كل هذا ولم نتحدث بعد عن المشاكل التقنية الكامنة في منظومة الدفاع الإسرائيلية على قوتها، فمثلا يرى ثيودور بوستول من معهد ماساتشوستس للتقنية، أن نِسَب اعتراض
القبة الحديدية للصواريخ القادمة من غزة أقل من 10%، ذلك لأن الصاروخ الاعتراضي في الغالب لا يصيب الصاروخ القادم، بل ينفجر إلى جواره في مناورة لا
تدمر الرأس الحربي، وبالتالي فإنه يسقط وربما ينفجر على الأرض رغم اعتراضه "تقنيا" بنجاح.
يتفق هذا الرأي نسبيا مع تقييمات ريتشارد لويد، خبير الرؤوس الحربية سابقا في شركة ريثيون، وآخرين من داخل
جيش الاحتلال نفسه، مثل روفين بيداتسور، الطيار المقاتل السابق في جيش الاحتلال وأحد مؤيدي الأنظمة الدفاعية القائمة على الليزر، وموردخاي شيفر الحائز على جائزة الدفاع الإسرائيلية، الذين يقدرون الفاعلية الحقيقية للمنظومة بين 5% إلى 40% بحدّ أقصى.
في الحقيقة، فإن صواريخ إيران قادرة على إحداث أضرار موجعة
لإسرائيل حال اتخذت القرار السياسي لفعل ذلك كما شاهدنا مؤخرا رغم الاختلال في ميزان القوة الذي يرجح كفة
جيش الاحتلال بكل تأكيد من حيث نوعية الأسلحة المتطورة التي يمتلكها من ناحية، والدعم الأميركي والغربي غير المحدود من ناحية أخرى.
يتفق ذلك مع ما جاء في مقال نُشر عام 1994 -وهو وقت جرت فيه الكثير من التطورات في ترسانة إيران العسكرية-، لأستاذ الفيزياء النووية بيتر زيمرمان، أكد خلاله أن دولًا مثل إيران لا تحتاج إلى "ميدالية ذهبية" من ناحية التكنولوجيا العسكرية لتكون فعالة وجاهزة للمواجهة، ولكن في كثير من الأحيان، تكون تكنولوجيا "الميدالية البرونزية" أكثر من كافية. ما يقصده زيمرمان هو أنه يمكن تكييف التقنية العسكرية بشكل يجعل الأسلحة الأقل دقة أكثر فاعلية.
والواقع أن إيران لا تعتمد فقط على الصواريخ الباليستية، إذ تعمل إيران على تطوير 3 أسلحة هجومية جوية، الأول هو الصواريخ الباليستية سالفة الذكر، والثاني هو المسيرات القتالية، والثالث هو صواريخ كروز الهجومية الأرضية التي تحلّق على ارتفاع منخفض وتتمكن من مراوغة الرادارات.

وفيما يتصل بإنتاج المسيرات القتالية، يظهر بوضوح تحقيق إيران قفزات نوعية في مسار تصنيعها، وليس هناك دليل على ذلك أكثر من مسيرات
شاهد 136 الانتحارية.
فبحلول الأشهر الأولى من عام 2023 كانت هذه المسيرة جزءا رئيسيا من ترسانة الروس في الحرب الأوكرانية، دل على ذلك تصاعد وتيرة وشدة الهجمات في جميع أنحاء أوكرانيا، التي استطاعت شاهد من خلالها أن تُثبت جدارة واضحة في مهماتها.

إلى جانب ما سبق، تمكنت إيران من تطوير مجموعة متنوعة من صواريخ كروز المجنحة، التي تمتلك ميزة التخفي بسبب طيرانها على ارتفاع منخفض، كما أن لديها القدرة على المناورة كالطائرات مما يصعّب اكتشافها بواسطة أنظمة الرادار واعتراضها عبر أنظمة الدفاع الصاروخي التقليدية.
من هذه الصواريخ سومار، وهو صاروخ كروز هجومي بري بعيد المدى (بين 700 إلى 3 آلاف كيلومتر)، وهويزة (بمدى 1350 كلم).
يعني ذلك أن إيران يمكنها تنفيذ حرب أسلحة مشتركة، وهو أسلوب قتالي يسعى إلى دمج الأسلحة القتالية المختلفة للجيش لتحقيق تأثيرات تكاملية.
على سبيل المثال، يمكن استخدام الطائرات المسيّرة الإيرانية لمهاجمة رادارات الدفاع الجوي في المراحل الأولى من هجوم شامل، هنا ستتحول قدرات الدفاع الجوي الأخرى لصد هجوم المسيّرات، ما يترك الطريق مفتوحا أمام ضربات صاروخية باليستية وأخرى بصواريخ كروز فلا تتمكن الدفاعات من صدها جميعا، خاصة مع اختلاف تكتيكات عمل كل منها.
أضف لذلك أن المسيرات نفسها عادة ما تنطلق في صورة أسراب متنوعة الوظائف والمدى والقدرة، بعضها يضرب مباشرة والبعض الآخر يتسكع جويا بانتظار نقطة ضعف تحددها مسيرات الاستطلاع، ما يزيد تعقيد الضربة.
وإلى جانب تطوير الصواريخ، والإغراق، وتنويع الضربات كما ونوعا، تعمل إيران على دعم قدرتها على اختراق الدفاعات الجوية متعددة الطبقات، عبر تطوير الصواريخ الفرط صوتية كجزء من برنامجها الصاروخي المتنامي.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أعلنت إيران أنها طورت أول صاروخ فرط صوتي لتنضم بذلك إلى ناد شديد الحصرية يُشغّل هذا النوع من الصواريخ، يضم
الولايات المتحدة وروسياوالصين فقط.
وبحلول يونيو/حزيران 2023، كشفت إيران رسميًا عن صاروخها الفرط صوتي باسم "فتاح"، بمدى يبلغ 1400 كيلومتر، ورغم أنه ليس بعيد المدى مثل بعض الصواريخ الباليستية الإيرانية، فإنه أكثر من كاف لضرب الأهداف في إسرائيل.