ستلعب الكلاب الروبوتية وفق هذا السياق دورا مهما، حيث يمكنها نشر رسومات الخرائط واستكشاف التضاريس غير المألوفة أو الخطرة. ويمكن لأجهزة الاستشعار والكاميرات الخاصة بالكلب الروبوتي توفير مقاطع مصورة وبيانات في الوقت الفعلي لوحدات القيادة. كما يمكن استخدامه لمهام الاستطلاع الخفي لجمع المعلومات الاستخبارية عن مواقع العدو وتحركاته، أو المشاركة في دوريات لتأمين المحيط، وتنبيه المشغلين البشريين إلى أي اقتحامات أو نشاط غير اعتيادي.
إضافة لذلك، يمكن استخدام هذه الروبوتات للكشف عن الأجهزة المتفجرة ومن ثم تحييدها، كما يمكنها حمل الإمدادات والذخيرة والمعدات الطبية عبر ساحة المعركة. وفي المناطق التي تعاني من ضعف البنية التحتية للاتصالات، يمكن للكلاب الروبوتية أن تعمل كمرحّلات اتصالات متنقلة، مما يوسع نطاق وموثوقية شبكات الاتصالات العسكرية.

أما مسألة العمل جنبًا إلى جنب مع جنود بشريين، فتلك قصة أخرى، حيث يمكن استخدام هذه الكلاب الروبوتية لإنشاء حالة من التشتيت، عبر جذب نيران العدو أو انتباهه بعيدًا عن القوة العسكرية التي تتسلل إلى مكان ما، ويمكن أن يكون هذا مفيدًا بشكل خاص في سيناريوهات الكمائن. وفي هذا النطاق تُجهَّز الكلاب الروبوتية بآليات الصوت والحركة لمحاكاة الوجود البشري، وبالتالي إرباك العدو بشأن مواقع القوات، كما يمكن لهذه الكلاب المسلحة الاشتباك مع الأهداف مباشرة في السيناريو ذاته.
وفي فرقة ذات مهام متكاملة، يمكن للكلاب الروبوتية أن تتولى زمام المبادرة، وتتحرك أمام الجنود البشريين لكشف التهديدات وتطهير المسارات، كما حصل في حالة الكلاب الصينية، أو أن تلعب دور الحرس الخلفي، فيتم نشرها لمراقبة وحماية مؤخرة الوحدات القتالية المتقدمة؛ من الهجمات المفاجئة. كما يمكن استخدام الكلاب الروبوتية لتنفيذ مناورات التطويق، ومهاجمة العدو من الجانبين، فبينما يقاتل الجنود البشريون من الأمام، تقاتل الكلاب الروبوتية من الخلف، وهذا قد يؤدي إلى خلق حالة من الارتباك لدى العدو وتعطيل تشكيلاته.
الصين القادمة
وفقًا للاتحاد الدولي للروبوتات، تم تركيب عدد قياسي بلغ 553 ألف روبوت صناعي خلال عام 2022، وارتفع المخزون التشغيلي العالمي إلى 3.9 ملايين قطعة بحلول نهاية العام نفسه. ومرة أخرى، كانت آسيا المحرك الأكبر لهذا النمو، حيث تم تركيب 73% من الروبوتات خلال العام المذكور؛ في دول القارة، بل وشكلت الصين وحدها أكثر من نصف التركيبات الجديدة، مما يجعلها أكبر سوق للروبوتات في العالم.

بالطبع، فإن ما سبق لا يتعلق بالصناعات العسكرية تحديدا، لكنه مؤشر مهم على خطة الصين لتحويل كل شيء تقريب
ًا إلى أيادي الروبوتات، وفي هذا السياق تعمل إدارة البلاد على تطوير قواعد ابتكار وإنتاج وصيانة الروبوتات بشكل مدهش. وليس مستغربا أن يأمل الصينيون السيطرةَ على العرض العالمي للمكونات الأساسية لصناعة الروبوتات بحلول عام 2025، وتحقيق الهيمنة العالمية في تصنيع الروبوتات الشبيهة بالبشر بحلول عام 2027.
