![]() |
سفن وغواصة نووية ومارينز.. ماذا يفعل الجيش الأميركي قرب فنزويلا؟
سفن وغواصة نووية ومارينز.. ماذا يفعل الجيش الأميركي قرب فنزويلا؟ https://www.aljazeera.net/wp-content...513&quality=80 تظهر هذه الصورة التي أصدرها المكتب الصحفي للرئاسة الفنزويلية الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو خلال اجتماع مع القيادة العسكرية العليا في كاراكاس في 5 سبتمبر/أيلول 2025 (الفرنسية) https://www.aljazeera.net/wp-content...C96&quality=80 أحمد مولانا 13/9/2025 وسط الانشغال العالمي بتطورات حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة، والحرب بين روسيا وأوكرانيا، وتعهدات الإدارة الأميركية "المتضاربة" بإيقاف كلتا الحربين، بدأت تتشكل ملامح جبهة جديدة في مكان آخر. ففي 2 سبتمبر/أيلول الجاري، نشر الرئيس الأميركي دونالد ترامب مقطعا قصيرا يُظهر تفجير الجيش الأميركي زورقا سريعا في المياه الدولية بالبحر الكاريبي، قائلا إن عصابة "ترين دي أراغوا" الفنزويلية كانت تستخدمه لتهريب المخدرات إلى الولايات المتحدة. وقد أكد وزير الخارجية والقائم بأعمال مستشار الأمن القومي الأميركي، ماركو روبيو، خلال زيارته للمكسيك، أن جيش بلاده دمر القارب، ما أسفر عن مقتل 11 شخصا، لإرسال رسالة ردع بأن "التدمير" هو الحل، وليس التوقيف والتفتيش ومصادرة الممنوعات. وقد أثارت هذه الواقعة جدلا كبيرا حول قانونية استخدام القوة العسكرية المميتة للجيش في مسائل عادةً ما تتولاها جهات إنفاذ القانون، والتعامل مع "المهربين المشتبهين" كما لو كانوا مقاتلين في حرب، وهو ما برره البيت الأبيض بالقول إن هذا مسموح به بموجب قوانين النزاعات المسلحة للدفاع عن البلاد من المخدرات التي تقتل 100 ألف أميركي سنويا، وهي حجة تضع "تهريب المخدرات" في المرتبة القانونية نفسها لشن هجوم مسلح على الولايات المتحدة. لكن، بغض النظر عن الجدل والجدل المضاد، يبدو مشهد استهداف القارب جزءا من سياق جيوسياسي أوسع لا يتعلق فقط بمطاردة مهربي المخدرات المشتبهين. فقد سبق هذا المشهد انتشارٌ عسكري أميركي واسع في الكاريبي، هو الأكبر من نوعه منذ نهاية الحرب الباردة: 4 سفن حربية، وغواصة نووية، و3 سفن برمائية تحمل على متنها نحو 2500 من قوات المارينز. وهو ما رأت صحف أميركية أنه يتجاوز مهمة مكافحة مهربي المخدرات إلى احتمالية توجيه ضربات داخل الأراضي الفنزويلية، بهدفإضعاف نظام الرئيس نيكولاس مادورو، في حين حذّر السيناتور الديمقراطي كريس ميرفي من أن دعاة الحرب المحيطين بترامب يحاولون جر فنزويلا إلى حرب لا يريدها أحد. الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو (يمين) والرئيس الأميركي دونالد ترامب (الفرنسية) تتعزز هذه التكهنات بفعل السردية التي تروجها دوائر السلطة الأميركية حول كون مادورو رئيسا غير شرعي سرق انتخابات 2024، وأنه يقود ويوجه منظمات تهرب المخدرات إلى أميركا، ما دفع