وقد تدخلت الولايات المتحدة مرارا في شؤون دول الكاريبي الداخلية، ومن ذلك احتلال نيكاراغوا بين العامين 1912 و1933، بذريعة ضمان حكم موال للمصالح السياسية والتجارية الأميركية.
وكذلك احتلال هاييتي بين عامي 1915 و1934، بحجة الحفاظ على الاستقرار في المنطقة، وحفظ المصالح الاقتصادية والأمنية للولايات المتحدة.
كما احتلت جمهورية الدومينيكان بين العامين 1916 و1924، مبررة ذلك باحتمال استخدام ألمانيا إياها قاعدة لشن هجمات على الولايات المتحدة في أثناء
الحرب العالمية الأولى.
وحرصت أميركا على الحيلولة دون توسع نفوذ أي من القوى الدولية الأخرى في المنطقة، لا سيما
الاتحاد السوفياتي إبان
الحرب الباردة، ففي عام 1954، دعمت هجوما أطاح بحكومة غواتيمالا ذات الميول اليسارية، تحسبا لامتداد النفوذ السوفياتي في المنطقة.
وفي عام 1962، ساعدت في الإطاحة بحكومة الدومينيكان المنتخبة، ثم احتلت البلاد عام 1965، وشجعت انتخابات، وُصفت بأنها غير نزيهة، فاز بها موالون لها.
وفي ستينيات القرن الـ20، مارست
واشنطن ضغوطا متزايدة على كوبا لمنع تقاربها مع الاتحاد السوفياتي، على إثر نجاح الثورة الكوبية، وإعلان البلاد دولة اشتراكية، فقطعت العلاقات الدبلوماسية، وفرضت عليها عقوبات اقتصادية قاسية، وفي نهاية المطاف حالت دون تثبيت الاتحاد السوفياتي أصولا عسكرية على الأراضي الكوبية.
في 1983 قادت الولايات المتحدة حملة عسكرية في جزر غرينادا، واحتلتها خشية قيام حكومة شيوعية، تسمح بامتداد نفوذ الاتحاد السوفياتي إليها.
أعادت
الحرب الروسية على أوكرانيا مطلع عام 2022 المخاوف الأميركية بشأن امتداد النفوذ الروسي في منطقة الكاريبي، لا سيما بعد إعلان
روسيا في تلك الآونة احتمال نشر قوات عسكرية في الكاريبي، تبعه توقيع اتفاقية تعاون عسكري بين روسيا وفنزويلا.
وقد أثارت تلك الخطوة قلق الولايات المتحدة، نظرا لأهمية منطقة الكاريبي الإستراتيجية وتأثيرها على أمن الولايات المتحدة، إذ تقع بالقرب من عدد كبير من الموانئ التجارية، إضافة إلى مرافق عسكرية أميركية، لها دور مهم في نشر القوات الأميركية ودعمها في أفريقيا وأوروبا وآسيا.
ومع تولي
دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة للمرة الثانية مطلع عام 2025، حرص على تعزيز النفوذ الأميركي في المنطقة، وبحلول منتصف العام اندلعت موجة من التوترات في البحر الكاريبي، على إثر إعلان ترامب حربا على ما سماها "عصابات تجارة المخدرات"، رغم أن تقديرات إدارة مكافحة المخدرات الأميركية تشير إلى أن نحو 8% فقط من الكوكايين المهرَّب إلى الولايات المتحدة يمر عبر هذه المنطقة.
وفي مطلع سبتمبر/أيلول من ذلك العام، رفعت واشنطن مستوى وجودها العسكري في البحر الكاريبي، لا سيما المنطقة الجنوبية، ونشرت حوالي 4500 جندي مزودين بسفن حربية ومدمرات وصواريخ موجهة ومجموعة إيوجيما البرمائية وغواصة نووية، فضلا عن طائرات استخبارات من "طراز بي-8".
وفي غضون نحو شهر، نفذت القوات الأميركية ضربات عدة ضد قوارب في البحر الكاريبي، من بينها سفينة قرب فنزويلا، قيل إنها تابعة لعصابات المخدرات الفنزويلية، دون تقديم أدلة تثبت ذلك، وأسفرت العملية عن مقتل 11 شخصا.
وحسب السلطات الكولومبية، أصابت إحدى الضربات سفينة كولومبية، على متنها مواطنون كولومبيون.
وأثار هذا التصعيد غضب فنزويلا التي ردت بتعبئة الجيش، وأعلنت استعدادها للرد العسكري على الاستفزازات الأميركية، كما طلبت عقد اجتماع طارئ
لمجلس الأمن الدولي لبحث التهديد الذي يمثله نشر الولايات المتحدة سفنا حربية في البحر الكاريبي.
وفي الجلسة التي عقدها مجلس الأمن في أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه، نددت كل من روسيا
والصين بتنامي الحضور العسكري الأميركي في البحر الكاريبي، وأعربتا عن قلقهما إزاء ما يمثله هذا التصعيد من تهديد للسلام والاستقرار الإقليميين.
وقد أثارت إمكانية تحول الصراع إلى مواجهات عسكرية فعلية بين أميركا وفنزويلا قلقا بالغا لدى الدول والأقاليم في الكاريبي، لما قد يترتب على ذلك من تدهور في الأمن البحري وانعكاسات سلبية على القطاعات الاقتصادية في المنطقة.