في الصين أيضا يتم تشجيع الكيانات العسكرية والتجارية والأكاديمية على تطوير وتبادل الاختراقات في التكنولوجيات بشكل مشترك، وتعد الروبوتات استخداما مثاليا لهذا "الاندماج"، حيث تتفوق الشركات التجارية على نظيراتها العسكرية في تقنياتٍ مثل التشغيل والملاحة المستقلة والذكاء الاصطناعي والمكونات المتقدمة.
وفي هذا السياق، دعا الرئيس الصيني
شي جين بينغ، إلى أن تصبح البلاد رائدة عالمية في مجال الذكاء الاصطناعي، الذي يعد الجانب المكمل للصناعات الروبوتية، بحلول عام 2030، كما وضعَ الابتكارَ العسكري في قلب البرنامج، وشجّع جيش البلاد على العمل مع الشركات الناشئة في القطاع الخاص، ومع الجامعات.
وفي خطاب من المجلد الأول من سلسلة كتب "حوكمة الصين" بعنوان "الانتقال إلى النمو المدفوع بالابتكار"، يقول الرئيس شي إن "الثورة الصناعية الحالية ستكون ثورة روبوتية"، وإنها "ستعيد تعريف التصنيع العالمي والأمن الأوسع". وعلى هذا النحو، يرى الرئيس شي أنه من الضروري أن تصبح الصين أكبر مصنع في العالم للتكنولوجيا من هذا النوع، ويمضي قائلا إن "التكامل بين تكنولوجيا الروبوت والجيل الجديد من تكنولوجيا المعلومات هدف رئيسي" في هذا السياق.
تدخل الصين حاليًا كمنافس قوي للولايات المتحدة في تصنيع الروبوتات للأغراض العسكرية، وبناء أفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي، لأنها ببساطة تمتلك ما يكفي من البنية التحتية للخروج من هذا النوع من المنافسات منتصرة، خاصة في سياق أن الأجهزة الروبوتية العسكرية لا تختلف كثيرا عن الروبوتات المدنية، وهذا ما لاحظناه مثلا في حالة شبيه "جو2" الذي استخدمه الجيش الصيني.
يضاف ذلك كله إلى مخاوف الكونغرس الأميركي. ورغم أن الولايات المتحدة والصين تلتزمان حتى الآن بعدم إدخال الروبوتات المقاتلة، لدرجة أن بكين أعطت بعض الأمل للناشطين الذين يطالبون بحظر مثل هذه الأسلحة؛ عبر إيضاح أنها ضد استخدامها في ساحة المعركة. ورغم تلك التصريحات، فإن ذلك لم يمنع الدولتين من المضي قدمًا في تطويرها أو إنتاجها، بل وتجريبها.
وكان ثمرة هذا المضيّ المتسارع نحو تطوير سوق الأسلحة الروبوتية تحديدًا، هو تضاعف حجم هذه الصناعات من حيث القيمة السوقية عامًا بعد عام، بحيث بات من المتوقع أن يصل إلى نحو 33 مليار دولار بحلول عام 2030، وهذا لا يشمل إلا المعلن عنه فقط. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الروبوتات العسكرية مستخدمة في أرض المعركة بالفعل، لكن لغير أغراض الاشتباك أو القتال المباشر، فمثلا تستخدم الكلاب الروبوتية (أو أية تقنيات شبيهة) في مسح منطقة القتال، وتفكيك المتفجرات، وإيصال الدعم إلى الجنود في ساحة المعركة، وأغراض الاستخبارات، وغيرها من الاستخدامات.

صراع خاص جدا
كل ما سبق يصب بشكل خاص في مصلحة دول مثل الصين وروسيا والهند، فهي لا تتمكن بسهولة من منافسة الولايات المتحدة في سوق قائم بالفعل كانت لها سيادة عليه طوال عقود مضت، لتصنيع مختلف أنواع الأسلحة التقليدية البحرية والبرية والجوية، لكن هذه الدول بدأت مع الولايات المتحدة في سوق الصناعات العسكرية الناشئة، ومن المحتمل أن تتقدم عليها خلال السباق ناحية أي من تلك الصناعات.
ولا يقف ذلك عند الروبوتات العسكرية فحسب، بل يمتد إلى الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية، وحرب المسيّرات، والحرب السيبرانية، والصواريخ الفرط صوتية.. إلخ. إن استخدام هذه النوعية من الأسلحة قد يتم خلال حرب غير متكافئة، حيث يستخدم أحد الجانبين التكنولوجيا المتقدمة للتعويض عن المزايا العددية أو العسكرية أو الجغرافية للجانب الآخر.
إلى ذلك، يعتبر مخططو الدفاع والاستراتيجيون في الصين أن الروبوتات والأنظمة غير المأهولة بشكل عام تمثل جزءا من اتجاه أوسع في طبيعة الحرب لتصبح ذات ثلاث سمات رئيسية؛ أكثر دقة، وبعيدة المدى، وشبكية.
وبحسب دراسة أصدرتها لجنة مراجعة العلاقات الاقتصادية والأمنية بين الولايات المتحدة والصين التابعة للكونغرس، فإن المقالات المنشورة على موقع وزارة الدفاع الصينية والإصدارات الموثوقة مثل مجلة "علم الاستراتيجية العسكرية"، تؤكد على الأهمية المتزايدة لمنصات الأسلحة بعيدة المدى والدقيقة والذكية والخفية وغير المأهولة، وهي القاعدة التي يتفق معها الكتاب الأبيض الدفاعي الصيني لعام 2015.
وبينما كانت الميزة التكنولوجية محركًا أساسيًا للقوة العسكرية الأميركية، يهدف الجيش الصيني إلى تحدي هذه الهيمنة عبر تشغيل تقنيات المقاتلين الروبوتيين المدعومين بالذكاء الاصطناعي في الحرب المستقبلية، من أجل التعويض عن تفوق الولايات المتحدة في التقنيات العسكرية الأخرى.
بل ودفعت قدرة الصين على منافسة الولايات المتحدة أو تجاوزها في مجال الذكاء الاصطناعي؛ الجيشَ الأميركي إلى إعادة النظر في ظهور الجيش الصيني كمنافس هائل في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وإعادة النظر في آفاق المنافسة التكنولوجية بين البلدين.
في الواقع، يبدو أن واشنطن تواجه بالفعل مشكلة كبيرة في هذا النطاق، ففي مقالة بحثية صدرت بمجلة "فورين أفيرز"، يقول الجنرال الأميركي مارك مايلي، والبروفيسور إيرك شميدت، إن الولايات المتحدة كما يبدو ليست مستعدة لمستقبل تحكمه مثلُ هذه الأسلحة التي تجعل من حروب المستقبل أقل اعتمادا على الحشد، وأكثر اعتمادا على الأسلحة ذاتية التحكم والخوارزميات القوية.
وعلى الرغم من أن الحروب كانت دائما تحفز الابتكار، فإن الأمر هذه المرة مختلف، وكما يرى مايلي وشميدت، فإنه متسارع بشكل كبير، مقارنة بما سبق من تاريخ التقنيات العسكرية كله، وهو ما يضع الولايات المتحدة، التي تتخلف عن دول أخرى في هذا النطاق، في أزمة تهدد بفقدان مركزها الأول، كأقوى جيش في العالم.
وقبل عدة سنوات أصدرت لجنة الأمن القومي الأميركي للذكاء الاصطناعي تقريرها للحكومة، وأوضحت فيه أن استخدام الذكاء الاصطناعي في الحرب -الأمر الذي بدأ بالفعل- سيُشكّل ثورة تقنية تتخطى في أثرها اكتشاف كلٍّ من البارود والسلاح النووي. وأوصت اللجنة بمضاعفة الاستثمار في البحث العلمي الخاص بهذا النطاق عاما بعد عام.
الخطوة الأخطر: الاستقلالية
في مقال نشرته صحيفة "فايسكال تايمز" عام 2013، يستشهد ديفيد فرانسيس بأرقام وزارة الدفاع الأميركية، التي تظهر أن "كل جندي في أفغانستان يكلف البنتاغون قرابة 850 ألف دولار سنويا"، بينما تبلغ تكلفة أحد الروبوتات الصغيرة المسمى "تالون" وتجهيزه بالأسلحة 230 ألف دولار فقط. وعليه، اقترح القائد السابق لقيادة التدريب والعقيدة بالجيش الأميركي، الجنرال روبرت كون، في ندوة طيران الجيش لعام 2014 أن يتم الاعتماد بشكل أكبر على "الروبوتات الداعمة"، وأنه بذلك يمكن للجيش في النهاية تقليل حجم اللواء من 4000 إلى 3000 جندي، دون أن يصاحب ذلك انخفاض في الفعالية.