المدعية العامة الأميركية بام بوندي للإعلان عن مضاعفة المكافأة المرصودة لمَن يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض على الرئيس الفنزويلي؛ إلى 50 مليون دولار، فضلا عن مصادرة 700 مليون دولار من الأصول التي يملكها. مادورو من جانبه لم يتأخر في الرد، تحدث عن "نضال مسلح منظم" إذا ما وقع أي هجوم على بلاده، وأعلن تعبئة 4.5 ملايين من عناصر المليشيا المدنية، وفتح مراكز تجنيد في أنحاء البلاد، لكنه في الوقت نفسه دعا ترامب إلى الحوار والتخلي عن سياسات تغيير الأنظمة في أميركا اللاتينية. وهكذا تبرز بين ثنايا خطاب أميركا عن الحرب على المخدرات رواية أطول عن التنافس الأميركي-الفنزويلي، تعود جذورها إلى عقود من التدخلات والعقوبات، التي تصاعدت في عهد الرئيس السابق هوغو تشافيز (1999-2013)، وبلغت ذروتها في عهد الرئيس مادورو مع عودة أشباح المحاولات الأميركية لتغيير الأنظمة المناوئة في الفناء الخلفي لواشنطن، وفي مقدمتها النظام الفنزويلي. فنزويلا البوليفارية فنزويلا دولة تمتد على أكثر من 912 ألف كلم مربع جنوب البحر الكاريبي، ويقطنها أكثر من 28 مليون نسمة، وهي من أبرز مؤسسي منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"، حيث بلغ إنتاجها في عام 1970 نحو 3.8 ملايين برميل نفط يوميًا، وتحوي حاليا أكثر من 17% من الاحتياطيات العالمية المؤكدة، وتُعرف في الذاكرة المعاصرة بأنها "جمهورية فنزويلا البوليفارية"؛ الاسم الذي أطلقه عليها الرئيس السابق هوغو تشافيز عام 1999 بعد استفتاء شعبي أقرّ دستورًا جديدًا، في محاولة لإعادة صياغة هوية جديدة تستحضر إرث المحرر اللاتيني الشهير سيمون بوليفار. صعود مادورو رغم الضغوط الأميركيةمع الطفرة النفطية التي رافقت صعود تشافيز (1999-2013) لمنصب الرئاسة، عمل الرئيس على استخدام أرباح النفط في توسيع دور الدولة في الاقتصاد، وأنشأ مجموعة من البرامج والخدمات الاجتماعية التي ساهمت في الحد من الفقر وتقليص نسب البطالة. وعمل على محو الأمية وتوفير الرعاية الصحية، كما وظف كاريزميته في بناء شعبية امتدت إلى دول مناوئة للولايات المتحدة، مثل كوبا التي قدم لها النفط بأسعار مخفضة، وتبنى خطابا مناهضا لواشنطن، وللإمبريالية العالمية، وعدل التعاقدات مع شركات النفط الأميركية، مما دفع شركتي إكسون وكونوكو لوقف أنشطتهما ورفع دعاوى قضائية ضد الحكومة الفنزويلية بحجة انتهاكها للتعاقدات، كما زار العراق في عام 2000 والتقى الرئيس صدام حسين، في أول زيارة لرئيس أجنبي إلى بغداد منذ عام 1990. ولكن بجوار هذه الصورة الجذابة، تشكلت قصة أخرى خلف الأبواب الحديدية لعنابر السجون. ففي عهده، تحولت السجون الفنزويلية إلى بؤرة للعنف. ومع عجز الحكومة عن السيطرة على تلك الفوضى، اضطرت إلى الاعتراف بسلطة الشبكات الإجرامية داخل السجون، حيث جرى توزيع السيطرة بحيث تتولى كل عصابة إدارة سجن بعينه، في تسوية غير معلنة لتجنب استمرار صراع دموي