وعقب سيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم، واصلت موسكو تطوير قطاع الطائرات المسيّرة، مركّزة على رفع كفاءتها التشغيلية عبر تحسين البرمجيات والمعدات وأنظمة القيادة والتحكم، إلى جانب تعزيز قدرتها على الاندماج مع الوحدات العسكرية البرية والجوية والبحرية.
كما أنتجت طائرات انتحارية دون طيار وعملت على خفض تكلفتها، ففي 2021 أطلقت شركة زالا مسيّرات انتحارية من فئتين: "كوب- بلا" و"لانسيت".
وطوّرت شركة فوستوك مسيرة سكالبيل الانتحارية، وفضلا عن ذلك تم إصدار نسخ روسية من المسيّرات الانتحارية الإيرانية "شاهد"، والتي حملت اسم "جيران".
أسهم اندلاع
الحرب الروسية الأوكرانية عام 2022 في تسريع وتيرة الجهود الروسية لتطوير قطاع الطائرات المسيّرة، إذ دفع الاستخدام الأوكراني المكثف هذه التكنولوجيا موسكو إلى اتخاذ خطوات واسعة لتعزيز قدراتها وتحقيق تفوق نوعي وكمي في إنتاج وتشغيل المسيّرات، ما أدى إلى تأسيس منظومة روسية متكاملة لتصنيعها وتشغيلها على نطاق واسع.
وشهد عام 2023 تطويرا نشطا للطائرات دون طيار "إف بي في"، وهي مسيّرة يتم التحكم بها عن بُعد، وترسل بثا مباشرا، إضافة إلى تطوير طائرات مسيّرة رباعية المراوح لإسقاط متفجرات على المعدات والمواقع الأوكرانية.
وإلى جانب تطوير نماذج خاصة عالية التقنية، حرصت موسكو على تحسين الفئات منخفضة التكلفة بإدخال تعديلات ترفع من كفاءتها التشغيلية، من بينها، دعمها
بالذكاء الاصطناعي لتطوير أدائها في تنفيذ المهام.
كما دمج المطورون الروس عام 2025 كابلات ألياف ضوئية في طائرات دون طيار منخفضة التكلفة، مثل مسيّرات "مولنيا-2″، مما يجعلها مقاومة للتشويش ووسائل الحرب الإلكترونية، ويزيد قدرتها على تنفيذ ضربات على مسافات أعمق خلف خطوط العدو.
وطوّرت روسيا طائرات مسيّرة وهمية منخفضة التكلفة، تُصنع من مواد خفيفة الوزن، ولا تحمل مواد متفجرة، إذ الهدف من نشرها استنزاف موارد الدفاع الجوي للعدو، وإجباره على مهاجمة أهداف غير قاتلة، قبل الضربات الصاروخية.
ورغم الجهود المكثفة لتطوير وإنتاج مسيرات محلية، واصلت روسيا تعزيز قدراتها باستيراد تقنيات أجنبية في هذا المجال، سواء بشراء المعدات المستخدمة في التصنيع، أو اقتناء مسيّرات كاملة، منها الطائرات المسيّرة الإيرانية من عائلتي شاهد ومهاجر.
في المراحل الأولى من تطوير الأنظمة العسكرية الروسية، حظي إنتاج الطائرات دون طيار بالأولوية، غير أن الاهتمام بدأ يتحول بحلول أواخر العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين نحو تطوير الأنظمة الأرضية غير المأهولة، فشرعت موسكو في تصميم وإنتاج نماذج متعددة تراوحت بين الخفيفة والمتوسطة والثقيلة.
وصممت هذه المسيّرات لأداء مهام متعددة تشمل إزالة الألغام وتقديم الدعم اللوجستي والمشاركة في العمليات القتالية، وضمت أنواعا، منها: عائلة أوران الأرضية المسيّرة بفئاتها 6 و9 و14، والمسيّرات الأرضية ماركر وسكارابي وسفير وسوراتنيك وشتورم وأودار.
مع ذلك فإن ما تم إنتاجه قبل اندلاع الحرب مع أوكرانيا عام 2022 كان محدودا، وغالبا ما كانت نماذجه أولية ومكلفة وغير فعّالة على أرض المعركة، أما سنوات الحرب فقد شهدت تطورا ملحوظا في المسيّرات البرية، ودفعت ظروفها نحو تطوير مركبات غير مأهولة أصغر حجما وأخف وزنا وأقل تكلفة.
وأنتج عدد من المركبات البرية المسيّرة، أُعلن عن نشر بعضها في ساحة القتال، منها "يوجيك" للاستطلاع وصد النيران، و"إس إي إم- 350″ متعددة المهام، والمركبتان الانتحاريتان "لياجوشكا" و"سكوربيون" ومركبة "كوريير" للدعم الناري واللوجستي والحرب الإلكترونية.
وبالتوازي، تم تطوير مسيّرات بحرية لأغراض عسكرية متعددة، وأعلنت روسيا عام 2023 عن إنتاج طائرة "سكات" المسيرة تحت الماء، والمخصصة للاستطلاع وإزالة الألغام، ولاحقا انصب التركيز على تطوير مسيّرات بحرية سطحية.
وفي العام نفسه، كشف مصنع "كينغيسيب" الروسي عن المسيّرة البحرية "جي آر كي-700 فيزر" متعددة الأغراض، المخصصة لمطاردة وتدمير الطائرات المسيّرة المعادية في البحر والسواحل، ومسيّرة الهجوم "أودوفانشيك".
كما شهد عام 2024 الإعلان عن عدد من النماذج الجديدة للزوارق المسيّرة، منها أوركان و"بي إي سي-1000″ و"مورينا-300 إس"، والمسيّرة الانتحارية أفالينا.
تسعى السلطات الروسية، وفق الهدف المعلن، إلى جعل البلاد رائدة عالميا في قطاع الطائرات دون طيار بحلول عام 2030، لذلك كثفت إنتاجها في هذا القطاع مع مطلع العقد الثالث من القرن الـ21.
ووفق تصريحات الرئيس الروسي
فلاديمير بوتين، تسلمت القوات المسلحة الروسية نحو 140 ألف طائرة مسيّرة من مختلف الأنواع عام 2023، بينما تمكنت روسيا من إنتاج 1.5 مليون طائرة دون طيار عام 2024.
وبحسب ما أفادت الصحافة الروسية، نقلا عن تقرير صادر عن مركز تحليل الاقتصاد الكلي والتنبؤات قصيرة الأجل التابع للكرملين، بأنه في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2025 بلغ متوسط نمو إنتاج الطائرات المسيّرة 3.7%، أي بما يعادل 1.6 ضعف متوسط الإنتاج الشهري لعام 2024.
ومن بينها احتل شهر مايو/أيار أعلى مستوى للإنتاج، فقد ارتفعت نسبة إنتاج المسيّرات فيه نحو 17% مقارنة بالشهر السابق.
وتملك روسيا شبكة واسعة من مراكز التصنيع، التي تنتشر في أنحاء البلاد، بما في ذلك موسكو وسان بطرسبورغ ونوفغورود وريازان وساخالين وتومسك وإقليم بيرم وأودمورتيا وتتارستان.
وفي صيف 2023، بلغ عدد مُصنّعي الطائرات دون طيار في روسيا حوالي 70 شركة، منها 20 شركة كبيرة، وفق تقرير لمجلس السياسة الخارجية في أغسطس/آب 2024.
وأفاد تقرير صادر عن موقع آرمي ركغنيشن مطلع عام 2025، بأن أكثر من 400 شركة محلية روسية تشارك في جهود البحث والتطوير والإنتاج في قطاع الطائرات دون طيار.
وتشارك في عملية التطوير الشركات الرسمية والشركات الخاصة، بما فيها الناشئة، إلى جانب المبادرات التطوعية التي تشمل مشاريع شبابية وطلابية مدعومة من وزارة الدفاع الروسية.
وتنتج بعض المبادرات التطوعية طائرات مسيّرة صغيرة من ضمنها طائرات "إف بي في"، بينما يتم إنتاج أنظمة طائرات دون طيار أكثر تطورا مثل المسيّرات التكتيكية والعملياتية-التكتيكية، بما في ذلك المسيّرات الانتحارية، في شركات دفاعية مختصة، بعضها تابع للقطاع الخاص.
أما الطائرات المسيّرة الأكبر حجما والمزودة بتكنولوجيا متطورة أكثر تعقيدا، فتُصنع في المنطقة الاقتصادية الخاصة في ألابوغا بتتارستان، وهي مركز إنتاج رئيسي للطائرات المسيّرة، ويتم فيها تصنيع مجموعة من المسيّرات مثل المسيّرات جيران-2/1، النسخ المحلية للمسيّرات الإيرانية شاهد-136/131.
وفي إيجيفسك 3 شركات رئيسية: شركة زالا آيرو غروب، التي تنتج الطائرات المسيّرة لانسيت و"كوب- بلا" وزالا، وشركة الأنظمة غير المأهولة، التي تنتج طائرات سوبركام، وشركة أنظمة إيجيفسك غير المأهولة، التي تصنع طائرات غرانات وتاكيون.
في سان بطرسبورغ، يتولى مركز التكنولوجيا الخاص إنتاج طائرات أورلان دون طيار، بينما تُصنع شركة إينكس في قازان مسيّرات إليرون. أما شركة كرونستادت فتخصصت في إنتاج طائرات أوريون المسيّرة، في حين يُعد مركز سامارا للأبحاث والإنتاج أحد المراكز الرئيسية المعنية بتطوير الطائرات دون طيار في روسيا.