ورغم ما يزخر به الإقليم من ثروات زراعية وحيوانية، إلى جانب احتوائه على معادن نفيسة مثل الذهب، ظل دارفور يعاني من التهميش وغياب التنمية والخدمات الأساسية، ما أدى إلى تفاقم مشاعر الغبن والإقصاء بين مكوناته، وترسّخ حالة من الاحتقان الاجتماعي والسياسي.
يعيش نحو 7 ملايين نسمة في إقليم دارفور ضمن تركيبة قبلية متشابكة، تتصدرها مجموعتان رئيسيتان: العرب الرحّل من الرعاة مثل قبيلتي الرزيقات والمحاميد، والمجموعات الأفريقية الزراعية كالفور والزغاوة والمساليت. ومع توالي موجات الجفاف منذ سبعينيات القرن الماضي، اشتد التنافس بين الرعاة والمزارعين على الموارد الطبيعية، خاصة المراعي والمياه، ما أدى إلى تصاعد التوترات وتحولها تدريجيًا إلى مواجهات مسلحة متكررة، أضفت على الصراع طابعًا عرقيًا متأزمًا.
في ثمانينيات القرن الماضي، اكتسب الصراع في دارفور بعدًا إقليميًا جديدًا بفعل تطورات سياسية متسارعة. فقد أطلق الزعيم الليبي الراحل
معمر القذافي مشروع "الحزام العربي"، الذي قدّم من خلاله دعمًا مباشرًا للقبائل العربية المنتشرة على جانبي الحدود السودانية التشادية، ما أدى إلى عسكرة البنية القبلية في الإقليم، وأضعف دور الإدارة الأهلية التقليدية التي كانت تشكل ركيزة الاستقرار المحلي.
في المقابل، تولى إدريس ديبي السلطة في تشاد، وهو ينتمي إلى قبيلة الزغاوة التي تمتد جغرافيًا بين غرب السودان وشرق تشاد، مما أدخل التوازنات القبلية العابرة للحدود ضمن معادلة التنافس السياسي بين الخرطوم
وإنجمينا وطرابلس، وجعل من دارفور ساحة مفتوحة للتجاذبات الإقليمية.
وعندما اندلع التمرد في عام 2003، إثر الهجوم الذي شنته حركتا تحرير السودان والعدل والمساواة على مطار الفاشر، احتجاجًا على ما وصفوه بالتهميش السياسي والاقتصادي الممنهج، تحوّل الإقليم إلى مسرح تتقاطع فيه المظالم المحلية مع الحسابات الإقليمية، ما عمّق من تعقيدات الأزمة وأطال أمدها.
واجه نظام الرئيس عمر البشير تمرد دارفور في لحظة ضعف استراتيجي، إذ كان الجيش السوداني منهمكًا في خوض حرب ضارية ضد الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة
جون قرنق في الجنوب. وفي ظل هذا الضغط الميداني، لجأت الحكومة إلى خيار بديل تمثل في تسليح مليشيات محلية من القبائل العربية، عُرفت لاحقًا باسم الجنجويد، لتكون قوة غير نظامية في مواجهة الحركات المسلحة في الإقليم.
ورغم فاعلية هذه المليشيات في القتال، فإنها افتقرت إلى الانضباط، وسرعان ما تحولت إلى أداة عنف منفلتة، انخرطت في اقتصاد الحرب القائم على النهب والسلب، وشاركت في أنشطة التهريب عبر الحدود، مما زاد من تعقيد المشهد الأمني والإنساني في دارفور.
واجهت حكومة الخرطوم اتهامات دولية خطيرة بارتكاب جرائم حرب وعمليات تطهير عرقي في إقليم دارفور، ما دفع المحكمة الجنائية الدولية إلى إصدار مذكرات توقيف بحق 5 من كبار مسؤوليها، كان أبرزهم الرئيس عمر البشير.