أسفر عن مقتل نحو 6000 شخص، بحسب تقارير مركز أبحاث الكونغرس الأميركي. في غضون ذلك، تعرض شافيز لمحاولة انقلاب اتهم واشنطن بالتورط فيها عام 2002، ونجحت في الإطاحة به لمدة يومين، قبل أن يتمكن الضباط الموالون له -رفقة مظاهرات شعبية ضخمة- من إعادته إلى منصبه. ومنذ منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة، لجأت واشنطن إلى ملف حقوق الإنسان لمحاصرة نظام تشافيز، كما تفاقم التوتر بسبب غياب التعاون الثنائي في ملفات حساسة مثل مكافحة المخدرات والإرهاب. ففي عام 2005، أنهت حكومة كاراكاس تعاونها مع إدارة مكافحة المخدرات الأميركية، متهمةً عناصرها بالتجسس، وهو اتهام رفضته واشنطن. قبل ذلك بعام، وصلت المفاوضات بخصوص مسودة اتفاقية تعاون أمني في مجال المخدرات، تتضمن آليات لتبادل المعلومات وتعزيز التنسيق؛ إلى حائط مسدود، ولم توقعها فنزويلا قط. ومنذ عام 2006، أصدر وزير الخارجية الأميركي تقييما يتجدد سنويًا ينص على أن فنزويلا "لا تتعاون بشكل كامل مع جهود الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب". وتوالت الاتهامات الأميركية لأعضاء في الحكومة الفنزويلية بوجود روابط مع عناصر من حزب الله اللبناني، ومع منشقين من الجماعات الكولومبية اليسارية المسلحة مثل "القوات المسلحة الثورية الكولومبية". وسط هذه التجاذبات بين واشنطن وكاراكاس، برز نجم نيكولاس مادورو، النقابي السابق، الذي صعد بهدوء منذ أواخر التسعينيات. https://www.aljazeera.net/wp-content...513&quality=80بدأ حياته العامة نائبًا في الهيئة التشريعية بين عامي 1998 و2006، قبل أن يترأس الجمعية الوطنية لفترة وجيزة، ثم انتقل ليشغل منصب وزير الخارجية نحو 7 سنوات. وفي عام 2012، ومع إعادة انتخاب تشافيز، وقع اختيار الرئيس عليه ليكون نائبًا له، في خطوة أشارت إلى ثقة الزعيم به وولائه المطلق للنهج التشافيزي. أشخاص يسيرون أمام جدارية للرئيس الفنزويلي السابق هوغو تشافيز في كاراكاس في 5 سبتمبر/أيلول 2025 (الفرنسية) بعد وفاة تشافيز المفاجئة في عام 2013 عن عمر 59 عاما، أصبح مادورو في موقع القيادة، وفاز برئاسة البلاد بفارق ضئيل في الانتخابات. ومنذ ذلك الحين، يقود مادورو الدولة الغنية بالنفط محاولًا الحفاظ على إرث سلفه، وسط أزمات متفاقمة وانقسامات حادة في الداخل والخارج. https://www.aljazeera.net/wp-content...513&quality=80كان انهيار أسعار النفط عام 2014 بمثابة الشرارة المباشرة التي فجّرت الأزمة الاقتصادية في فنزويلا. ولسنوات طويلة، ظل الذهب الأسود يشكّل أكثر من 90% من صادرات البلاد، ومصدرا أساسيا لتمويل خزينة الدولة. لكن عندما فقد النفط نصف قيمته في الأسواق العالمية خلال أشهر قليلة، تدهور الاقتصاد الفنزويلي بوتيرة متسارعة. وتزامن ذلك مع تشديد العقوبات الأميركية على البلاد، ووصل الحال في عام 2019 إلى توقف صادرات النفط الفنزويلية إلى الولايات المتحدة تماما، بعدما بلغت