بعد يومين من زواجه، سافر نابليون من باريس إلى شمال إيطاليا وقاد الجيش الفرنسي المرابط هناك في غزو ناجح للأراضي الإيطالية، بعد أن كان القتال قد تجدد بين فرنسا والنمسا المحتلة شمال شبه الجزيرة الإيطالية، فأحرز نابليون انتصارًا باهرًا على النمساويين في "معركة لودي" وطردهم من منطقة لومبارديا. لكنه عاد وهُزم في "معركة كالدييرو" على يد القوات النمساوية التعزيزية بقيادة المشير "جوزيف ألڤنسكي"، إلا أن بونابرت عاد وأمسك بزمام الأمور وحقق نصرًا حاسمًا على النمساويين في "معركة جسر أركول"، وتابع زحفه ليُخضع الدولة البابوية. عارض نابليون طلب الملحدين من أعضاء حكومة الإدارة، الذين طالبوه بدخول مدينة روما وخلع البابا، قائلاً أن هذا الأمر سيؤدي إلى وجود حالة فراغ في السلطة قد تستغلها مملكة ناپولي لتفرض سيطرتها على تلك الناحية من شبه الجزيرة الإيطالية. وعوضًا عن ذلك، قام نابليون في شهر مارس من سنة 1797، بالتوجه على رأس جيشه إلى الأراضي النمساوية نفسها، حيث فرض على النمساويين إبرام معاهدة سلام مع فرنسا، فاضطروا إلى التسليم وتوقيع معاهدة يوبن التي اعترفت فيها النمسا بالاستيلاء على البلاد المنخفضة النمساوية وضفة نهر الراين اليسرى ولومبارديا في شمالي إيطاليا، كذلك وُضع بند سري في الاتفاقية تعهدت فيه فرنسا بضم جمهورية البندقية إلى النمسا. بعد ذلك زحف بونابرت على البندقية وأخضعها منهيًا استقلالها الذي دام 1,100 سنة؛ وسمح للجنود الفرنسيين أن يغنموا وينهبوا ما تيسـّر لهم من النفائس، مثل تماثيل "أفراس القديس مرقس".
كان للأساليب التي اتبعها نابليون، إضافة لتطبيقه الأفكار العسكرية التقليدية على أرض الواقع، أثرًا حاسمًا على انتصاراته، ومثال ذلك تحويله سلاح المدفعية إلى سلاح متنقل يُسافر مع جيشه من موقع لأخر، الأمر الذي سهل استخدامه ضد الجنود المشاة أكثر من مرة. وقد قال نابليون عن تنظيماته العسكرية في الحملة خلال إحدى الأوقات: "شهدت ستون معركة ولم أتعلم شيءًا غير الذي أيقنته في المعركة الأولى؛ كمثل يوليوس قيصر الذي خاض معركته الأخيرة كما خاض الأولى". كان نابليون ماهرًا في فن الخداع والتجسس، حيث استطاع الفوز في عدد من المعارك بفضل اختياره لمواقع مخفية نشر فيها جنده، وتركيزه أعدادهم على الجوانب الضعيفة من جيش العدو. وكان يُعرف عن نابليون أنه في حال لم يستطع تطبيق استراتيجية التطويق المفضلة لديه، فإنه كان يجعل جنوده يتخذون الموقع الوسطي ويُهاجمون الفرقتين العسكريتين على يمينهم ويسارهم كل على جانبها، ثم يستدير ليُطوق إحداها ويُقاتلها حتى تنسحب من الميدان، ثم يتحرك لقتال الأخرى. أسر الجيش الفرنسي خلال الحملة الإيطالية 150,000 جنديًا، وغنم 540 مدفعًا، و170 راية. خاض الجيش الفرنسي خلال هذه الحملة 67 معركة، وفاز بثماني عشر معركة مدفعية، بفضل المدافع الحديثة التي حازها وبفضل تنظيمات بونابرت واستراتيجياته.
