من المستحيل التأكُّد مما إذا كانت كوريا الشمالية مُلِمَّة بكيفية تثبيت الرأس النووي على مقدمة هذه الصواريخ، بيد أن الدلائل المتاحة تُرجِّح إلمامها بالأمر. وعلى الأرجح فإن البلاد تسير في طريقها نحو الخطوة التالية: تثبيت العديد من الرؤوس الحربية على صاروخ واحد، مما يسمح لها بإحباط دفاعات الولايات المتحدة الصاروخية. إن ما عُدَّ بالأمس محض افتراض -ضربة نووية من كوريا الشمالية ضد الأراضي الأميركية- ما انفك يتحوَّل إلى إمكانية واقعية. ومع ذلك، فما زال من غير المتوقَّع أن تشن كوريا الشمالية هجوما نوويا على الولايات المتحدة، مع علمها بأنها ستواجه خطر الردِّ المُدمِّر، فهي تتمسَّك بقنابلها النووية من أجل استمرار النظام الحاكِم فيها ليس إلا.
قليلة هي الدول التي أقدمت طوعا على إنهاء برامجها النووية أو التخلي عن أسلحتها النووية، وغالبا ما تطلَّب ذلك شكلا أو آخر من أشكال تغيير النظام السياسي فيها. وكوريا الشمالية ليست استثناء في هذا الصدد، إذ إن أسلحة بيونغ يانغ النووية بالنسبة لها ثروة عسكرية ووثيقة تأمين ومصدر أساسي لهيبة الدولة في آنٍ واحد. ولا ترغب عائلة "كيم"، التي حكمت البلاد دون انقطاع منذ عام 1948، السير على خُطى صدام حسين أو معمر القذافي، وهما اثنان من الطغاة الذين لم يلبثوا أن تخلوا عن برامج بلادهم لأسلحة الدمار الشامل حتى أُطيح بهم وقُتلوا. لقد بات القادة في بيونغ يانغ مقتنعين بأنه ما من أحد، ولا حتى قوة عظمى مثل الولايات المتحدة، يجرؤ على مهاجمة دولة مُدجَّجة بأقوى سلاح ممكن، أو حتى عرقلة مصالحها بشكل جدِّي.
خطة الحرب المستحيلة عام 1994
لربما كانت أحداث عام 1994 هي أفضل فرصة حظيت بها الولايات المتحدة على الإطلاق لمحو تقدُّم كوريا الشمالية النووي نهائيا. فقد كانت جهود بيونغ يانغ للتخصيب آنذاك تسير على نحو جيد، وكان النظام يتجهَّز لإزالة قضبان الوقود النووي من مفاعله للأبحاث في مدينة "يونغبيون"، وبحسب توقعات الخبراء، حوت تلك القضبان داخلها من البلوتونيوم المُخصَّص لصناعة الأسلحة ما يكفي لإنتاج ست قنابل نووية. ورغم الضغوط الشديدة، رفضت بيونغ يانغ منح المفتشين الدوليين صلاحية دخول الموقع.