نحو 700 ألف برميل يوميًا. في الداخل، ألقت حكومة مادورو اللوم في الأزمة على "حرب اقتصادية" تقودها واشنطن. وجاءت محاولات الإنقاذ متفرقة ومحدودة الأثر: ضبط أسعار هنا، إطلاق عملة رقمية هناك، ووعود بإعادة هيكلة الديون أو تحقيق التوازن المالي لم تتحقق قط. والنتيجة كانت كارثية، وهي انكماش الاقتصاد الفنزويلي خلال الفترة من 2014 إلى 2023 بنسبة تصل إلى 80% وفقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي، وحدوث تضخم مفرط التهمَ مدخرات الأسر، وشحّ في السلع الأساسية من الغذاء إلى الدواء، وارتفاع نسبة الفقر لتصل إلى 82.8% من إجمالي أفراد الشعب. توالت العقوبات الأميركية التي طالت الحكومة والبنك المركزي وقطاع النفط، فضلًا عن القيود المفروضة على الوصول إلى النظام المالي الدولي، ففي عام 2017 أصدر الرئيس ترامب حظرا على وصول الحكومة الفنزويلية -بما فيها شركة الطاقة الحكومية "بتروليوس دي فنزويلا"- إلى الأسواق المالية الأميركية، ثم أصدر أمرا تنفيذيا في عام 2019 بتجميد أصول حكومة مادورو في الولايات المتحدة. سرّعت تلك الإجراءات وتيرة الانهيار الاقتصادي مما دفع نحو 7 ملايين فنزويلي للفرار اعتبارا من عام 2022 إلى دول الجوار، وبالأخص كولومبيا. بينما قدرت إدارة المواطنة والهجرة الأميركية أن ما يقرب من 323 ألفا من أصل 780 ألف فنزويلي يعيشون بالأراضي الأميركية، مؤهلون لتقديم طلبات للحصول على وضع الحماية المؤقتة، والتي تمنح إعفاء من الترحيل وتصريح عمل للمواطنين الأجانب القادمين من دول تشهد نزاعات مسلحة أو كوارث طبيعية أو ظروفًا استثنائية أخرى تمنع عودتهم الآمنة، وهي الحماية التي عملت إدارة ترامب الثانية على إزالتها عن الفنزويليين خلال العام الجاري. خريطة فنزويلا (الجزيرة) من أزمات الرئاسة إلى أزمة الهجرة وصلت الأزمة السياسية في فنزويلا إلى ذروتها عقب الانتخابات الرئاسية في عام 2019، فرغم الإعلان عن فوز مادورو، أعلنت الولايات المتحدة، ومعها كندا ومعظم دول الاتحاد الأوروبي وأستراليا واليابان من بين 60 دولة، رفضها الاعتراف بمادورو رئيسًا شرعيًا، واعترافها برئيس الجمعية الوطنية خوان غوايدو رئيسًا مؤقتًا للبلاد كي يقود مرحلة انتقالية تُفضي إلى انتخابات جديدة. https://www.aljazeera.net/wp-content...514&quality=80ضغطت واشنطن لدفع مادورو إلى التنحي، واستخدمت مزيجًا من العقوبات الاقتصادية والضغوط الدبلوماسية، ووصلت حد التلويح بالعفو عن بعض المسؤولين الفنزويليين، شريطة أن يتخلوا عن ولائهم للرئيس. وفي مشهد يشي بمدى التصعيد، صادرت واشنطن الطائرة الرئاسية الخاصة بمادورو، ثم بلغ التصعيد مرحلة غير مسبوقة في عام 2020، حين أعلنت وزارة العدل الأميركية عن مكافأة قدرها 15 مليون دولار، مقابل أي معلومات تؤدي إلى اعتقال مادورو بتهم مرتبطة بالاتجار بالمخدرات وإغراق الولايات المتحدة بالكوكايين. وهكذا تحوّل الرئيس الفنزويلي من زعيم سياسي مطعون في شرعيته إلى شخصية مطلوبة في ملفات جنائية عابرة للحدود، ضمن إحدى أكثر المواجهات حدة بين واشنطن وكاراكاس منذ عقود. تجددت الأزمة مع انتخابات الرئاسة منتصف عام 2024، والتي أعلن مادورو فوزه بها ضد مرشح المعارضة إدموندو غونزاليس بنحو 67% من الأصوات، حيث اعترفت واشنطن بغونزاليس رئيسا شرعيا للبلاد رغم فراره إلى إسبانيا بعد صدور مذكرة توقيف بحقه، كما التقاه الرئيس بايدن مطلع عام 2025 قبل مغادرته البيت الأبيض بأيام. مع بداية ولايته الثانية، أعاد ترامب ترتيب سياسته تجاه فنزويلا. وجاءت في مقدمة أولوياته أزمة الهجرة التي سبق أن فاقمتها العقوبات المشددة التي فرضها في فترته الأولى. فمئات الآلاف من الفنزويليين وجدوا أنفسهم بلا وضع قانوني بعدما جُرّدوا من الحماية المؤقتة، بينما شكّل غياب العلاقات الدبلوماسية مع كاراكاس عائقًا أمام سياسة الترحيل الجماعي التي تبناها ترامب. بحلول يناير/كانون الثاني 2025، أوفد ترامب ريتشارد غرينيل إلى كاراكاس بصفته مبعوثًا رئاسيًا خاصًا للقاء الرئيس مادورو، حيث توصلا إلى اتفاق شمل إطلاق سراح 6 سجناء أميركيين، وموافقة فنزويلا على استقبال رحلات منتظمة من المُرحّلين مقابل فتح باب التواصل بين الجانبين بما يمهد لتخفيف الاحتقان وتهدئة الخلافات. لكن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، القادم من ولاية فلوريدا، المليئة بأصوات الناخبين من أصول فنزويلية، والمعارض الشرس لأنظمة الحكم اليسارية في أميركا اللاتينية، أبرم صفقة بديلة مع الرئيس السلفادوري نجيب بوكيلي، إذ تضمنت ترحيل العديد من الفنزويليين إلى السلفادور. كما عمل روبيو على إلغاء وزارة الخزانة الأميركية إعفاء شركة شيفرون من حظر إنتاج واستيراد النفط الفنزويلي، والذي سبق أن منحته إدارة بايدن في عام 2022 عقب استئناف المفاوضات بين مادورو والمعارضة الفنزويلية. الرئيس الأميركي دونالد ترامب (يمين) ورئيس السلفادور نجيب أبو كيلة في أبريل/نيسان 2025 (الأوروبية) علاقات خارجية مزعجة لواشنطن بالتزامن مع التوترات الفنزويلية الأميركية، رسخت موسكو أقدامها كلاعب قوي في كاراكاس منذ مطلع الألفية. فبحسب تقرير لوكالة استخبارات الدفاع الأميركية، بلغت قيمة صفقات السلاح الروسية إلى فنزويلا نحو 11 مليار دولار بين عامي 2001 و2013، في ذروة الطفرة النفطية التي سمحت لهوغو تشافيز بتمويل ترسانة أسلحة جديدة. ومع وصول نيكولاس مادورو إلى السلطة، لم تتوقف الشراكة العسكرية رغم تراجع قدرة فنزويلا على شراء الأسلحة. ففي عام 2018 نشرت موسكو قاذفتين نوويتين في أجواء البلاد، وأتبعت ذلك بإرسال خبراء لصيانة المعدات العسكرية، وبنت مركز تدريب للطيارين الفنزويليين على المروحيات العسكرية الروسية. وفي المقابل، دعمت فنزويلا غزو روسيا لأوكرانيا. وفي مجلس الأمن الدولي، عرقلت موسكو وبكين محاولات واشنطن انتزاع شرعية لصالح خوان غوايدو عقب انتخابات 2019. أما اقتصاديًا، فقد تحولت روسيا