يمثل البعد القانوني لهذا الملف أحد أخطر أوجه القضية، إذ يتصل مباشرة بمسؤولية إسرائيل كقوة احتلال تجاه الأسرى والمتوفين في سجونها، وبمدى احترامها للاتفاقيات الدولية ذات الصلة، وفي مقدمتها
اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 التي تنص بوضوح على احترام الموتى في النزاعات المسلحة وحظر الاعتداء على جثثهم.
إن ما أوردته التقارير الحقوقية والطبية بشأن حالة الجثث الفلسطينية المعادة من إسرائيل يضع دولة الاحتلال في مواجهة مباشرة مع هذه الاتفاقيات.
فبحسب تقرير إخباري حقوقي نشر على موقع
الأمم المتحدة للأخبار بتاريخ 16 أكتوبر/تشرين الأول 2025، فإن "خبراء الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان دعوا إسرائيل إلى فتح تحقيق فوري وشامل في مزاعم تعذيب الأسرى الفلسطينيين والإساءة إلى جثثهم بعد وفاتهم".
ويعبر هذا البيان الأممي عن إدراك متزايد بأن ما يحدث لا يندرج ضمن "تجاوزات فردية"، بل في إطار نمط ممنهج من الإهمال والإذلال، يتطلب مساءلة قانونية ومتابعة قضائية.
كما أشار تقرير قانوني صادر عن موقع
هيومن رايتس ووتش قبل أيام إلى أن "الأدلة الأولية من الصور وتقارير الأطباء تشير إلى ارتكاب أعمال تعذيب واضحة وانتهاك لكرامة الموتى، بما يخالف المادة 130 من اتفاقية جنيف الرابعة".
هذا الربط القانوني بين الوقائع الميدانية والنصوص الدولية يجعل من القضية انتهاكا مركبا لا يمكن الاكتفاء فيه بالإدانة الأخلاقية، بل يستدعي تدخلا قانونيا من
المحكمة الجنائية الدولية أو آليات التحقيق الأممية المستقلة.
وفي السياق ذاته، نشرت صحيفة واشنطن بوست تقريرا بعنوان "إسرائيل تواجه دعوات دولية للتحقيق في الانتهاكات بحق الأسرى الفلسطينيين"، جاء فيه أن: "عددا من المنظمات الحقوقية قدّمت مذكرات إلى مجلس حقوق الإنسان تطالب بإنشاء لجنة تحقيق خاصة في سلوك إسرائيل تجاه الأسرى والمحتجزين، بما في ذلك التعذيب والتنكيل بالجثث".
ويشير تزايد الأصوات الدولية المطالبة بالمحاسبة إلى تحوّل هذه الجريمة من شأن "حقوقي فلسطيني داخلي" إلى قضية دولية تمس منظومة العدالة العالمية.
ويؤكد تقرير إخباري نُشر على موقع منظمة العفو الدولية "
أمنستي" على أن "احتجاز الجثث والتنكيل بها انتهاك لحقوق الإنسان ويُعد شكلا من أشكال العقوبة الجماعية التي يحظرها القانون الدولي الإنساني".
ويظهر مفهوم العقوبة الجماعية أن التنكيل بالجثث لا يستهدف الأموات فحسب، بل يرمي إلى معاقبة المجتمع بأكمله، عبر صدمة جماعية تولّد الخوف واليأس.
وبذلك يتضح أن القضية القانونية تتجاوز إطار الشكوى الفردية أو الحقوقية لتصل إلى جريمة حرب محتملة، تستوجب المحاسبة وفق نظام روما الأساسي للمحكمة
الجنائية الدولية.
فالمادتان (7) و(8) من النظام تُدرج التعذيب والتشويه والتمثيل بالجثث ضمن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وهو ما يجعل هذه الانتهاكات خاضعة لمسؤولية مباشرة أمام
المجتمع الدولي.