يرى المحللون الصينيون أن هذا الكلام ليس مجرد رأي فردي، بل هو عقيدة معاصرة للجيش الأميركي، حيث يعتقدون أنه ينوي تبني الأنظمة غير المأهولة مثل المسيّرات والروبوتات الأرضية مع انتقاله من أفغانستان والعراق وحاجته الماسة إلى التكيف مع التخفيضات في الإنفاق العسكري. وتؤكد بعض التقارير الصينية أنه بحلول عام 2040، قد يفوق عدد الروبوتات عدد البشر في الجيش الأميركي، وفي عصر "ما بعد أفغانستان"، ستكون هناك ثلاثة اتجاهات سائدة، أهمها "تكاملٌ أكبر للتكنولوجيا والقوى العاملة"، بحسب دراسة نشرتها دورية "كورنيل إنترناشيونال أفيرز".
إذن، تعمل الصين والولايات المتحدة في طريق تنافسي صدامي واضح، مبني على أن الطرف الآخر لا يتوقف في تطويره للمنصات من هذا النوع، وهنا نتجه لتوسيع الحديث بعيدًا عن الروبوتات المقاتلة على الأرض لنضم المسيّرات الجوية والمسيرات المائية (الغواصات غير المأهولة)، وصولًا إلى تشغيل الأسلحة الحالية بأدوات الذكاء الاصطناعي، مثل طائرات الجيل السادس على سبيل المثال، التي يعتقد أن نسخا أساسية منها ستكون غير مأهولة.
ومع التسارع الشديد في تطوير الكلاب الروبوتية والذكاء الاصطناعي، يعرف الخبراء أنه في مرحلة ما سينطلق هذا السباق في الاتجاه الذي تريده كل التكنولوجيا العسكرية تقريبا، وهو الاستقلالية.
يبحث العميل، وهو هنا عادةً دولة ما ترغب في تطوير جيشها، أو ربما قوة غير نظامية تبتغي زيادة قدراتها، عن أسلحة تتمكَّن من السفر نحو الهدف، وتحليل الموقف بأعلى القدرات الحسابية، ثم اتخاذ القرار الأدق والأنسب، وتنفيذه فورا لتحصيل أكبر خسائر ممكنة للعدو، وأن تكون أسلحة قادرة على التعلُّم وزيادة خبراتها ودقتها مع الوقت.
إلى جانب ذلك، يمكن لهذه المنظومات أن تعمل معا في سياق سياسة "القطعان"، أي أن تتبادل المعلومات والبيانات فيما بينها وتنسق القرارات أيضا بحيث تُعظم الأثر العسكري تلقائيا بحسب الخوارزميات التي تحركها، وهو شكل يشبه ضربات الأسلحة المشتركة التي تنسقها الجيوش النظامية التقليدية، ولكن بصورة أكثر دقة وتأثيرا بفارق كبير.
أحد المخاوف الأساسية هو أن أنظمة الأسلحة المستقلة تفتقر إلى الحكم البشري والمنظور الأخلاقي، وهما أمران حاسمان في اتخاذ القرارات بشأن استخدام القوة المميتة، فهناك احتمال قائم بألا تتمكن الأنظمة المستقلة من التمييز بين المقاتلين وغير المقاتلين بشكل فعال، كما أن اتخاذ قرارات دقيقة في ساحات المعارك المعقدة والفوضوية أمر شبه مستحيل.
فإذا ارتكب سلاح مستقل خطأ، مثل استهداف المدنيين، فلن يكون واضحا مَن الذي سيتحمل المسؤولية، وهذا يتناقض مع أحد الشروط الأساسية للقانون الإنساني الدولي الذي يتطلب تحميل شخص ما المسؤولية عن الوفيات بين المدنيين في الحروب. إن أي سلاح يستحيل معه تحديد المسؤولية عن الإصابات أو الوفيات التي يسببها؛ لا يفي بمتطلبات قانون الحرب، وبالتالي لا ينبغي استخدامه في الحرب، وهذا أحد الانتقادات الأساسية تجاه عسكرة التكنولوجيا المستقلة.