عبر شركات مثل "روسنفت" إلى قناة حيوية لتسويق النفط الفنزويلي في آسيا، واستثمرت نحو 9 مليارات دولار في قطاع الطاقة الفنزويلي. لكن العقوبات الأميركية في 2019 قلصت هذا الدور، ودفعت الشركة إلى إعادة هيكلة عملياتها لتجنب مزيد من الاستهداف. في غضون ذلك أصبحت الصين والهند الوجهتين الرئيسيتين للنفط الخام الفنزويلي بعد توقف الصادرات إلى الولايات المتحدة. الصين تحديدا تحولت إلى الشريك التجاري الأهم لفنزويلا حيث تستورد منها نحو نصف مليون برميل نفط يوميا بسعر مخفض. وإلى جانب ذلك، ساعدت طهران كاراكاس في تجاوز أزمتها بتزويدها بالوقود والمخففات اللازمة لتكرير الخام الثقيل، كما بنت شراكة لنقل خبرتها في صناعة الطائرات المسيرة. وفي مقابل النفط المدعوم، قدمت كوبا أيضا خبراتها الأمنية والاستخباراتية لصالح الرئيس مادورو. كما منحت التحولات الإقليمية مادورو متنفسًا جديدًا مع صعود اليسار في أميركا اللاتينية، وعودة لولا دا سيلفا إلى الرئاسة في البرازيل، مما سهّل إعادة إدماج كاراكاس في محيطها. إدارة ترامب تكثف الضغوطفكولومبيا التي كانت رأس حربة في دعم غوايدو، أعادت العلاقات الدبلوماسية مع فنزويلا تحت حكم الرئيس غوستافو بيترو، وتحولت كاراكاس إلى منصة لاستضافة مفاوضات السلام مع "جيش التحرير الوطني" الكولومبي المتمرد. كانت قضية المخدرات دائما جزءا من التجاذب السياسي بين الولايات المتحدة وفنزويلا، إذ أفادت وزارة الخارجية الأميركية في تقريرها عن "الاستراتيجية الدولية لمكافحة المخدرات لعام 2022" أن المخدرات وخاصة الكوكايين، تتدفق من فنزويلا جوًا عبر المكسيك وأميركا الوسطى إلى السوق الأميركية، وفي شحنات بحرية عبر منطقة الكاريبي إلى الولايات المتحدة وأوروبا، في حين تشير تقديرات الاستخبارات الأميركية إلى أن نحو 500 طن من الكوكايين تُنقل عبر فنزويلا سنويًا. https://www.aljazeera.net/wp-content...513&quality=80ومع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في عام 2025، تبنت واشنطن نهجا تصعيديا في التعامل مع فنزويلا. ففي خطاباته وتصريحات مسؤولي إدارته، رُبط اسم الرئيس مادورو بعصابة "ترين دي أراغوا" وكارتل "سينالوا" لتجارة المخدرات، وكلاهما أُدرج ضمن 8 عصابات جريمة منظمة على قوائم الإرهاب الأميركية، مع التشديد على أن عصابة "ترين دي أراغوا" أداة بيد الرئيس مادورو لزعزعة استقرار الولايات المتحدة عبر تصدير الفوضى وإفراغ السجون، وذلك في خطاب يربط المهاجرين الفنزويليين بالإرهاب لتبرير تشديد سياسات الهجرة. سجناء تزعم الإدارة الأميركية أنهم ينتمون لعصابة ترين دي أراغوا الفنزويلية وعصابة إم إس-13، وقامت الحكومة الأميركية بترحيلهم إلى السلفادور، وذلك في 12 أبريل/نيسان 2025 (رويترز) المفارقة أن ترامب استند إلى قانون قديم يكاد يطوي قرنين من النسيان وهو "قانون الأعداء الأجانب" الصادر عام 1798. هذا القانون، يمنح الرئيس صلاحية اعتقال أو ترحيل