أصبح لنابليون تأثير كبير على السياسة الفرنسية خلال فترة الحملة الإيطالية الأولى، فقد كان نشر صحيفتين إخباريتين مخصصتين للجنود من حيث الظاهر؛ لكنهما كانتا متداولتين بشكل واسع بين الشعب الفرنسي ولهما تأثير على الرأي العام؛ وفي شهر مايو من عام 1797 أسس صحيفة ثالثة حملت اسم "مجلة بونابرت وفضائل الإنسان" (بالفرنسية: Le Journal de Bonaparte et des hommes vertueux)، وقام بنشرها في مدينة باريس. وفي منتصف سنة 1797 جرت انتخابات نيابية حصل الملكيون بموجبها على النسبة الأعلى من الأصوات، الأمر الذي أدى إلى تمتعهم بمزيد من السلطات، وأثار جزع أعضاء حكومة الإدارة. هاجم الملكيون بونابرت معترضين على نهبه المدن الإيطالية، قائلين أنه تخطى صلاحياته وتجاوزها بشكل كبير عند قتاله النمساويين وإبرامه لمعاهدات معهم. فما كان من بونابرت إلا أن أرسل اللواء "بيير أوجيرو" إلى باريس ليقود انقلابًا ويُطهر المدينة من الملكيين، وذلك بتاريخ 18 سبتمبر، الموافق في 15 فروكتيدور من التقويم الفرنسي. أدى هذا الانقلاب إلى إعادة الجمهوريين إلى الحكم واستعادتهم لسلطتهم المفقودة، إلا أنهم كانوا قد أصبحوا معتمدين على نابليون في كل صغيرة وكبيرة، فكان وكأنه قد أصبح فعليًا الرجل الأول في فرنسا، فانصرف إلى إبرام معاهدة سلام مع النمساويين. أسفرت مفاوضات نابليون مع النمسا إلى إبرام "معاهدة كمبوفورميو" التي أقرت فيها الأخيرة بالتنازل عن المناطق التي دخلها الفرنسيون لصالح فرنسا. عاد بونابرت إلى باريس في شهر ديسمبر واستقبله الشعب الفرنسي استقبال الفاتحين، بعد أن حاز على شهرة وصيت أوسع من ذاك الخاص بأعضاء حكومة الإدارة. وفي هذه الفترة التقى بونابرت بوزير خارجية فرنسا الجديد "شارل موريس آل تاليران"—الذي أبقاه نابليون في منصبه عندما أصبح امبراطورًا لاحقًا، وأخذا يُعدان العدة لغزو بريطانيا.
الحملة المصرية
قرر بونابرت بعد شهرين من التخطيط، أن البحرية الفرنسية لا تتمتع بالقوة الكافية التي تمكنها من مواجهة البحرية الملكية البريطانية في القناة الإنگليزية والتغلب عليها. لذا عرض على حكومة الإدارة القيام بحملة عسكرية على مصر واحتلالها للسيطرة على طريق بريطانيا إلى الهند والقضاء على مصالحها التجارية فيها. وكان بونابرت يأمل بأن يضع لفرنسا موطئ قدم في الشرق الأوسط ويُظهر للسكان ذوي الأغلبية الإسلامية أنه صديق للخلافة وحاميًا للإسلام، الأمر الذي من شأنه أن يؤثر في نفوس المسلمين حول العالم وبشكل خاص مسلمي الهند الخاضعين للملكة المتحدة، وسلطانهم "فاتح علي تيبو"، عدو البريطانيين اللدود، مما يُسهل على نابليون التقرب إليه والتدخل في الهند وضرب مصالح بريطانيا فيها. وكان نابليون قد أكّد لأعضاء حكومة الإدارة أنه ما أن ينتهي من فتح مصر سوف يُسارع إلى إبرام علاقات مع الأمراء الهنود، وسوف ينجح، بمساعدتهم، على ضرب البريطانيين في أهم مستعمراتهم.وقد قال تاليران في تقرير له صدر في شهر فبراير من سنة 1798، موجه إلى حكومة الإدارة: "ما أن نفتح مصر وننتهي من تحصينها، سنرسل جيشًا قوامه 15,000 رجل من السويس إلى الهند، للانضمام إلى قوات السلطان تيبو، ومعًا سنطرد الإنگليز من الهند". وافقت حكومة الإدارة على القيام بهذه الحملة، على الرغم من أنها لم ترتاح لأبعادها ولا لتكلفتها، وذلك كي تُبعد بونابرت الذي غدا قائدًا مشهورًا عن مركز القرار في فرنسا.
انتُخب نابليون في شهر مايو من سنة 1798 عضوًا في الأكاديمية الفرنسية للعلوم، وانضم إلى حملته المصرية ما مجموعه 167 عالمًا من علماء الرياضيات، البيئة، الكيمياء، والجيوديسيا؛ وقد حقق هؤلاء عدد من الاكتشافات في مصر لعل أبرزها هو اكتشاف حجر الرشيد، ونُشرت اكتشافاتهم في كتاب حمل عنوان "وصف مصر" (بالفرنسية: Description de l'Égypte) وذلك في سنة 1809.
وفي طريقه إلى مصر، عرج نابليون على جزيرة مالطا بتاريخ 9 يونيو سنة 1798، وكانت هذه الجزيرة خاضعة لفرسان القديس يوحنا ذوي الأصول الفرنسية والبالغ عددهم 200 فارس، منذ عهد الحروب الصليبية، وكان هؤلاء الفرسان ناقمين على قائدهم المدعو "فرديناند زو بولهايم" بما أنه كان بروسي الجنسية وقد خلف قائدًا فرنسيًا، ورفضوا قتال الفرنسيين أشد الرفض، معتبرينهم إخوانهم من شحمهم ولحمهم. استسلم فرديناند للجيش الفرنسي بعد مقاومة رمزية، وكان من نتيجة ذلك أن اكتسب نابليون مرفأً وقاعدة بحرية مهمة في البحر المتوسط، مقابل خسارته 3 رجال فقط.
