أما على مستوى اكتشاف الأشعة تحت الحمراء، فتعتمد الأنظمة الحرارية على حرارة العادم لتحديد موقع الطائرات، لكن "إف-35" صُمّمت لتقليل هذا الأثر عبر تبريد الغازات وإخفاء المحرك عميقًا داخل بدن الطائرة، مما يُضعف البصمة الحرارية ويُعقّد عملية الاستهداف.
وإلى جانب ذلك، تستخدم "إف-35″ أنظمة حرب إلكترونية متطورة للتشويش على الرادارات، أو خداعها، أو تجنّبها كليًا. وتملك أجهزة حاسوب واستشعار قادرة على رصد التهديدات مسبقًا، بل وتشارك هذه المعلومات مع طائرات أخرى عبر قنوات اتصال غير تقليدية، دون إصدار إشارات راديوية تُكشف، بما يُعرف بـ"الصمت الإلكتروني".
وكل هذه الميزات تسهم في تقليص "المقطع العرضي الراداري" للطائرة، أي مظهرها على شاشات الرادار، لتبدو وكأنها بحجم طائر صغير، إذ يتراوح هذا المقطع بين 0.001 و0.01 متر مربع فقط.
ويأتي هذا كله في سياق بالغ الأهمية في المعركة الراهنة، فالدفاع الجوي الإيراني تعرّض منذ 13 يونيو/حزيران لضربات موجعة، بدأت بهجوم نفذته مسيّرات أُطلقت من داخل إيران، استهدفت الدفاعات الجوية.
وتبعته الضربة الجوية الإسرائيلية الرئيسية التي نُفّذت، بحسب بعض التقديرات، عبر طائرات "إف-35" متخفية. وتشير مصادر متعددة إلى أن إسرائيل ركّزت خلال اشتباكات عام 2024 على تدمير بطاريات الدفاع الجوي الإيرانية، مما يجعل استهداف هذه المنظومات مجددا في يونيو/حزيران امتدادا طبيعيا لتكتيك سابق مدروس.
ومع ذلك، سُجّلت بعض الحوادث اللافتة التي لم تُؤكَّد رسميا بعد. وعلى سبيل المثال، حين شنت طائرات إسرائيلية من طراز "إف-35" غارات على سوريا في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2017، وردّت الدفاعات الجوية السورية -والتي يُعتقد أنها بطارية من طراز "إس-200" روسية الصنع- بإطلاق صواريخ، وادّعت لاحقًا أنها أصابت إحدى الطائرات مباشرة.
وفي الوقت ذاته، أعلن سلاح الجو الإسرائيلي تعرّض إحدى طائراته من الطراز نفسه لأضرار وأُجبرت على الهبوط، لكنه عزا السبب إلى اصطدام الطائرة بطائر، وليس صاروخا سوريا.
وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن طائرات "إف-35" التي نفذت غارات على
سورياواجهت بالفعل منظومات دفاع روسية متطورة (مثل "إس-300" وغيرها) إلا أنه لا توجد أي تقارير مؤكدة عن سقوط هذه المقاتلات.
وتُستدعى هنا حادثة أخرى لم تلقَ اهتماما كافيا وقت وقوعها، لكنها أصبحت أكثر دلالة لاحقا. ففي تقرير نشرته صحيفة
نيويورك تايمزفي مايو/أيار الماضي، أُشير إلى أن صاروخ أرض جو أطلقه الحوثيون كاد يُصيب طائرة أميركية من طراز "إف-35" إلا أن الطائرة نفذت مناورة ناجحة لتفادي الإصابة.
وفي تعليق على الحادث، كتب المحلل العسكري غريغوري برو على منصة إكس "كادت الدفاعات الجوية الحوثية أن تصيب عدة طائرات أميركية من طراز "إف-16" وطائرة مقاتلة من طراز "إف-35″ مما زاد من احتمال وقوع خسائر بشرية أميركية".
وبحسب تقرير نشرته منصة "ذي وور زون" فإن نظام الدفاع الجوي الحوثي يُعتبر بدائيًا من الناحية التقنية، لكنه سريع الحركة، مما يُمكّنه من الظهور في مواقع مفاجئة يصعب التنبؤ بها، ويُعقّد بالتالي عمليات التخطيط. كما أن بساطة هذه الأنظمة تُساعدها أحيانًا على تجنّب الرصد المبكر من قِبل أجهزة الاستشعار الأميركية المتطورة.
ويستخدم الحوثيون صواريخ سام مُرتجلة تحتوي على مستشعرات الأشعة تحت الحمراء، أو صواريخ جو جو معدّلة، وهي تقنيات بدائية تمنح الطائرات إنذارا مبكرا ضئيلا أو منعدما.
ولم يُسفر هذا الحادث عن إسقاط الطائرة، لكنه كان دالًا. إذ أظهر أن الجهات التي تمتلك قدرات دفاع جوي محدودة، قادرة -في ظروف معيّنة- على رصد طائرة "إف-35" والاشتباك معها. وقد أثار هذا الأمر تساؤلات حقيقية حول مدى قدرة الطائرة على "الاختفاء التام". وفي النهاية، أُلغيت المهمة دون خسائر، لكن الحادث أثبت أن "إف-35" ليست بمنأى عن الخطر، خاصةً إذا حَلّقت على مسارات متوقعة أو دون حماية إلكترونية كافية.
وبالتالي، فإن ضعف أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية قد لا يكون كافيا وحده لردع احتمال إسقاط "إف-35" إلا أن الأمر يظل غير محسوم ما لم تصدر دلائل موثوقة تؤكد حصول ذلك. وفي نهاية المطاف، تُوصَف طائرة "إف-35" بأنها "لا تُقهر" بفضل تقنيات التخفي والتفوّق الإلكتروني التي تزخر بها، وهي تشكل ركيزة أساسية للقوة الجوية الأميركية ولعدد من حلفائها حول العالم.
ومن ثم، إذا نجحت إيران أو أي دولة أخرى في إسقاط هذه المقاتلة، فإن لذلك تداعيات عسكرية وإستراتيجية خطيرة على المصالح الأميركية، إذ إن هالة "المناعة" التي تحيط بهذه الطائرة تُعد أحد أعمدة الردع العسكري الأميركي، وسقوطها من السماء -إن تأكد- سيحطم هذه الأسطورة، وقد يهز ثقة الحلفاء في التفوق الجوي الأميركي. بل ومن المؤكد أن كثيرًا من الجيوش حول العالم ستعيد النظر في جدوى عقيدة "التخفي" كسلاح في معارك المستقبل.