عرض مشاركة واحدة

قديم 11-11-09, 04:18 PM

  رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
البارزانى
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

2. تداعيات الاتفاقية على المحيط الإقليمي

تمتد تداعيات الاتفاقية الأمنية الأمريكية العراقية على الدول المجاورة للعراق، حيث تنعكس آثارها على هذه الدول، نظراً إلى طبيعة العلاقة التي أوجدتها الاتفاقية بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية، ومن أبرزها:
أ. ارتهان أمن المنطقة بإرادات أطراف خارجية، وبالتالي فإن أي صيغة مقترحة لابد أن تضمن أولاً مصالح تلك الأطراف، حيث أشارت المعلومات إلى أن الاتفاقية الأمنية بين واشنطن وبغداد تتضمن بندين في غاية الخطورة، أولهما: أن قوات الأمن العراقية ووزارات الدفاع والداخلية والأمن القومي ستكون تحت الإشراف الحكومي لمدة عشر سنوات، وثانيهما: منح الولايات المتحدة المسؤولية عن عقود التسلح العراقية طيلة المدة ذاتها، وإذا أُضيف لذلك تقارير الكونجرس في الفترة من 2003م إلى 2008م بشأن جهود الإدارة الأمريكية للنهوض بقوات الأمن العراقية، نجد أن الإدارة الأمريكية خصصت نسبة كبيرة للتصدي لعمليات المقاومة العراقية، وإيلاء عملية البنية التحتية نسبة ضئيلة للغاية من تلك المخصصات، وهذا يدل على أنه لا سبيل لجيش عراقي قوي، ومن ثم دور إقليمي للعراق سوى بإرادة أمريكية، وبالتالي استمرار الخلل في منظومة الأمن الإقليمي العربي(17).
فالمعاهدة تنص على (دعم الولايات المتحدة الأمريكية للحكومة العراقية في تدريب وتجهيز وتسليح القوات المسلحة العراقية لتمكنها من حماية العراق)، وهذا النص عندما يتحول إلي ممارسة واقعية سوف يؤدي إلى إبقاء القوات الأمريكية طرفاً فاعلاً في إدارة الصراع الإقليمي من خلال إشراف الطرف الأمريكي على الملفات الأمنية، ومشاركته في بناء المؤسسة العسكرية والإشراف المباشر عليها، ويكتمل هذا الإشراف بربط العقيدة العسكرية العراقية بالعقيدة الأمريكية من خلال النص الوارد في الاتفاقية والخاص ب (تقديم تأكيدات والتزامات أمنية للحكومة العراقية بردع أي عدوان خارجي يستهدف العراق، وينتهك سيادته وحرمة أراضيه أو مياهه أو أجوائه)، وهذا ما أكدته وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة (رايس) بوضوح حينما أشارت إلى أنه لا يوجد ضمن أي من الاتفاقيات التي سيتم إبرامها مع الجانب العراقي، ما يلوي ذراع القائد الأعلى القادم للجيش الأمريكي، رجلاً أو امرأة، بل على نقيض ذلك تماماً، فإن من المتوقع لهذه الاتفاقيات أن تمنح الرئيس القادم من السلطات القانونية ما يمكّنه من حماية مصالحنا القومية(18). وعلى ذلك فإن ربط المؤسسة العسكرية العراقية بالاستراتيجية الأمريكية ينطلق من السياسات الفعلية للولايات المتحدة حيال الأزمات والتوترات المستندة إلى ما تفرزه الشراكة الأمريكية الإسرائيلية من تداعيات على الصراع العربي الإسرائيلي، وإلى ما يحيط المنطقة من توتر بشأن البرنامج النووي الإيراني وغيره من قضايا، فالعراق سيصبح بمقتضى الاتفاقية شريكاً للولايات المتحدة في نزاعات المنطقة.