استطاع بونابرت ورجاله الافلات من سفن البحرية الملكية البريطانية التي تعقبتهم منذ مغادرة فرنسا، ونزلوا أرض مصر في مدينة الإسكندرية في 1 يوليو من عام 1798، ووجّه نابليون في اليوم ذاته نداءً إلى الشعب المصري، وأصدرت الحملة نداءً إلى الشعب بالإستكانه والتعاون زاعمةً أن نابليون قد اعتنق الإسلام وأصبح صديقًا وحاميًا للإسلام. استولى نابليون على أغنى إقليم في الدولة العثمانية، وطبقًا للدعاية الحربية أدعى أنه "صديقٌ للسلطان العثماني" وادعى أيضًا أنه قدم إلى مصر "للاقتصاص من المماليك" لا غير، باعتبارهم أعداء السلطان، وأعداء الشعب المصري. وهذه رسالة نابليون بونابرت الذي دعاه المؤرخين المسلمين "اللواء علي" إلى شعب مصر:
"، لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ملكه...
أيها المشايخ والأئمة...
قولوا لأمتكم أن الفرنساوية هم أيضًا مسلمون مخلصون وإثبات ذلك أنهم قد نزلوا في روما الكبرى وخرّبوا فيها كرسي البابا الذي كان دائمًا يحّث النصارى على محاربة الإسلام، ثم قصدوا جزيرة مالطا وطردوا منها فرسان القديس يوحنا الذين كانوا يزعمون أن الله تعالى يطلب منهم مقاتلة المسلمين، ومع ذلك فإن الفرنساوية في كل وقت من الأوقات صاروا محبين مخلصين لحضرة السلطان العثماني..أدام الله ملكه...
أدام الله إجلال السلطان العثماني
أدام الله إجلال العسكر الفرنساوي
لعن الله المماليك
وأصلح حال الأمة المصرية."
تغلّب الجيش الفرنسي بسهولة على المماليك، حكّام مصر القدامى، الذين هبّوا لقتال الفرنسيين بمجرد وصولهم للبلاد. وقد ساعد انتصار بونابرت الأول على المماليك في فتح المجال أمامه على التخطيط لمعركته التالية معهم، التي وقعت بعد أسبوع من المعركة الأولى بالقرب من مدينة القاهرة، على بعد 6 كيلومترات من أهرام الجيزة، وعُرفت باسم معركة الأهرام. حقق بونابرت انتصارًا باهرًا على المماليك في هذه المعركة، على الرغم من أنهم فاقوا جيشه عددًا، فقد وصل عدد الخيالة المماليك إلى 60,000 فارس، بينما بلغ عدد الخيالة الفرنسيون 20,000، لكن القائد الفرنسي لجأ مرة أخرى إلى أساليبه الحربية الباهرة، فجعل الجنود الفرنسية تتخذ تشكيلات مربعة في وسطها كل العتاد اللازم، فكان الفرنسيون يطلقون النار على المماليك من جميع الجهات دون توقف، ولم يستطع هؤلاء قتال الفرنسيين بطريقة فعّآلة لقدم أساليب قتالهم مقارنة بالأساليب الأوروبية الحديثة. أسفرت المعركة عن مقتل 300 جندي فرنسي وحوالي 6,000 مصري.
رأت الدولة العثمانية في احتلال بونابرت مصر اعتداءً عليها، ووقفت الإمبراطورية البريطانية والإمبراطورية الروسية إلى جانب الدولة العثمانية، وعرضوا على الباب العالي المساعدة العسكرية، برًا وبحرًا لإخراج الفرنسيين من مصر. ونادى السلطان في فرمان أصدره كل المسلمين للدفاع عن مهد الإسلام ضد الحملة الفرنسية، وقد أعلن البيان للشعب أن الفرنسيين الخالعين لأي إيمان، المحرفين لكل ما هو مقدس في الدين، وفي البيانات الحكومية لأمتهم، أعلنوا الحرب على الإسلام من أجل القضاء على المؤمنين، ما عدا النساء والأطفال، لتحويل هؤلاء إلى مشركين. إلا أن هذا الفرمان لم يكن له التأثير المنتظر في نفس بونابرت، فقد اعتمد عند دخوله مصر على تعب الشعب من جور المماليك، وعلى انشغال كل شبه الجزيرة العربية بحرب الوهابيين، وعلى عدم مبالاة العديد من سكان بلاد الشام بسبب إرهاق الولاة العثمانيين لهم منذ حوالي القرن من الزمن. وأجاب بونابرت على الكلام الذي صبه عليه السلطان العثماني بأن جعل من الصيت الذي أطلقه عند دخوله البلاد، أي اعتناقه الإسلام، واقعًا أمام أعين الناس، وذلك كي يتبرأ من كل الآثار التي خلفتها الحروب الصليبية في نفوس الشعب، وليقنع المسلمين بلاعدائيته تجاه دينهم تظاهر في القاهرة بإسلامه مؤديًا الفرائض الدينية. أصبح نابليون بونابرت بهذا حاكمًا مسلمًا اسمه "بونابردي باشا"، وكان يطلق عليه المسلمين اسم "علي نابليون بونابرت"، وكان يتجوّل وهو مرتدي الملابس الشرقية والعمامة والجلباب. وكان يتردد على المسجد في أيام الجمعة ويسهم بالشعائر الدينية التقليدية مثل الصلاة، وكوّن نابليون ديوانًا استشاريًا مؤلفًا من المشايخ والعلماء المسلمين مكونًا من 11 عالمًا ويرأسه الشيخ "عبد الله الشرقاوي". خاب أمل الباب العالي في أن يجعل من الحرب مع فرنسا حربًا وطنية، فاضطر بالتالي مع باشاواته أن يخوضوها بقواهم الخاصة تُساندهم القوى الحليفة الأوروبية. وبتاريخ 25 يوليو، قام العثمانيون بإنزال بري في مرفأ أبي قير وقاتلوا الجنود الفرنسية قتالاً شديدًا، لكنهم لم يقدروا عليها، فانتصرت الأخيرة انتصارًا ساحقًا.
وبتاريخ 1 أغسطس من نفس العام، كان الأسطول البريطاني بقيادة القبطان "هوراشيو نيلسون"، قد أسر أو دمّر جميع السفن الفرنسية، عدا سفينتين، في معركة أبي قير البحرية، فأُحبط بهذا مشروع بونابرت الهادف إلى إقامة مركز فرنسي ممتاز في حوض البحر المتوسط، إلا أن جيشه كان قد نجح في بسط السلطة الفرنسية على مصر، على الرغم من تعرضه لانتفاضات ومقاومة مستمرة من قبل السكان. وما لبث أن انضم الأسطول العثماني والروسي إلى جانب الأسطول البريطاني لقتال الفرنسيين وإخراجهم من مصر، ولمّا رأى بونابرت تجمع الأساطيل الحليفة في البحر المتوسط، عزم على مفاجأة الدولة العثمانية باحتلال بلاد الشام قبل أن يستكمل العثمانيون استعداداتهم، فقام في أوائل سنة 1799 بتحريك 13,000 جندي من جيشه قاصداً سواحل الشام، فاحتل العريش وغزة ويافا والرملة وحيفا ووصل إلى صور في جنوب لبنان. كان الهجوم الفرنسي على مدينة يافا بالذات أكثر ضراوةً من غيره، فقد اكتشف نابليون بعد استسلام المدينة أن كثيرًا من الذين كانوا يدافعون عنها هم في واقع الأمر أسرى حرب سابقون يعملون مقابل إطلاق سراحهم لاحقًا، فأمر بإعدام جميع أفراد الحامية و1,400 أسير حرب من الذين ساهموا بالدفاع عن المدينة، باستخدام الحراب أو عن طريق الإغراق، وذلك كي يوفر رصاص البنادق، وسمح لجنوده بنهب المدينة، فارتكبت الجنود الفرنسية عدّة فظائع طيلة 3 أيام، حيث نهبت وقتلت الكثير من السكان. ومن بين جميع مدن الساحل الشامي الجنوبي، وحدها مدينة عكا صمدت في وجه بونابرت، فلم يستطع الجنود الفرنسيين اقتحام حصونها لمناعتها، كما كان واليها "أحمد باشا الجزار" قد زوّد حاميتها بالمدافع، وكان الأسطول الإنگليزي بقيادة أمير البحر "سدني سميث" يُساعد رجال الجزار. عندما تساوت قوى الفريقين، ووقف كل من بونابرت والجزار يتربص بالآخر، التفت كل منهما إلى أمير لبنان "بشير الثاني الشهابي"، فوجدا فيه مرجّحًا لكفة من يُساعده فيما يُقدمه الأمير من رجال ومؤن، فكتب كل منهما إليه: أما بونابرت فقد طلب إليه المساعدة ووعده بتوسيع حدود إمارته وتخليص بلاد الشام من حكم الجزار المتقلّب الذي دائما ما يخلف بوعوده ويغدر بمن حوله؛ وأما الجزار فأصرّ على الأمير أن يمده بجيش ليقاوم الحملة الفرنسية، ووعده مقابل ذلك بإعادة مدينة بيروت إلى إمارته. لكن بشيراً اتخذ موقفًا محايداً من كلا الطرفين، فسكت عن الرد على رسالة بونابرت، وتجاهل المؤن التي زود بعض الأهالي بها الجيش الفرنسي، وردّ على الجزار يعتذر عن تقاعسه في نجدته، زاعما أن أهل البلاد امتنعوا عن طاعته بعد أن بلغهم أن الجزار عزله عن الحكم، وولّى مكانه أبناء سلفه، الأمير "يوسف الشهابي".
