ولا تتوقف محاولات الصين للكشف عن المقاتلات الشبحية، فمثلا في سبتمبر/أيلول 2023 أعلن فريق بحثي يعمل لصالح القوات الجوية لجيش التحرير الشعبي الصيني عن تمكنهم بنجاح من اكتشاف طائرة تشبه في مقطعها الراداري مقاتلات إف-22 وإف-35 الأميركيتين، بالاعتماد على الموجات الكهرومغناطيسية الصادرة من أقمار ستارلينك التابعة لشركة سبيس إكس.
وتشتهر شركة سبيس إكس، المملوكة
لإيلون ماسك، بامتلاكها أوسع شبكة أقمار صناعية في مدار أرضي منخفض، بعدد تخطى 6 آلاف قمر صناعي تولد إشارات عالية التردد لتوصيل الإنترنت بسرعات عالية.
وفي تجاربهم، قام الفريق بإطلاق مسيرات صغيرة الحجم من طراز "دي جي آي فنتوم 4 برو" في السماء تمتلك نفس المقطع الرادارى لهاتين الطائرتين قبالة ساحل مقاطعة غوانغدونغ جنوبي
الصين، وتم التقاط أثرها، بل وحركتها على شاشة الرادار.
وأوضح العلماء أن هذا كان ممكنا لأن المسيرة كانت مضاءة بإشعاع كهرومغناطيسي من قمر صناعي من فئة ستارلينك يمر فوق الفلبين.
وبحسب الدراسة، التي أعلن هذا الفريق أنها قبلت للنشر في دورية "جورنال أوف سيجنال بروسيسنج"، فإن الرادار الخاص بهم لم يصدر أي إشعاع، لكنه عمل كمستقبل للإشارات الكهرومغناطيسية التي تبثها أقمار الاتصالات مثل ستارلينك عندما تحلق فوق المجال الجوي، وقد انحرفت بوجود المسيرة فأشارت إلى وجودها.
أوضح الباحثون أنه يمكن دائما التقاط أثر الطائرات الشبحية حينما تعبر بين الأقمار الصناعية أعلى الغلاف الجوي ومستقبلاتها على الأرض، وكلما كان عدد الأقمار الصناعية أكبر (وهو ما يتوقع أن يحدث مستقبلا) كانت الطائرات أسهل في الكشف.
وينوي هذا الفريق البحثي استكمال تجاربهم على طائرات شبحية حقيقية تطير على ارتفاعات كبيرة، للتأكد من نتيجة أبحاثهم، لأنه على الرغم من أن المقطع الراداري للمسيرات الصغيرة مشابه للطائرات الشبحية، فإن المسيرات طارت على ارتفاعات منخفضة.
في الواقع، يرى بعض الخبراء أن "عصر التخفي" بسماته الحالية أشرف على الانتهاء، فالأمر لا يقف فقط عند محاولات الصين، بل
هناك تقنيات ناشئة باتت تهدد عالم التخفي كاملا، مثل الرادارات منخفضة التردد التي لا تتأثّر بسهولة بزوايا الطائرة، وتستطيع رصدها حتى لو بدقة محدودة.
إلى جانب ذلك فهناك تطور كبير في الرادارات متعددة المواقع، حيث تُفصل محطة الإرسال عن الاستقبال، مما يجعل من الصعب على الطائرة أن تخدع جميع الاتجاهات في وقت واحد.
أما أنظمة التتبّع بالأشعة تحت الحمراء الحديثة فباتت ترصد حرارة جسم الطائرة أو محرّكها من مسافات بعيدة، وبدقة غير مسبوقة، دون بثّ إشارات يمكن اكتشافها.
وبالطبع يأتي الذكاء الاصطناعي ودمج البيانات ليضيف طبقة من التعقيد على هذا النطاق، حيث يمكن للأنظمة الذكية دمج إشارات متفرقة من رادارات، وهوائيات مدنية، وأقمار صناعية لتكوين "صورة تتبع" دقيقة لهدف خفي.
والواقع أن الجيوش الكبرى، بما في ذلك الجيش الصيني، بدأت بالفعل بتطوير مفهومها عن "التخفي" ودمجه في عقيدة جديدة تشمل التخلي عن سياسة "البطل المنفرد"، بل أصبحت الطائرة المقاتلة الشبحية عقدة ضمن شبكة تواصل تنسّق بين طائرات، وسفن، وصواريخ.
في هذا السياق يتدخل الذكاء الاصطناعي وتكتيكات الأسراب، فمئات الطائرات الصغيرة غير المأهولة تُربك الدفاعات المعادية بعددها الكبير وتنوّع مساراتها، وبذلك فإنها رغم ظهورها على الرادار، تمثل نوعا من التخفي.
وحتى لو تم رصد الطائرة، بات يمكن استخدام التشويش المتقدم والخداع لإرباك العدو ومنع قفل الرادار عليها، بمعنى أنه يمكن للرادار "رؤية" المقاتلة، لكن يصعب عليه أن يركّز عمله عليها ويحتفظ بموقعها وسرعتها بشكل مستمر لكي يوجه سلاح الدفاع الجوي ناحيتها.
في النهاية، فما يجري اليوم هو سباق أزلي بين التخفي والكشف، الأمر أشبه بلعبة شطرنج بين فريقين، الأول يبتكر مبدأ علميا ويطبقه هندسيا، والثاني يكتشف ثغرات فيه، فيحل الأول المشكلة، ويجد الثاني ثغرة في الحل، وهكذا بلا توقف.