ب. إعادة المنطقة إلى عصر التحالفات

وذلك استناداً إلى أن الأمن الذي يمكن أن تشهده المنطقة سيكون مشوّهاً أو دون الأمن الإقليمي الذي يشترك فيه الجميع، فمن شروط الأمن الإقليمي أن يكون شاملاً لجميع وحدات الإقليم دون استثناء إحداها لأية مبررات، وأن يتم تحقيقه بالتراضي بين أطراف المنظومة الإقليمية دون قهر أو إجبار، ودون استبعاد أيضاً، إلاّ أن الواقع الإقليمي يناقض ذلك كلية، فلا تزال إيران خارج أي ترتيبات مقترحة، بالرغم من دورها الكبير في العراق وما يثار حول سياستها الخارجية من أمور تصل إلى مستوى التدخل في الشؤون العراقية، فالاتفاقية على النحو الذي أقام تحالفاً استراتيجياً أمريكياً عراقياً سيكون لها انعكاسات في إعادة بناء موازين القوى في المنطقة بشكل عام، وفي ظل هذا الوضع.

رابعاً: مواقف الأطراف الإقليمية من الاتفاقية

إيرانيا: تحوّل الموقف الإيراني من رفض الاتفاقية إلى غموض يرادف قبول ضمني، نظراً لأن الاتفاق ضمن لها بقاء وتأمين سيطرة حلفاء إيران في منظومة الحكم العراقي واستطاعوا الحصول على تعهد أمريكي بعدم شن أي هجوم أو اعتداء على إيران انطلاقاً من الأراضي العراقية، وثاني هذه الأسباب هو قناعة إيران الكاملة بضرورة تفادي تعرّضها لأي عدوان أمريكي أو إسرائيلي ضد برنامجها النووي، وطموحها إلى فتح صفحة جديدة في العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية في ظل الإدارة الأمريكية الجديدة، التي تعهدت بفتح حوار مع إيران لترتيب انسحاب أمريكي مشرف ومطمئن من العراق دون مطبات أو عثرات، وإغراء إيران بأن نجاح الحوار حول العراق يمكن أن يتيح فرصاً مواتية لحوار إيجابي حول البرنامج النووي الإيراني، وثالث أسباب التحوّل في الموقف الإيراني هو الحرص على احتواء الضغوط الإسرائيلية المكثفة على أعضاء الإدارة الأمريكية بعد أن أدرك الإيرانيون بوادر خطر من فرص الحوار الممكنة بين إدارة (أوباما) وإيران، خصوصاً بعد أن نجحت هذه الضغوط في دفع (أوباما) إلى التراجع عن تعهده السابق نحو إيران وتعمّده توجيه انتقادات لاذعة ضدها عندما طالبها بالكفّ عن دعم المنظمات الإرهابية، وشدّد على أنه لا يمكن قبول محاولاتها لصنع السلاح النووي، داعياً إلى بذل جهود دولية لمنعها(19).
تركيا: اتسم الموقف التركي بقدر كبير من القلق الاستراتيجي؛ فتركيا ترى أن الاتفاقية من شأنها عرقلة عملياتها العسكرية ضد متمردي حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، وبخاصة أن معظم القواعد العسكرية الأمريكية ستكون متمركزة في إقليم كردستان العراق جنوب تركيا، وعلى ذلك سيكون على تركيا أن تطلب إذناً من حكومة بغداد لضرب قواعد حزب العمال شمال العراق، بعد أن كانت تحصل من الأمريكان على الضوء الأخضر بشن هجماتها هناك،
ويزداد قلق الحكومة التركية أيضاً في احتمال تنامي سلطة حكومة إقليم كردستان العراق إلى الحد الذي يشجعها على الانفصال، ومن ثم ينشأ تهديد مباشر للأمن القومي التركي بالنظر إلى إمكانية مطالبة أكراد تركيا بحكم ذاتي مماثل لإخوانهم في شمال العراق.
كما أنها قلقة أيضاً من الاتفاقية لكونها تضعف قدراتها على المساهمة في إعادة توازن القوى في المنطقة، فتركيا تريد أن يكون العراق دولة موحدة وقوية وذات حضور فاعل في بناء توازنات القوى الإقليمية، إذ ليس من مصلحة تركيا أن يظهر العراق الجديد معرّضاً لتكريس الانقسامات الطائفية والمذهبية كما تريد إيران، وتشاركها الولايات المتحدة في ذلك، وليس من مصلحة تركيا أن ينزلق العراق في حرب أهلية، أو أن يقع تحت النفوذ الإيراني الكامل، وهو احتمال يتنامى نتيجة الغياب العربي الكامل عن العراق، لذلك لم ترحّب تركيا الحليف القوي للولايات المتحدة بالاتفاقية وتسعى لتطويق التداعيات السلبية التي يمكن أن تنجم عنها(20).
عربياً: تصادر الاتفاقية إرادة الشعب العراقي وتكبّله بالتزامات من دون أن ترتب على الجانب الأمريكي أية مسؤولية من أي نوع، وتعود بالعراق زمنياً إلى مخطط حلف بغداد في الستينيات، وتنزع العراق من التزاماته العربية حاضراً ومستقبلاً، فهي تجرّده من قراره السياسي والعسكري بما يحظر عليه ضمنياً القيام بأي عمل عربي مشترك، بل إنها تُخرج العراق كلياً من المعادلة العربية، وتجعله رأس رمح أمريكي في الخصر العربي، ومع ذلك فإن الموقف العربي يكتنفه كثير من الغموض، فقد التزم الصمت إزاء هذه الاتفاقية وكأن الأمر لا يعنيه، فالحكومة العراقية لم تحسب هي الأخرى أي حساب لموقف عربي، فهي لم تر أي وجود لهذا الموقف، ولا العرب اهتموا بالعراق كجزء من العالم العربي، وأن ما يحدث فيه لن يكون معزولاً عن حال الأمة كلها، وكل ما استطاعت الدول العربية فعله في الآونة الأخيرة هوالإعلان عن نوايا إرسال بعثات دبلوماسية وسفراء لدعم الحكومة العراقية.
وكان موقف جامعة الدول العربية من خلال تصريح أمينها العام وممثل الجامعة في العراق أنها أوضحت أن اطلاع الجامعة على مضامين الاتفاقية كان شكلياً، وأن الجامعة ليس لها دور فاعل في مجمل الأحداث التي يعيشها العراق في مرحلة ما بعد الاحتلال(21).

