في 23 يونيو/حزيران الماضي، أعلن فوتشيتش وقف بيع الذخيرة لإسرائيل خلال عدوانها على إيران، مبررا ذلك بأن الطرفين صديقان لبلاده، وأن أي استئناف للتصدير يتطلب قرارا خاصا.
وبينما أشارت صحيفة هآرتس إلى أن القرار جاء بدافع الحفاظ على التوازن بين الجانبين، رجّحت كذلك أن التوبيخ العلني الذي تلقاه فوتشيتش من الكرملين بسبب إرسال أسلحة
لأوكرانيا لعب دورا في اتخاذ هذا الموقف.
ويرى الباحث المتخصص في السياسة الصربية أرتيوم كيربيش إينوك، في حديثه للجزيرة نت، أن هذه التصريحات كانت موجهة أساسا للرأي العام الدولي، مشيرا إلى فضيحة سابقة حين عثر على أسلحة صربية لدى الجيش الأوكراني رغم تأكيد فوتشيتش للحياد، وهو ما يكشف -وفقا له- تناقضا معتادا بين المواقف المعلنة والحقيقة.
يتطابق ذلك مع معطيات كشفتها هآرتس، فبعد ساعات فقط من التصريح هبطت في بلغراد طائرة شحن إسرائيلية من طراز بوينغ 747 مطلية بالكامل باللون الأبيض، أقلعت في اليوم التالي نحو قاعدة "نباطيم" الجوية في صحراء
النقب، وعند سؤاله عن الأمر اكتفى بالقول إنه لا يستطيع الإفصاح عما هبط أو أقلع من هناك.
وتكشف البيانات أن صربيا أرسلت خلال 6 أشهر فقط شحنات تجاوزت قيمتها ما تم تصديره طوال العام السابق، وفق تقرير نشرته صحيفة هآرتس في 5 أغسطس/آب الجاري.
ويُفسر إينوك أن استمرار هذه الصفقات يعود إلى مصالح اقتصادية ضيقة، إذ يعتمد نحو 24 ألف صربي على الإنتاج العسكري كمصدر دخل مباشر، و150 ألفا بشكل غير مباشر، وهو ما يجعل الحكومة تقدّم الربح على حساب الموقف الأخلاقي من الحرب على غزة.
كما أظهر تحقيق مشترك بين صحيفة هآرتس وشبكة البلقان للصحافة الاستقصائية "بيرن" أن النصف الأول من عام 2025 شهد تصدير أسلحة إلى إسرائيل بقيمة 55.5 مليون يورو، محطمة الرقم القياسي السابق البالغ 48 مليون يورو في العام الماضي.
ويصف إينوك هذا الأمر بأنه مثال على سياسة "اللعب على الحبلين" التي تتبعها بلغراد؛ إذ تدين الحرب والإبادة لفظيا، لكنها تواصل عمليا دعم المعتدي، مضيفا أن إسرائيل قد لا تكون الحليف الأهم لصربيا، لكنها شريك مربح يوفّر لها مكاسب سياسية واقتصادية، خصوصا مع دعم تل أبيب لموقفها في إنكار
الإبادة الجماعية في البوسنة.
وخلال الفترة نفسها، سجلت بيانات الطيران العلنية ما لا يقل عن 16 رحلة شحن إسرائيلية إلى بلغراد، حملت الأسلحة المطلوبة من قبل
جيش الاحتلال، في ظل رفض الحكومة الصربية الكشف عن طبيعة هذه الشحنات.
لم تكن الأرقام القياسية في صادرات السلاح من صربيا إلى إسرائيل مجرد نشاط حكومي منظم، بل تقف خلفها شبكة معقدة من الشركات، تجمع بين كيانات رسمية وأخرى خاصة، ترتبط جميعها بعقود وصفقات تمتد من مصانع الذخيرة في بلغراد إلى ميادين القتال في غزة.
تتصدر شركة إنتاج الأسلحة الصربية "يوغوإمبورت إس دي بي آر" (Yugoimport–SDPR) المشهد، إذ تستحوذ على الحصة الأكبر من الصادرات، وهي مملوكة للحكومة بشكل كامل وتصنف نفسها على موقعها الرسمي بأنها العمود الفقري لصناعة السلاح في صربيا، وواجهة الدولة في سوق الأسلحة العالمي.
ومن إجمالي صادرات عسكرية بلغت 55.5 مليون يورو إلى إسرائيل في النصف الأول من هذا العام، استحوذت شركة يوغوإيمبورت على أكثر من 50 مليون يورو، بينما تولّت 4 شركات خاصة صربية تصدير المبلغ المتبقي، وهي: