقدان الذاكرة، فقد نسي بعضهم أسماءهم، ولم يعودوا يتذكرون انعكاس وجوههم على المرآة، بينما نسي البعض الآخر كيفية قضاء الحاجة واضطروا لارتداء حفاضات الأطفال. وفي الوقت الذي انحدر فيه المرضى إلى مثل هذه الحالة المزرية، اعتبر الأطباء -أمثال إيوين كاميرون- هذا الوضع بمثابة إنجاز علمي أعاد مرضاه إلى مرحلة الطفولة، بعقولٍ بيضاء يمكنه الآن أن يعيد برمجتها كما يشاء، وهو المعنى الجوهري لفكرة "المرشح المنشوري". وعلى الرغم من أن علماء "إم كي ألترا" قد حققوا نجاحًا باهرًا في المرحلة الأولى من البرنامج والمتعلقة بتدمير حياة الضحايا إلى الأبد، فإنهم لم يستطيعوا تحقيق أي تقدم يذكر فيما يخص المرحلة الثانية، المتعلقة بإعادة برمجة الدماغ من جديد. وبحلول عام 1973، أقال الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون مدير وكالة الاستخبارات الأميركية ريتشارد هلمز، الشخص الوحيد الذي كان يدرك ماهية أبحاث سيدني غوتليب وطبيعتها. وقد اتفق الرجلان قبل ترك موقعيهما على تدمير جميع الوثائق الخاصة بمشروع "إم كي ألترا"، خوفًا من افتضاح أمرهما بعدما ارتكبا عددًا لا يحصى من الجرائم والانتهاكات بحق البشر. ظل المشروع طي الكتمان قرابة 20 سنة حتى عام 1974، عندما نشر الصحفي الأميركي سيمور هيرش تحقيقًا مطولًا في صحيفة "نيويورك تايمز"، كشف فيه كيف حاولت وكالة الاستخبارات الأميركية استخدام تقنيات "غسل الأدمغة" في التلاعب بعقول مواطني الولايات المتحدة وغيرهم. كانت التفاصيل صادمة للرأي العام الأميركي، وتسببت في فتح تحقيق للكونغرس لرصد الانتهاكات التي قامت بها الوكالة بين عامي 1953 و1973، وشكلت لجنة للتحقيق في الأمر بقيادة السيناتور الديمقراطي فرانك تشرش، وكان من نتائج هذه اللجنة إصدار أمر تنفيذي عام 1976، يحظر إجراء أجهزة الاستخبارات الأميركية أي تجارب على البشر دون علمهم. المصدر: الجزيرة نت |
|
|
الساعة الآن 10:32 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir