عرض مشاركة واحدة

قديم 31-03-09, 07:18 PM

  رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
جيفارا
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

بدائل مضيق هرمز

من خلال ما سبق يتبين أن احتمالية لجوء طهران إلى إغلاق المضيق أو تهديد الملاحة فيه رغم صعوبتها وتداعياتها الأمنية والعسكرية والاقتصادية ستشمل أوّل ما تشمل إيران ذاتها ، وربما تدفع إليها ظروف التصعيد المتبادل والتدهور الناتج عن تسلسل الأحداث أو رد فعل هذا الطرف أو ذاك.

ونتيجة لهذه الاحتمالية، أو على وجه التحديد، تفادياً لحدوث الآثار الناتجة عنها، فإنه من الأهمية بمكان أن تسعى دول مجلس التعاون إلى البحث عن بدائل تستطيع من خلالها إنقاذ نفسها من مأزق ارتباط مصيرها بممر مائي يستغل بشكل سيء كأحد أوراق اللعبة السياسية بين إيران من جهة والغرب بقيادة الولايات المتحدة من جهة ثانية. وقد سعت دول المجلس بالفعل خلال الفترة الأخيرة إلى التحرّك على مستويين: أحدهما: خاص بكيفية منع إيران أو إقناعها بعدم اللجوء إلى فكرة الإغلاق، والآخر: يتعلق بالتحدث عن بدائل فعلية للمضيق في حال إغلاقه، إذا ما تصاعد تسلسل الأحداث دون القدرة على السيطرة عليه.

على الجانب الآخر، فإن أهم إجراء اتخذته دول المجلس لثني إيران عن أي قرار يمكن أن تتبناه بخصوص إغلاق المضيق، هو موقفها من الأحداث ذاتها، فهي تعلم أن هناك خطراً حقيقياً ومدمراً يترصّد المنطقة ككل، إذا ما اندلعت حرب لأي سبب من الأسباب؛ لذلك يبدو إصرارها وتمسكها ورفضها حرباً أمريكية ضد إيران، كما أنها تدعو الطرفين، ولازالت، إلى التفاوض بشأن برنامج طهران النووي، ويبدو كذلك أنها لا تمانع في حق مشاركة الأخيرة في أية ترتيبات أمنية تعقد بالخليج.

كذلك من المؤكد أن دول مجلس التعاون، وبحكم علاقتها الجيدة بواشنطن، قد سعت إلى مكاشفتها بحقائق الوضع السيء الذي يمكن أن يترتب على تصعيد الخلافات إلى درجة الحرب بالخليج، وربما نجحت في إقناع البيت الأبيض بأهمية التهدئة، لأن الأضرار الناتجة عن أي حرب محتملة ستكون شاملة ولن تقف عند حدود ومصالح الدول الخليجية فحسب، بل ستشمل جميع دول العالم، وفي مقدمتها الولايات المتحدة ذاتها، وربما كان ذلك دافعاً وراء الحديث الدائر الآن بشأن احتمالية أن تتفاوض الإدارة الأمريكية مع الإيرانيين بعد أن تأكّد إخفاق التصعيد المتبادل في التصريحات بين الجانبين، لدرجة أن هناك من يردد وجود صفقة يتم الترتيب لها الآن بين واشنطن وطهران، بحيث يتم احترام حق الأخيرة في ممارسة أنشطة نووية سلمية وبضوابط صارمة في مقابل احترامها لحق المجتمع الدولي في التأكّد من سلمية برنامجها.

ولاشك أيضاً أن دول المجلس قد أعدَّت خططاً وقائية لمواجهة نذر الحرب حول المضيق، في حال عدم اقتناع الطرفين الأمريكي والإيراني بعدم جدوى التهدئة، واتخذت من الاحتياطات اللازمة التي تحدّ من امتداد نطاق الحرب مثلما نجحت إبان الحروب الثلاثة التي مرت بالمنطقة، وبخاصة إبان الحروب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي، حيث استمر تدفق النفط بشكل أو بآخر. وكذلك استمرت الحياة في شكلها الطبيعي دون تأثير كبير داخل دول المجلس، ولم تتأثر كثيراً مستويات الرفاهة والمعيشة التي يحياها الخليجيون بسبب أية تفاعلات دائرة في مياه الخليج أو حوله.

على الجانب الآخر، فإن دول المجلس لا يمكن أن تستكين إلى تطمينات أو ربما قراءات معينة للأوضاع قد تبدو منطقية باستحالة لجوء طهران إلى إغلاق المضيق، إذ إن التجارب التي خاضتها المنطقة تثبت أن كافة الاحتمالات واردة بما فيها حرب ناقلات نفطية جديدة، أو حظر الملاحة في جزء أو كل مياه الخليج الأمر الذي يدفع باتجاه البحث عن بدائل حقيقية للمضيق، وتعددت المقترحات المقدمة في هذا الشأن، وإن كانت جميعها تصب في بناء خطوط أنابيب تنقل النفط المفترض أن يمر عبر مياه المضيق إلى موانئ بعيدة عن النطاق الجغرافي للخليج ككل؛ بحيث تكون محطة أو منصة التصدير على بحر دولي، بيد أن مشكلة مثل هذه المقترحات رغم أهميتها أنها تقصر أهمية مياه الخليج على دوره في نقل النفط دون الأشياء الأخرى من منتجات مصنّعة ومواد غذائية .. وغير ذلك؛ فأنابيب النفط لن تنقل سواه، الأمر الذي يدفع إلى البحث عن بدائل أخرى، ولكن قبل التفكير في هذه البدائل، يمكن أولاً تقويم فكرة خطوط الأنابيب الناقلة.

فمع نجاح بعض خطوط الأنابيب في السعودية والعراق، وجد أن أسهل طريق لتفادي إعاقة الملاحة في مضيق (هرمز)، هو بناء عدة خطوط أخرى يكون آخرها إما على البحر الأحمر أو على بحر العرب، وخليج عُمان، أو عبر الأراضي اليمنية حتى خليج عدن، لكن هناك مشكلة تعترض مثل هذه الخطوة تتمثل في طول المسافة، إذ لابد أن يمر الأنبوب المقترح عبر الكويت، والسعودية، والإمارات حتى يصل إلى بحر العرب عبر الأراضي العُمانية، وكذلك لابد أن يمر عبر الأراضي السعودية الشاسعة إذا ما أريد أن يصل إلى البحر الأحمر، ويتعين عليه أن يخترق الأراضي اليمنية حتى يصل إلى خليج عدن، وهناك مشكلات أخرى، منها أن جزءاً من النفط المصدّر عبر هذه الخطوط سيتعين عليه أن يمر عبر أكثر من مضيق، مثل (باب المندب)، و (قناة السويس).

يُضاف إلى ذلك، الكلفة المالية الباهظة لبناء الخطوط وحمايتها، وأن بناء أحدها لا يغني عن بناء الآخر، بمعنى أن الخط الأنبوبي ليصل إلى البحر الأحمر سيمنع من تدفق الصادرات النفطية إلى شرق آسيا، مما يستلزم بناء إما الخط الواصل عبر الأراضي العُمانية حتى بحر العرب، أو الخط الواصل عبر الأراضي اليمنية حتى يصل لخليج عدن. الأهم في كل هذا أن (40%) فقط من صادرات المنطقة يمكن أن تمر عبر هذه الأنابيب، مما يعني أن بقية إجمالي صادراتها النفطية لن تجد مخرجاً. الأخطر أن تجهيز بناء هذه الخطوط سيستغرق من 3 إلى 10 سنوات، وهي مدة كبيرة نسبياً لا تراعي احتمالات تطور الأزمة في الخليج بين لحظة وأخرى.

ويبدو أن هذه المشاكل كانت السبب في توصية اللجنة الوزارية للتعاون النفطي بدول مجلس التعاون في نوفمبر 2006م بعدم الجدوى الاقتصادية لبعض مشاريع الأنابيب الهادفة إلى نقل النفط مباشرة إلى بحر العرب عن طريق عُمان، الأمر الذي دفع إمارة دبي في 9-9-2008م إلى التفكير في جدوى مشروع آخر لإنشاء قناة ضخمة بطول (112) ميلاً بحيث تربط ميناء دبي داخل مياه الخليج بميناء الفجيرة الذي يطل على خليج عُمان، لكن التكلفة المالية والجدوى الاقتصادية ربما تعطلان تنفيذ المشروع، خصوصاً وأن التقديرات الأولية لإنشاء هذه القناة بلغت حوالي (200) مليار دولار، ناهيك أن القناة الجديدة ومحطة التصدير لن تكونا بعيدتين عن مرمى النيران المحتملة.

هكذا يستمر الجدل حول مخاطر غلق مضيق هرمز، والذي بدأ الحديث عنه منذ حرب الخليج الأولى بين إيران والعراق، والتي بدأت عام 1980م، والتي تخللتها حرب الناقلات.

وبعد مرور ثلاث عقود لا يزال الجدل سائداً حول كيفية تصدير البترول والغاز الطبيعي عبر مضيق هرمز. وقد ركّزت مشروعات سابقة للوصول بالصادرات عبر تركيا إلى البحر المتوسط، أو عبر خطوط أنابيب بعيدة المدى عبر البحر الأحمر والسودان، ثم تشاد حتى موانئ الكاميرون، ولنا أن نتخيل هذه التكاليف الباهظة وما يمكن أن تعود على دولها لو استغلت إمكاناتها في التنمية بدلاً من إنفاقها على مشروعات كان يمكن الاستغناء عنها لو أَمكن حل مشكلاتنا الإقليمية عبر التفاوض والوصول إلى حلول عادلة لقضايانا

 

 


   

رد مع اقتباس