إزاء مناعة حصون عكا، ووصول النجدات العثمانية إليها، واشتراك الأسطول البريطاني في مساعدة العثمانيين، وشدة وطأة وباء الملاريا ثم الطاعون الذين فتكا بالجنود الفرنسيين فتكًا ذريعًا، اضطر بونابرت إلى رفع الحصار عن عكا والتراجع إلى مصر في شهر مايو من سنة 1799. ولكي يسرّع من تحرك الجيش، أمر بأن يُدس السم لكل جندي مُصاب بالمرض كي لا يكون هناك ما يُلكأ المسيرة. وقد قال مؤيدو نابليون أن هذه الخطوة كانت ضرورية نظرًا للمناوشات المستمرة التي قامت بها القوات العثمانية، وأنه بحال كان قد ترك أي من الجنود المًُصابين على قيد الحياة لكان العثمانيون قتلوهم بعد أن عذبوهم عذابًا شديدًا.
العودة إلى فرنسا
بقي نابليون على اطلاع بالشؤون والأوضاع الأوروبية طيلة فترة وجوده في مصر، وذلك عن طريق مطالعته للصحف والبرقيات الفرنسية التي كان يتم توصيلها إليه بشكل متقطع. فاكتشف أن الدول الأوروبية تألبت على فرنسا، فهزمتها في حرب الائتلاف الثانية واستردت منها ما كان قد كسبه. وبتاريخ 24 أغسطس سنة 1799، اغتنم بونابرت فرصة الانسحاب المؤقت للسفن البريطانية من على سواحل فرنسا وأبحر مسرعًا إليها، على الرغم من عدم تلقيه أية أوامر من باريس بالعودة، وترك للواء "جون بابتيست كليبير" قيادة القوة الفرنسية. كانت حكومة الإدارة في واقع الأمر قد أرسلت إلى بونابرت تطلب منه الرجوع إلى فرنسا لصد أي هجوم أو غزو محتمل للبلاد، لكنه لم يعلم بذلك نظرًا لعدم وصول الرسالة إليه بسبب ضعف وسائل النقل والمواصلات في ذلك الزمن.
حكم فرنسا
كان الوضع العام في فرنسا قد تحسن بعض الشيء عند وصول نابليون في شهر أكتوبر، ذلك أن الجمهورية كانت قد حققت سلسلة من الانتصارات على بعض الدول المجاورة. إلا أن ذلك تركها مفلسة، وكانت حكومة الإدارة قد أصبحت ضعيفة منقسمة على نفسها، مكروهة من قبل الشعب. وما أن علم أعضاء الحكومة بعودة بونابرت حتى اجتمعوا لينظروا في توقيع العقوبة الملائمة عليه نظرًا لتخلفه عن تلبية نداء الواجب، عندما أرسلوا إليه بالرسالة التي طالبوه فيها بالعودة، إلا أن الحكومة كانت قد بلغت من الضعف حدًا لم تستطع معه فرض أي عقوبة على قائد بحجم بونابرت.
عرض أحد أعضاء حكومة الإدارة، واسمه "عمانوئيل جوزيف سيس"، على نابليون أن يدعمه في انقلاب للإطاحة بالحكومة الدستورية وإقامة حكومة جديدة بدلاً منها، بعد أن أصبحت الأولى شديدة الوهن ولا تقوى على النظر بشؤون البلاد والعباد. شملت قائمة رؤساء هذه الخطة: "لوسيان بونابرت" شقيق نابليون؛ رئيس مجلس الخمسماية "روجيه دوكو"؛ "جوزيف فوشيه" وهو عضو آخر من أعضاء حكومة الإدارة؛ وتاليران. وفي التاسع من نوفمبر، الموافق في الثامن عشر من شهر برومير—بحسب التقويم الفرنسي—كُلّف نابليون بحماية وضمان سلامة المستشارين التشريعيين، الذين نقلوا مركز أعمالهم إلى "قصر القديس كلو" (بالفرنسية: Château de Saint-Cloud) الواقع في غرب باريس، بعد أن سرت إشاعة مفادها أن اليعاقبة يعقدون العزم على القيام بثورة والإطاحة بالمستشارين قبل أن تبصر الحكومة الجديدة النور. وفي اليوم التالي، شعر أعضاء حكومة الإدارة أنهم كادوا أن يتعرضوا لانقلاب في اليوم الفائت، فاستنكروا هذا الفعل أشد الاستنكار، فما كان من نابليون إلا أن قاد بضعة جنود وعزل أعضاء الحكومة بالقوة واستولى على الحكم وجعل مكان الحكومة القديمة حكومة جديدة مكونة من ثلاثة قناصل: "سيس"، "دوكو"، وهو نفسه. وقد أيّد الشعب الفرنسي هذا التدبير.
عهد القنصلية
كان سيس يعتقد بأنه سيُسيطر على الحكومة الجديدة بمنتهى السهولة، نظرًا لأنه هو من كان صاحب فكرة الانقلاب منذ البداية، إلا أن نابليون كان أكثر دهاءً وأشد مكرًا منه، حيث قام بصياغة العديد من مواد الدستور، الذي عُرف بدستور السنة الثامنة، بنفسه بشكل يضمن انتخابه لمنصب القنصل الأول، وبعد إجراء الانتخابات فاز نابليون بالمنصب سالف الذكر، فانتقل للسكن في قصر التويلري الذي اتخذ منه ملوك فرنسا مقرًا لهم في السابق. وبهذا أصبح بونابرت رسميًا أقوى شخص في فرنسا.