الخلاصة

تكشف التجربة التاريخية أن الولايات المتحدة لم تحتل بلداً ثم تتخلى عن الوجو فيه بشكل كامل، فحتى سنوات كان هناك مايربو على مئة ألف جندي أمريكي في ألمانيا، ومازالت هناك قواعد عسكرية أمريكية في اليابان وكوريا، إلا أن الولايات المتحدة أيضاً لم تحاول البقاء في أي بلد ضد رغباته، فقد أغلقت قواعدها في فرنسا بطلب الرئيس الأسبق (ديجول) عام 1966م، وعام 1969م، أغلقت قواعدها في ليبيا بعد طلب قادة الثورة، وفي عام 1979م بعد الثورة الإيرانية أغلقت (27) مركزاً للتنصت لمراقبة اختبارات الصواريخ السوفيتية، وفي الثمانينيات تخّلت عن قواعدها في الفيلبين وباكستان، لكن لا تزال هناك اتفاقات أمنية ووجود أمريكي في حوالي (75) دولة منذ الحرب العالمية الثانية، ومع هذا وذاك فإن الأمر المؤكد أن الدخول الأمريكي للعراق لم يكن مشروعاً لإحلال الديمقراطية وحقوق الإنسان، وأن القوات الأمريكية لم تأت إلاّ لتحقيق مصالح استراتيجية لبلادها، يقف على رأسها المتغير النفطي، إضافة إلى المزايا التي تتوافر في العراق، والتي يمكن أن تجعل منه قاعدة انطلاق مستقبلية للسياسة الأمريكية في المنطقة، فهو يقع في أعلى دول الخليج العربي، وعلى مقربة من دول آسيا الوسطى حيث الثروات الطبيعية الضخمة، كما أنه متاخم لإيران التي تنظر إليها الولايات المتحدة باعتبارها العدو الأبرز، يُضاف إلى ذلك أن السيطرة مهمة، وعلاوة على ذلك، فإن العراق لم يعد يؤرق إسرائيل، وبإمكانها الاستثمار في أسواقه وأن تبدأ عهداً جديداً من الغزو الاقتصادي له.
والأمر المؤكد أيضاً أن الدخول الأمريكي للعراق والخروج المستقبلي منه إذا ما تم يجيء ضمن مخطط لصالح إيران التي تُعد الفاعل واللاعب الأول في الساحة العراقية، فالولايات المتحدة عبر هذه الاتفاقيات تمكنت من تأمين مستقبل العراق بالصورة التي تريدها له واشنطن لضمان عدم خروجه مستقبلاً على قواعد اللعبة الإقليمية والدولية حسب الرؤية الأمريكية