من جانب آخر، قد تتصرف الأنظمة المستقلة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي؛ بشكل غير متوقع في مواقف تختبر لأول مرة، وما المعركة إلا موقف يحدث لأول مرة، لأن كل معركة لها متغيراتها الخاصة جدا، مما يؤدي إلى عواقب غير مقصودة.
كل هذا ولم نتحدث عن إمكانية تعرض تلك القطع العسكرية للاختراق والهجمات السيبرانية، مما قد يؤدي إلى التلاعب بها بشكل يمكن أن يكون مميتًا، الأمر الذي يمكن بدوره أن يؤدي إلى تصعيدات عرضية أو مهاجمة أهداف غير مقصودة، وهنا تتأجج المعركة ويصبح الجانب السياسي أضعف إلى حد كبير، ومن ثم يخشى الخبراء أن تساعد الأسلحة المستقلة في إضعاف يد العمليات التفاوضية بأخطاء من هذا النوع.
كمثال افتراضي، يمكن أن تستهدف إحدى المسيرات الجوية مواقع نووية للأعداء في معركة ما بناءً على بيانات حديثة واردة للتو لم تُعرض على مشغل بشري. وفي الأجواء الفوضوية للمعركة ودقة عامل الوقت، قد تتعامل دولة مثل روسيا أو الولايات المتحدة مع هذا كتهديد ذي طبيعة نووية، وتبدأ سلسلة الدومينو النووي في التساقط.
لحظة أوبنهايمر
يشير مفهوم "لحظة أوبنهايمر" إلى لحظة من الإدراك العميق يتمكن فيها شخص ما أو إدارة سياسية أو فريق من العلماء من إدراك العواقب الكارثية المحتملة لأفعال أو أفكار ينوي المضي قدمًا فيها، وخاصة في سياق التقدم العلمي أو التكنولوجي أو العسكري، في إشارة إلى تلك اللحظة التي قرر فيها الفيزيائي الأميركي روبرت أوبنهايمر، المضيَ قدما وإجراء أول اختبار ناجح للقنبلة الذرية في يوليو 1945. واستذكر أوبنهايمر، بعدما شهد على القوة التفجيرية الهائلة للقنبلة، بنص من "البهاغافاد غيتا" (الكتاب المقدس في الهندوسية) يقول: "الآن أصبحت الموت، مدمر العوالم".
كانت "لحظة أوبنهايمر" هي النقطة التي أدرك فيها تمامًا الإمكانات الهائلة للدمار العالمي المتوقع الذي تمثله الأسلحة النووية.
نجح مشروع مانهاتن فعلا، لكنه فتح الباب لسباق تسليح نووي ما زلنا نعاني منه إلى الآن، فما إن اشتعلت الأجواء بين الروس وحلف الناتو على خلفية دخول أوكرانيا، وبين الصين والولايات المتحدة على خلفية دخول محتمل إلى تايوان، حتى تحسس الجميع سلاحه. وفي عام 2023 شهد العالم ارتفاعا جديدا في الإنفاق على السلاح النووي، وفقا لتقرير نشرته مؤخرا الحملة الدولية لإلغاء الأسلحة النووية، ليصل إلى 91.4 مليار دولار.
نحن الآن نمر بلحظة شبيهة بالنسبة للأسلحة المستقلة، حيث يعرف العلماء المختصون في هذا النطاق أنها ذات تأثير سلبي على السلام العالمي، وأنها ستفتح الباب لسباق استثنائي يراكم الأسلحة، وبالتالي يؤثر على الاقتصاد كله. كما يعرفون أن هذه الأسلحة يمكن أن تتسبب في تصعيد الصراع العالمي وصولا إلى حرب عالمية ثالثة، وأنها تمثل لحظة شبيهة بتلك التي بدأ معها الصراع النووي في الأربعينيات من القرن الفائت.
هل يمكننا تجاوز مثل تلك اللحظة هذه المرة؟ يبدو للأسف أن البعض لا يتعلم، وبنظرة بسيطة على ما تفعله الصين والولايات المتحدة في هذا النطاق، ومعهما العديد من الدول، فإن تلك اللحظة التي ستغمر فيها الروبوتات الحرب قادمةٌ بشكل بات مؤكدا.