بعد أن تولى نابليون السلطة وأصبح قنصلاً، اهتم بدفع الخطر عن فرنسا، فقد كانت الدول الأوروبية، وخصوصًا النمسا، استرجعت أثناء وجوده في مصر جميع الأراضي تقريبًا، التي كان قد غنمها منها. فقام نابليون سنة 1800، بتجهيز جيش قوي في السر واجتاز به جبال الألب فوصل إلى شمالي إيطاليا. بدأت الحملة بشكل سيئ بالنسبة للفرنسيين بعد أن ارتكب بونابرت بضعة أخطاء إستراتيجية؛ فقد تُركت إحدى الفرق العسكرية مُحاصرة في مدينة جنوة، لكنها استطاعت الصمود في وجه النمساويين وإشغالهم والاستيلاء على بعض مؤنهم. وقد سمح هذا الأمر، إضافةً للقوات الإضافية التي أتى بها اللواء الفرنسي "لويس دوزيه" في الوقت الملائم، سمح لنابليون أن يتفادى الهزيمة الوشيكة ويحقق نصراً كبيراً على النمساويين في "معركة مرنگو". ترأس "جوزيف"، شقيق نابليون، مفاوضات السلام مع النمسا في مدينة لونڤيل، وفي أثناء إجراء المفاوضات أرسل إلى نابليون يقول بأن النمسا، تدعمها بريطانيا، لا تعترف بسلطان فرنسا على الأراضي التي اكتسبتها حديثًا. وفيما ازدادت حدّة المفاوضات، أصدر نابليون أوامره إلى اللواء "جون مورو" بأن يوجه ضربةً جديدة إلى النمسا، ففعل الأخير ما أُمر به وقاد فرنسا إلى النصر في "معركة هونليندن"، فاضطرت النمسا أن توقع على معاهدة السلام في شهر فبراير من سنة 1801، وأن تعيد إلى فرنسا ما كسبته منها إلى جانب بعض الأراضي الجديدة، وأن توافق على التدابير التي اتخذتها فرنسا من أجل تأمين سلامتها.
السلام المؤقت في أوروبا
وبعد انتهاء هذه الحرب مع النمسا، أقام بونابرت قاعدةً عسكرية في مدينة بولونيا البحرية الواقعة على ساحل بحر المانش، استعدادًا لغزو بريطانيا، إلا أن كلتا الدولتين كانتا قد أنهكتا إنهاكًا شديدًا من الناحية البشرية والاقتصادية، بفعل الحروب المستمرة، فأبرمتا معاهدة أميان في شهر أكتوبر من عام 1801 وأكملتا التصديق على بنودها في شهر مارس من سنة 1802؛ وتضمنت هذه المعاهدة انسحاب القوات البريطانية من معظم المستعمرات التي احتلتها مؤخرًا في حوض البحر المتوسط خصوصًا. كانت هذه الفترة من السلم من أخصب أيام نابليون وأنفعها لفرنسا وللحضارة العالمية، لكنها بقيت غير مستقرة ولم تدم طويلاً؛ إذ أن بريطانيا لم تنسحب من جزيرة مالطا كما كانت قد وعدت، واعترضت على ضم نابليون لإقليم بييمونتي الإيطالي إلى فرنسا وعلى إصداره لمرسوم الإصلاح الذي أنشأ بموجبه كونفدرالية سويسرية جديدة، على الرغم من أن المعاهدة لم تنص على عدم جواز إتيان فرنسا مثل هذه الأفعال في تلك المناطق من أوروبا. تُوج هذا الخلاف بين الدولتين بإعلان بريطانيا الحرب في شهر مايو من سنة 1803، فقام نابليون باستكمال تجهيز القاعدة العسكرية في "بولونيا البحرية" بالرجال والعتاد اللازمة، وعقد العزم على غزو بريطانيا والقضاء عليها نهائيًا.
وفي تلك الأثناء كانت فرنسا تواجه مشكلة في مستعمرة هاييتي الواقعة قبالة شواطئ أمريكا الوسطى، ذلك أن نابليون كان قد أعاد إقرار صحة الإتجار بالرقيق في قانون 20 مايو لسنة 1802 في جميع المستعمرات الفرنسية، ملغيًا بذلك قانون 4 فبراير لسنة 1794 الذي كان قد قضى على العبودية نهائيًا في تلك المستعمرات، فثار سكان ذاك القسم من جزيرة هيسپانيولا، وبشكل خاص المستعبدين منهم، ثاروا على الفرنسيين وقاوموهم وتكبد كلا الطرفين خسائر بشرية كبيرة. أرسل نابليون، بعد أن علم بهذه الثورة، جيشًا ليستعيد السيطرة على القسم الغربي من الجزيرة المعروف باسم "القديس دومينيك"، وليُقيموا قاعدةً فرنسية هناك، إلا أن ذلك الجيش لم يستطع أن يفعل شيءًا، إذ أُفني عن بكرة أبيه بفعل انتشار الحمى الصفراء بين الجنود وبسبب المقاومة الشديدة التي أبداها القادة العسكريون الهاييتيون، مثل اللواء "توسان لوفرتور" و"جان جاك ديسالين". وما أن بدأت الحرب مع بريطانيا تلوح بالأفق، وتبين لبونابرت أنها واقعة قريبًا لا محالة، قام ببيع حصة فرنسا من الأراضي في أمريكا الشمالية إلى الولايات المتحدة، خصوصًا أنه لم يكن بالإمكان الدفاع عنها ضد البريطانيين بحال زحفوا عليها من مستعمراتهم الكندية شمالاً. أضف إلى ذلك أن الخزينة الفرنسية كانت على شفير الإفلاس، وكانت الدولة بحاجة إلى موارد مالية تستطيع بواسطتها أن تُنفق على الجيش في الحرب القادمة. حصلت الولايات المتحدة على الأراضي التي شكّلت مستعمرة لويزيانا الفرنسية مقابل أقل من 3 سنتات للفدان الواحد (7.40$ للكيلومتر المربع).
الإصلاحات
كانت العلاقات الودية بين الدولة الفرنسية والكنيسة الكاثوليكية قد انقطعت إبان الثورة. ولما تولى نابليون الحكم رأى أن المصلحة تقتضي إعادة التفاهم بين الكنيسة وفرنسا. وبعد مفاوضات استمرت عدّة أشهر، عقد مع البابا "پيوس السابع" معاهدة بابوية في سنة 1801. فاعترف نابليون في هذه المعاهدة بالبابا رئيسًا للكنيسة وأزال بعض القيود التي فرضتها الثورة على رجال الدين. ومقابل ذلك اعترف البابا بمصادرة أملاك الكنيسة على أن تدفع الدولة رواتب رجال الدين. ووافق البابا كذلك على أن يختار نابليون الأساقفة وأن يُعين هؤلاء رجال الدين الذين هم دونهم. وبهذا الاتفاق عادت المياه إلى مجاريها بين فرنسا والبابا.
كان في فرنسا قبل الثورة ما يقرب من ثلاثمئة قانون يختلف الواحد منها عن الآخر. وكانت جميعها نافذة في المناطق الفرنسية المختلفة. فألّف نابليون لجنة من كبار رجال القانون وطلب إليها توحيد الشرع الفرنسي. وبعد بضع سنوات من العمل الشاق أخرجت تلك اللجنة للعالم في سنة 1804 قانونًا مدنيًا عرف باسم "قانون نابليون" (بالفرنسية: Code Napoléon) وهو ينص على حقوق الأفراد وواجباتهم وعلى أمور الزواج وطلاق والميراث وغير ذلك. كذلك، أنشأ نابليون في سنة 1801 "مصرف فرنسا" (بالفرنسية: Banque de France) ومنحه حق إصدار الأوراق المالية. فاستعاد النقد الفرنسي قيمته وثقة الناس به بعد أن كانت تلك الثقة قد تزعزعت خلال الثورة.
كانت الثورة قد قضت على نظام الطبقات وجعلت الناس متساوين. ولكن نابليون أنشأ طبقة جديدة من أصحاب الامتيازات لا ترتكز على الحسب والنسب كالسابق، بل على الخدمات الجليلة الشأن التي يُقدمها الفرد لوطنه. وتكون هذه الامتيازات على شكل أوسمة وألقاب تُمنح لمستحقيها من رجال العلم والأدب والسياسة والفن وغيرها. وعُرف هذا النظام باسم نظام "جوقة الشرف" (بالفرنسية: Légion d'honneur)، ولا يزال معمولاً به في فرنسا حتى الوقت الحاضر.
أدرك نابليون أهمية المدارس في توجيه النشأ فقرر أن يجعلها في يد الدولة وتحت إشرافها، فوضع نظامًا للتعليم يتألف من ثلاث مراحل هي مرحلة التعليم الابتدائي ومرحلة التعليم الثانوي ومرحلة التعليم العالي. وكان يُطلق على معاهد التعليم العالي اسم "الجامعة" أو "جامعة فرنسا". وقد تمّ اختيار بونابرت سنة 1801 رئيسًا للأكاديمية الفرنسية للعلوم، فعيّن بدوره عالم الفلك والرياضيات "جان باتيست جوزيف ديلامبر" أمينًا دائمًا لها. ولمّا كان نابليون يُعين كبار موظفي الجامعة بنفسه فقد استطاع أن يُخضع معاهد التعليم في فرنسا لإشرافه المباشر. وكان نابليون يفرض على المدارس أن تُلقن طلابها الولاء والإخلاص للوطن والمحبة والطاعة لشخصه. وكانت الحكومة تنفق على معظم هذه المدارس وتعتبر المدرّسين فيها من موظفي الدولة. غير أن هذا المنهاج لم يُنفّذ بكامله بسبب المبالغ الكبيرة التي يتطلبها تحقيقه، وبقي نصف الطلاب الفرنسيين تقريبًا يتلقون العلم في المدارس الخاصة التي كان معظمها تابعًا للكنيسة الكاثوليكية. اتسعت سلطة نابليون مع ولادة دستور السنة العاشرة، حيث جاء في المادة الأولى منه: "إن الشعب الفرنسي يُسمي، ومجلس الشيوخ يُعلن نابليون بونابرت قنصلاً عامًا مدى الحياة". بعد ذلك لم يعد أحد يرمز إليه باسم "بونابرت" بل باسم "نابليون".
إن مشاغل نابليون الكثيرة لم تصرفه عن الاهتمام بالمشاريع العمرانية العامة. فأنشأ شبكة طويلة من الطرق وبنى الجسور وحفر الأقنية وطوّر شبكات الصرف الصحي وجفف المستنقعات ووسع المرافئ الكبيرة وجمّل مدينة باريس وشيّد في وسطها قوس النصر تخليدًا لذكرى انتصاراته. ونشّط الزراعة والصناعة والتجارة والعلوم والفنون بمختلف الوسائل.
انتقاد نابليون
قضى نابليون على حالة الفوضى والاضطراب التي كانت تعيشها فرنسا بعد انتهاء الثورة،[183] الأمر الذي جعل منه شخصًا محبوبًا وبطلاً قوميًا في نظر الكثيرين، إلا أن معارضيه نظروا إليه على أنه طاغية ومغتصب للسلطة، وما زال نقّاد نابليون يقولون بأنه لم تكن لديه أية مشكلة في التضحية بآلاف بل بملايين الأشخاص في سبيل الوصول إلى الهدف الذي يبتغيه، وأنه في سعيه إلى السلطة المطلقة أشعل نار الحرب في أوروبا وأجج النزاعات فيها متجاهلاً المعاهدات والاتفاقيات المبرمة بين تلك الدول وفرنسا وبينها فيما بعضها في سبيل الحفاظ على السلام. كذلك فإن الدور الذي لعبه في الثورة الهاييتية وقراره الهادف إلى إعادة نظام العبودية في مستعمرات فرنسا في أقاليم ما وراء البحار يُسيئ إلى سمعته كرجل دولة كبرى. هوجم نابليون أيضًا بسبب سماحه لجنوده بنهب المدن والبلاد التي دخلوها، فمتاحف فرنسا لا تزال غنية بالتحف والآثار التي غنمتها الجنود الفرنسية في العديد من البلدان التي غزتها وأحضرتها إلى متحف اللوفر، الأمر الذي جعل منه متحفًا مركزيُا مهمًا؛ وقد أدى عمل بونابرت هذا إلى تقليد القادة اللاحقين له في غزواتهم، مما حرم الكثير من الدول من كنوزها القومية. وقد بلغ الحد ببعض المؤرخين، مثل "پيتر گيل" المؤرخ الهولندي، إلى مقارنة نابليون بالقائد النازي "أدولف هتلر"، وذلك في مقال له من سنة 1947، وقد قال المؤرخ البريطاني "دايڤيد كاندلر" المختص بالحقبة البونابرتية في هذا التشبيه: "ما كان يمكن أن يكون هناك تشبيه أكثر إهانة للأول وأكثر إطراءاً للثاني".
يقول النقّاد أيضًا أن الإرث الحقيقي الذي خلفه بونابرت هو فقدان فرنسا لهيبتها ومكانتها بين الدول العظمى "الحضارية" والموت غير المبرر لآلاف من الناس بفعل نزواته الشخصية. يقول المؤرخ "ڤيكتور دايڤيس هانسون": "...إن ما تقدمه الوثائق العسكرية لا يُمكن التشكيك فيه—17 سنة من الحروب المتواصلة نجم عنها حوالي 6 ملايين قتيل، وإفلاس للخزينة الفرنسية، وفقدان الدولة لمستعمراتها ما وراء البحار". يُضيف البعض أن نابليون "يمكن وصفه بالرجل الذي أعاد الحياة الاقتصادية في أوروبا جيلاً كاملاً إلى الوراء بفعل التأثير المدمر لحروبه". يرد بعض المؤرخين على هذا الرأي بالقول إن تحميل بونابرت اللوم على كل ما حصل هو لمجرد أن تلك الحروب التي دارت رحاها في القارة الأوروبية تحمل اسمه، في حين أنه في واقع الأمر، كانت فرنسا ضحية سلسلة من التحالفات الدولية التي هدفت إلى القضاء على المبادئ المثالية للثورة.
يقول بعض المنجمين أن نابليون هو أحد أعداء المسيح الذين تنبأ بهم "نوستراداموس". وما تزال تُعقد حاليًا بعض المؤتمرات النابليونية الدولية التي يُساهم بها أعضاء من الجيش الفرنسي والأمريكي، بالإضافة إلى سياسيين فرنسيين وعدد من الباحثين من مختلف أنحاء العالم.