الهوامش

1. محمد السعيد ادريس، الاتفاقية الأمنية بين طهران وواشنطن، مجلة السياسة الدولية، العدد (175)، يناير 2009م، ص 190.
2. عثمان المختار، العراق: الاتفاق على شرعية الاحتلال، صحيفة (المصريون) WWW.almesreeen.net.، وللوقوف على تفاصيل المحاور الثلاثة: راجع مصطفى زنكنة، وثيقة إعلان مبادئ، خطة جديدة للانسحاب من العراق بأقل خسائر على موقع: WWW.baghdch.tv.
2. أهم البنود التي تتضمنها الاتفاقية العراقية الأمريكية BBC Arabic.com، ويمكن الوقوف على النص الحرفي للاتفاقية من خلال موقع شبكة الأخبار العربية httpmoheet.com/news، 28-11-2008م.
4. جهان مصطفى، رأس المالكي أوالاتفاقية الأمنية، نيولوك فضائح أمريكا 28-11-2008م، شبكة الأخبار العربية (محيط)، www.moheet.com.
5. شاكر النابلسي، هل ستنجح استراتيجية أوباما تجاه العراق، الحوار المتمدن، العدد (2373)، 14-8-2008م.
6. محمد الأنور، العراق: استراتيجية أمريكية جديدة للانسحاب، وتأهب إيراني لملئ الفراغ، صحيفة الأهرام المصرية، العدد (44648)، 4-3-2009م.
7. نبيل شعيب، اتفاقية بوش والمالكي باطلة عقدت بليل، www.islamonline.net.
8. المرجع السابق.
9. الشيطان يكمن في التفاصيل، 28-11-2008م، شبكة محيط الإخبارية.
10. محمد السعيد ادريس، نهاية المطاف الأمريكي في العراق، صحيفة الأهرام، العدد (44588)، 23-12-2008م.
11. سعد محيو، العراق سيعود إلى نقطة الصفر، صحيفة الدار العراقية، 4-5-2009م، wwwiraq.ina.com.
12. نزار السامرائي، العراق من الأمن النسبي إلى العنف المطلق، جريدة البصائر العراقية، العدد (280)، 6-5-2009م.
13. بسام العسلي، الاستراتيجية الأمريكية والعالم العربي والإسلامي، مجلة كلية الملك خالد العسكرية، العدد (77)، يونيو 2004م، ص 34.
14. يوسف مكي، خطة الانسحاب الأمريكي من العراق، غموض متعمد، صحيفة الوطن السعودية، العدد (3078)، 4-3-2009م.
15. خليل حسين، الاستراتيجية الأمريكية تجاه العراق، وخلفيات الاتفاقيات الأمنية، مركز باحث للدراسات http//drkhalihussen.mektoob.net.
16نيكولا ناصر، قرار الانسحاب الأمريكي من العراق تكتيكي، دار الخليج، www.alkhaleej.ael.
17. أشرف محمد كشك، الاتفاقية الأمنية بين العراق وأمريكا وتداعياتها الإقليمية، صحيفة الأهرام، العدد (4439)، 19-6-2008م.
18. لطفي حاتم، إعلان المبادئ والحماية الأمريكية للعراق، www.almedapaper.php.
19. محمد السعيد ادريس، الاتفاقية الأمنية العراقية بين طهران وواشنطن، مجلة السياسة الدولية، العدد (175)، يناير 2009م، ص 190.
20. ابراهيم البيومي غانم، الرؤية التركية للاتفاقية الأمنية في العراق، الجمعية التركية العربية للعلوم والثقافة والفنون، www.turkisharab.com.
21. خالدة الحبيطي، موقف جامعة الدول العربية من الاتفاقية، صحيفة دنيا الرأي http//pulpit.alwatanvoice.com.

 

 


   

رد مع اقتباس