في السبعينيات، كانت كوريا الجنوبية قد سعت سرًّا إلى امتلاك السلاح النووي، خلال فترة حكم الرئيس بارك تشونغ-هي، مدفوعةً بمخاوف من احتمال انسحاب الولايات المتحدة من التزاماتها الأمنية. لكن ذلك البرنامج توقّف تحت ضغط أميركي، وانضمت كوريا الجنوبية إلى معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية عام 1975 بوصفها دولة لا تملك السلاح النووي.
ومنذ ذلك الحين، أنشأت كوريا الجنوبية واحدة من أبرز صناعات الطاقة النووية في العالم، وأصبحت مُصدِّرا للمفاعلات النووية السلمية.
ورغم التزامها بعدم السعي لامتلاك الأسلحة النووية، فإنها أجرت بعض التجارب النووية غير المعلنة منذ السبعينيات وحتى مطلع الألفية، مثل الفصل المختبري للبلوتونيوم وأبحاث في تخصيب اليورانيوم، التي كُشف عنها عام 2004. ومع تأكيد سيول أن تلك التجارب كانت أكاديمية بطبيعتها، فإنها أبرزت امتلاك البلاد قدرات أساسية يمكن استخدامها في تطوير الأسلحة إذا تقرر ذلك يوما.
ويظل أبرز دافع نحو الطموح النووي في كوريا الجنوبية هو تصاعد التهديد القادم من جارتها الشمالية. فمع ترسانة بيونغ يانغ النووية المتنامية، التي تشمل عشرات الرؤوس النووية وأنواعا متعددة من
الصواريخ الباليستية، تصاعد الزخم الشعبي في كوريا الجنوبية لفكرة امتلاك رادع نووي مستقل. وتُشير استطلاعات الرأي إلى أن نحو 70% إلى 75% من الكوريين الجنوبيين يؤيدون تطوير بلادهم لأسلحة نووية ردًّا على هذا التهديد.
وفي يناير/كانون الثاني عام 2023، أثار الرئيس السابق للبلاد يون سوك-يول ضجة حين صرّح بأنه إذا تصاعدت استفزازات كوريا الشمالية، فقد تضطر بلاده إلى "النظر في إدخال أسلحة نووية تكتيكية أو صُنعها بأنفسنا". وأوضح أنه إذا اتخذت سيول هذا القرار، فبإمكانها تحقيقه "بسرعة كبيرة" بفضل قدراتها العلمية والتقنية. تلك التصريحات، الصادرة عن رئيس دولة في منصبه، كانت استثنائية، إذ طرحت لأول مرة فكرة امتلاك كوريا الجنوبية للسلاح النووي بوصفه خيارا واقعيا.
لكن ردود الفعل على تصريحاته كانت سريعة وحادة، سواء من الحلفاء أو من الداخل، فقد سارع وزراء يون إلى التخفيف من حدّة التصريحات، مؤكدين أن كوريا الجنوبية لا تزال ملتزمة بجعل شبه الجزيرة الكورية خالية من السلاح النووي، وستستمر في الاعتماد على الردع الأميركي الممتد.
من جانبها، كرَّرت الولايات المتحدة تأكيدها ألا نية لسيول في السعي لامتلاك سلاحها النووي، وأن التحالف بين البلدين سيعزز الردع التقليدي في مواجهة بيونغ يانغ.
تُجسِّد كوريا الجنوبية نموذجا لدولة على العتبة النووية، إذ يتصاعد الطلب الداخلي على امتلاك السلاح تماشيا مع تزايد التهديد الأمني الوجودي على حدودها. تمتلك كوريا الجنوبية القدرة الفنية، إذ إن بنيتها النووية المدنية المتقدمة تُمكِّنها من تطوير أسلحة نووية بسرعة، لكن التكاليف ستكون باهظة، إذ سيؤدي تطويرها للسلاح إلى فرض عقوبات دولية، وإجبارها على العزلة الدبلوماسية، وربما حتى انهيار التحالف مع الولايات المتحدة.
في الوقت الراهن، تُفضِّل سيول الالتزام بالضمانات الأمنية الأميركية، التي تشمل احتمال تنفيذ ضربات نووية سريعة ضد كوريا الشمالية عند الضرورة، على المجازفة بالخروج من المنظومة الدولية.
ومع ذلك، فإن استمرار توسّع الترسانة النووية الكورية الشمالية وتراجع الالتزام الأميركي قد يزيد من حِدّة النقاش في كوريا الجنوبية حول الخيار النووي المستقل، ما يُبقيها قريبة سياسيا من العتبة النووية، وإنْ لم تقرر اجتيازها بعد.
بعد سنوات طويلة من الكرّ والفرّ، والمناورات الدبلوماسية ومحاولات التخريب الإسرائيلية المتعمدة ومؤخرا الهجمات العسكرية الإسرائيلية والأميركية، تجد إيران نفسها اليوم أمام قرار مصيري حول طموحاتها النووية العسكرية.
ورغم الضربة الأميركية الأخيرة، يُعتقد أن طهران لا تزال تمتلك الخبرة وربما الموارد اللازمة التي قد تجعلها تتجاوز العتبة النووية.
في سبعينيات القرن الماضي في زمان الشاه، بدأت رحلة برنامج إيران النووي بمساعدة دول غربية، أهمها الولايات المتحدة، ولكن بعد اندلاع الثورة الإسلامية عام 1979، لم يُظهر قادة الثورة اهتماما بهذه التكنولوجيا المدمرة.
لكن بعد حرب دموية استمرت ثمانية أعوام مع العراق في الثمانينيات، أعاد آية الله الخميني النظر في قيمة تلك التكنولوجيا النووية. وهذه المرة، وجّهت إيران أنظارها شرقا نحو باكستان، التي كانت حينها على بُعد أقل من عقد من الزمن من اختبار قنبلة نووية.
وقد باع العالم النووي الباكستاني
عبد القدير خان لإيران أجهزة طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم إلى مستويات النقاء اللازمة لصنع القنبلة، وفق المصادر الغربية.
في العقد الأول من الألفية الثانية، بدأت الشكوك الدولية تتعزز بشأن البرنامج النووي الإيراني، حين اكتشف المفتشون الدوليون أن إيران تخصّب اليورانيوم باستخدام أجهزة طرد مركزي عالية السرعة تفصل نظير "U-235" عالي التخصيب من اليورانيوم الطبيعي. مَثَّلت أنشطة التخصيب "المُدّعاة" تلك خرقا لالتزامات طهران بموجب معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية.
هذا التطور قاد إلى فرض عقوبات من
مجلس الأمن الدولي، قبل أن ينتهي المسار التفاوضي إلى توقيع "خطة العمل الشاملة المشتركة" (JCPOA) عام 2015، التي هدفت إلى كبح برنامج إيران النووي والحد من أنشطة تخصيب اليورانيوم.
لكن بعد انسحاب الإدارة الأميركية أحاديا من الاتفاق عام 2018، ردّت إيران بتوسيع برنامجها النووي، وبحلول نوفمبر/تشرين الثاني عام 2024، باتت طهران قادرة على الوصول إلى ما يُعرف بمرحلة "الاختراق النووي" خلال أسابيع أو أيام في بعض التقديرات، وهي أقصر مدة ممكنة لإنتاج مادة تكفي لصنع سلاح نووي إذا صدر القرار السياسي بذلك.
لقد أصبح بإمكان إيران إنتاج يورانيوم مخصب بنسبة تفوق 90% يكفي لصنع قنبلة واحدة (نحو 25 كيلوغراما) خلال بضعة أيام فحسب، ويكفي لصنع نحو ست قنابل خلال أسبوعين، وفقا لتقديرات خبراء رابطة الحد من الأسلحة، في حين كانت المدة الزمنية للوصول إلى مرحلة "الاختراق" تُقدَّر بنحو عام في ظل الالتزام الكامل ببنود الاتفاق النووي.
وفي يونيو/حزيران 2025، شهد العالم ضربة عسكرية أميركية ضد إيران، تمثّلت في ضربات جوية منسقة على أبرز المنشآت النووية، وشملت منشآت التخصيب تحت الأرض في نطنز وفوردو، ومجمع تحويل اليورانيوم في أصفهان.
ووفقا للمسؤولين الأميركيين، هدفت هذه الضربات إلى إلحاق "ضرر بالغ" بالبرنامج النووي الإيراني، إذ قدّر البنتاغون أن هذه الضربات ستؤخر البرنامج لمدة "عام إلى عامين"، رغم عدم تقديمه أدلة تدعم تلك التقديرات.
وأوضح المسؤولون أن الضربات دمرت العديد من أجهزة الطرد المركزي، ومخزونات رئيسية من اليورانيوم، بجانب المنشأة الإيرانية الوحيدة القادرة على تحويل اليورانيوم إلى شكل لصنع القنبلة.
ومع ذلك، أشارت تسريبات استخباراتية إلى أن الأضرار كانت أقل مما أعلنته الإدارة الأميركية، إذ كانت إيران قد نقلت جزءا من أجهزة الطرد المركزي وكميات كبيرة من اليورانيوم المخصب إلى مواقع أكثر أمانا تحسُّبا لهجوم أميركي، ما يعني أنها قد تعوّض الخسائر خلال بضعة أشهر فقط.
وبغض النظر عن اختلاف التقديرات حول وضع البرنامج النووي الإيراني حاليا وزمن الاختراق النووي، فإن المؤكد أن إيران كانت "وستظل" ضمن دول العتبة النووية، مع امتلاكها مزيجا من المعرفة العلمية والقاعدة الصناعية والقدرات الصاروخية التي ستبقى قائمة حتى بعد الضربات. يعني ذلك أن إيران تملك القدرة على إنتاج أسلحة نووية في وقت ليس ببعيد إذا ما قررت الانسحاب من الاتفاقيات الدولية.
فالعلماء الإيرانيون يعرفون كيف يصنّعون ويشغّلون أجهزة الطرد المركزي المتقدمة، وقد بلغوا بالفعل مستوى تخصيب بنسبة 60%، وهي نسبة أعلى بكثير مما تحتاج إليه التطبيقات السلمية، كما يمكنهم إعادة بناء المخزونات وتركيب أنظمة التخصيب مجددا.
وهذا تحديدا كان السبب وراء عمليات القتل الإسرائيلية المستهدفة لعدد من علماء البرنامج النووي الإيراني خلال الحرب الأخيرة.
وفي الخلاصة، فإن الضربات الإسرائيلية والأميركية لم تفعل أكثر من إطالة فترة "الاختراق" النووي إلى حدٍّ لا يزال غير واضح تماما، لكن القدرة الكامنة لإيران لا تزال موجودة وفقا للمعطيات المتاحة حاليا.
تُوصَف اليابان غالبا بأنها النموذج المثالي لدولة تقف على "العتبة النووية"، أي الدولة التي تلتزم بقوة بمبدأ حظر الانتشار، لكنها تمتلك في الوقت ذاته كل المقومات اللازمة لامتلاك أسلحتها النووية خلال فترة زمنية وجيزة.