رعايا الدول المعادية. وفي مارس/آذار الماضي، أعلن ترامب أن عصابة "ترين دي أراغوا" تُمثل غزوًا غير نظامي بتوجيه من مادورو، ما يبرر تفعيل القانون ضد فنزويليين مقيمين داخل الولايات المتحدة. أفضت هذه السياسة إلى ترحيل مدنيين على متن طائرات عسكرية إلى مراكز احتجاز، ونقل بعضهم إلى قاعدة غوانتانامو في كوبا. وبذلك انتقل الصراع من فرض عقوبات اقتصادية ورفض اعتراف بشرعية مادورو، إلى عسكرة للسياسة تجاه المهاجرين الفنزويليين. كما لوحت إدارة ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على أي دولة تُواصل استيراد النفط الفنزويلي لتعزيز الضغوط على حكومة مادورو، والتي جادلت من جانبها بأن المعارضة الفنزويلية المدعومة من واشنطن هي التي أنشأت عصابات الاتجار بالمخدرات. في محيط فنزويلا المباشر، تبدو الخريطة السياسية منقسمة، فبعض دول أميركا اللاتينية والكاريبي سارعت إلى الاصطفاف خلف الموقف الأميركي، فأعلنت الأرجنتين وباراغواي والإكوادور وبيرو أن كارتل "دي لوس سولس" منظمة إرهابية. وذهبت ترينيداد وغويانا، إلى تأييد نشر قوات عسكرية لمكافحة تهريب المخدرات. في المقابل، اتخذت المكسيك والبرازيل وكولومبيا موقفًا رافضًا لأي تدخل خارجي. وصعّد الرئيس الكولومبي خطابه معلنًا أن الكولومبيين والفنزويليين شعب واحد، وأن أي هجوم على فنزويلا سيُعد هجومًا على المنطقة بأسرها، في حين قالت الرئيسة المكسيكية كلوديا شينباوم "لن نؤيد أبدًا تدخل حكومة أجنبية في دولة ذات سيادة"، مدركة أن الدور قد يأتي على بلادها بعد فنزويلا بحجة مكافحة عصابات المخدرات. ماذا بعد؟ منذ أن بدأت إدارة ترامب تصوير الرئيس مادورو كتاجر مخدرات يجب تقديمه إلى العدالة، عادت إلى الأذهان أحداث بنما عام 1989، حين أطاحت واشنطن بالجنرال مانويل نورييغا وسلمته إلى محكمة أميركية. ولكن في بنما، حشدت الولايات المتحدة 28 ألف جندي لمهمتها، أما فنزويلا فتمتد على مساحة أكبر بنحو 20 مرة، فضلًا عن اقتصاد منهار وأزمة إنسانية معقدة، وهو ما يجعل أي تدخل عسكري مباشر مغامرة لا تبدو واشنطن مستعدة لتحمل تبعاتها. لهذا يَرجّح مراقبون -كما ورد في عدة تقارير بمجلة فورين بوليسي وغيرها- أن الحشود العسكرية الأميركية في الكاريبي أقرب إلى "دبلوماسية البوارج" منها إلى التمهيد لغزو فعلي، بهدف إيجاد شرخ داخل النخبة الحاكمة، والدفع للإطاحة بمادورو. وربما تزداد الضغوط بتوجيه بضع ضربات صاروخية أو غارات جوية على الأراضي الفنزويلية لحث مادورو على التراجع والتفكير في تسليم الحكم للمعارضة، وصولا إلى احتمال استهدافه شخصيا في عملية خاصة بحجة جلبه إلى العدالة. وفي المجمل، تتبلور الصورة الكلية بأن الولايات المتحدة تعمل على ترتيب فنائها الخلفي قبل خوض صراعات مع دول أخرى أكبر، وأهمها صراعها المحتدم مع الصين. المصدر: الجزيرة نت + مواقع إلكترونية |
الساعة الآن 07:58 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir